أنان: العالم يشهد تصاعدا في عدم التسامح والتطرف

مؤتمر كوالالمبور ينهي أعماله بمطالبة العقلاء في لندن والدول الإسلامية بقيادة النقاش

TT

اعتبر الرئيس الايراني السابق محمد خاتمي، انه من الخطأ الحديث عن «انتهاء التاريخ»، بعد انتهاء الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، رافضاً تصور بعض الجهات في الغرب، التي ترى انتهاء التطور التاريخي للحضارات وتجدد الانظمة السياسية، بعد الوصول الى نظام «الليبرالية الديمقراطية على الطريقة الغربية». وكان خاتمي يتحدث خلال مؤتمر بحث العلاقة بين العالم الاسلامي والغرب، الذي انهى اعماله في كوالالمبور في ماليزيا أمس. وتطرق 50 مشتركا في مؤتمر «من يتحدث باسم الاسلام ومن يتحدث باسم الغرب»، على مدار يومين الى المجالات التي تؤثر على العلاقة بين العالم الاسلامي والغربي، بما فيها التعاون العلمي وتأثير العولمة على العالم الاسلامي وعلاقته بالغرب. وعلى الرغم من ان المؤتمر انهى اعماله من دون طرح حلول جذرية للتحديات التي تواجه العالمين الاسلامي والغربي في القرن الحادي والعشرين، الا انه استطاع جمع مجموعة من الناشطين في دعم الحوار بين الحضارات ونبذ العنف، بالاضافة الى تسليط الضوء على ضرورة استمرار الحوار بين العقلاء من الجانبين، ورفض التطرف. واعلن الدكتور مصطفى تليلي، مدير معهد «الحوارات: العالم الاسلامي، الولايات المتحدة والغرب»، التابع لجامعة نيويورك، ومنظم المؤتمر مع وزارة الخارجية الماليزية، ان الحكومة الماليزية تنوي استضافة هذا المؤتمر سنوياً لدعم الحوار بين الحضارات.

وقال الأمين العام للأمم المتحدة كوفي انان، إن العالم يشهد «تصاعدا في التطرف والعنف وعدم التسامح، مما صعب العلاقات بين العالمين الغربي والاسلامي»، مضيفاً: «هناك خطر من ان يتحول الحوار الضروري بين الثقافات والمجتمعات الى تبادل عصبي بين المتطرفين، وكل جانب يتصور بأن المتطرفين يتحدثون بالنيابة عن الجانب الآخر، مما يدفعهم للسماح للمتعصبين بالرد العنيف بالنيابة عنهم». وتابع انان في رسالة بعثها الى المؤتمر وقرأها بالنيابة عنه اقبال رضا، المستشار الخاص لأنان في مبادرة «تحالف الحضارات»، انه على قدر اهمية الحوار بين الطرفين، «الاستماع الى ما يقوله الآخر ضروري». وحذر انان من فشل الحوار المتحضر، فذلك يشكل طريقاً مؤكداً من العنف المتجدد.

وكان اليوم الاخير من المؤتمر، أمس، مليئاً بالنقاشات المكثفة حول الحضارتين الاسلامية والغربية، مع اصرار عدد من المشتركين من الجانبين، على أنه لا توجد حضارتان منفصلتان، بل هو تواصل بين الشعوب على اصعدة مختلفة، منها الخوف المشترك من الخطر من الامراض القاتلة، مثل السرطان أو وباء جديد من الانفلونزا. وكانت جلسات النقاش مغلقة، مما جعل الكثير من المشاركين يتحدثون بصراحة احياناً، ادت الى مشادات كلامية سرعان ما سيطر عليها الدكتور مصطفى تليلي، بمطالبة الحضور بضرورة التحلي بالصبر والاستماع الى الرأي الآخر، مما اثرى المناقشات.

وقدم المفتي العام لدولة البوسنة والهرسك الشيخ مصطفى شيريتش طرحاً، ايده فيه الامين العام لمجلس مسلمي بريطانيا السير اقبال سكراني، يطالب بالنظر الى المسلمين في اوروبا والدور الذي بامكانهم لعبه في مد جسر بين الحضارتين الاسلامية والغربية. وقدم المفتي ورقة تحت عنوان «اعلان من مسلمي اوروبا»، فيها دراسة مفصلة عن دور المسلمين في القارة الاوروبية. وقال شيريتش لـ«الشرق الأوسط»: «لكي نحصل على نتيجة ملموسة بشأن العلاقة بين المسلمين والغرب، يجب ان نجرب جملة من الحلول، وبعض المؤتمرات تفشل، ومنها نتعلم النجاح، وهذا المؤتمر بالذات نجح لانه استطاع استقطاب هذا الجمع، في وقت نشهد اسفل درجة من الثقة بين المسلمين والغرب في التاريخ، والذي يستطيع ان يعيد هذه الثقة يستطيع ان يقول انه وجد الطريق للسلام في العالم». وشدد المفتي على اهمية اتخاذ المسلمين حول العالم خطوات لاصلاح حالهم وتعريف العالم بتعاليم دينهم الحنيف، قائلاًَ: «ما نراه يحصل للمسلمين الآن هو ابتلاء من الله تعالى، فـ50 في المائة من اللاجئين في العالم، هم مسلمون والذين قتلوا في الزلزال في باكستان، هم مسلمون، وغيرها من حوادث يومية نراها، بما فيها الحروب في الاراضي المسلمة». وخلص الى القول: «ادعو الله ان يعطينا الحكمة والشجاعة وان نجمع هاتين الصفتين وان نستغل هذا الابتلاء لنقدم الخير للعالم، فالله تعالى يريد منا شيئاَ».

وحتى الساعة الآخيرة من المؤتمر، كان البعض يناقش الجدوى من الحديث عن الغرب، وما تعنيه هذه العبارة من موقع جغرافي أو مبادئ معينة. وقال رئيس «المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية والسياسية» في موسكو، فيلتاي ناومكين لـ«الشرق الأوسط»: «العبارات المحددة تثير بعض الصعوبات، ولكن علينا تخطي هذه الصعوبات والعمل على ايجاد حلول ملموسة للمشاكل التي نشهدها». واعتبر ان روسيا «هي جزء من الحضارة الغربية والاسلامية، فهناك 15 مليون مسلم في روسيا وهم يسكنون هذه الاراضي من قرون، وفي الوقت نفسه بعض مناطق روسيا متأثرة بالحضارة الغربية، فنحن نجمع الجانبين وقد تكون روسيا جسراً بين الطرفين».

ورعى «معهد الدبلوماسية والعلاقات الخارجية» الماليزي المؤتمر مع معهد «الحوارات: العالم الاسلامي، الولايات المتحدة والغرب» التابع لجامعة نيويورك، مع تمويل من وزارتي الخارجية البريطانية والفرنسية، بالاضافة الى صندوقين خيريين هما «صندوق الاخوين روكرفلير» و«معهد ماكارثر». وشرح مدير المؤسسة الأولى، المعروفة بتمويلها مشاريع خيرية ومؤتمرات تهتم بالسياسيات الخارجية، التي تهم الولايات المتحدة، ستيفن هانيز لـ« الشرق الاوسط»، الاسباب وراء تمويل مؤسسات اميركية لمثل هذه الفعاليات، قائلاَ «ان موضوع العلاقة بين الاسلام والغرب من اهم الشؤون التي تواجهنا في القرن الحادي والعشرين، والطريقة الوحيدة لتواصل علاقة صحية وجيدة للطرفين، عن طريق معرفة افضل والحوار المفتوح». وأضاف: «نحن نعمل من جانبين، الاول من خلال الحوار مع الطبقات العليا من مراكز القرارات السياسية ومن الطبقات الشعبية لتوسيع المعرفة، وعند التقاء الجهدين سيحصل التغيير الاجتماعي الايجابي».