مئات الألوف أحيوا في بيروت الذكرى الأولى لاغتيال الحريري وقادة «14 آذار» هاجموا النظام السوري ودعوا إلى إسقاط لحود

التيار العوني و«حزب الله» تغيبا شعبيا وحضرا رمزيا

TT

«لبنان اولاً»... بهذه العبارة أحيا مئات آلاف اللبنانيين أمس الذكرى السنوية الاولى لاغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري، عندما تجمعوا في ساحة الشهداء في وسط بيروت قرب ضريح الرئيس الراحل.

وعم الاقفال جميع المناطق اللبنانية، حتى تلك التي لم تشارك بكثافة في التجمع الذي اقيم في بيروت بدعوة من «تيار المستقبل» الذي يرأسه النائب سعد الحريري وقوى تحالف «14 آذار» فيما غاب عنه شعبياً «التيار الوطني الحر» المؤيد للعماد ميشال عون الذي كان تياره احد المشاركين الاساسيين في مظاهرة 14 مارس (آذار) التي نظمت في ذكرى مرور شهر على الاغتيال وشارك فيها اكثر من مليون لبناني مطالبين بمعرفة الحقيقة وانسحاب الجيش السوري. كما غاب عنها «حزب الله» وحركة «أمل» اللذان شاركا في مظاهرة 8 مارس 2005 تأييداً لسورية، قبل دخولهما الحكومة الجديدة. وقد اكتفى عون و«حزب الله» و«أمل» بمشاركة رمزية عبر وفود نيابية حضرت الاحتفال.

وكان التجمع الكبير الذي اقيم تحت شعار «يوم الوفاء» للرئيس الحريري مناسبة لقادة تحالف «14 آذار» لإعلان مواقف تركزت في صورة أساسية على مهاجمة سورية و«وديعتها في لبنان» رئيس الجمهورية اميل لحود الذي كان هدفاً لكلمات معظم الخطباء الذين طالبوا بإقالته، وخصوصاً من قبل النائب سعد الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط ورئيس الهيئة التنفيذية لـ «القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي قال ان «الرئاسة لنا وسنستردها».

ونال «حزب الله» ايضاً نصيبه من كلمات الخطباء، لكن من دون تسميته، ومن قبل الحشد الذي كان يهدر عند ذكر سلاحه. اما ميشال عون فقد وصفته احدى لافتات الحضور بـ«راعي الغنم».

وعند الواحدة الا خمس دقائق تماماً، اي لحظة التفجير الذي اودى بالحريري ورفاقه في 14 فبراير (شباط) 2005، وقف الحضور والخطباء دقيقة صمت حداداً.

وكانت الحشود قد تقاطرت الى ساحة الشهداء في بيروت ـ التي أصبح اسمها غير الرسمي «ساحة الحرية» ـ من المناطق اللبنانية البعيدة والقريبة من العاصمة بواسطة وسائل نقل أمنتها القوى الراعية للمظاهرة. وقدرت وكالة «رويترز» الحشود بـ 500 الف شخص.

وأقيم حفل خطابي افتتحه وزير الاتصالات مروان حمادة، الذي تعرض لمحاولة اغتيال قبيل اغتيال الحريري، فاستهل كلمته بالاعتذار من الرئيس الحريري «لأننا لم نعرف كيف نبني الوفاق الراسخ الذي كنت تسعى اليه... ولأننا لم نفلح بعد في اقتلاع رأس النظام الأمني القابع في قصر بعبدا، في قصر لم يعد يستحقه دستوريا وفي موقع لم يعد يملأه عمليا. نعتذر منك يا أبا بهاء لأننا لم نمح تماما آثار الوصاية البغيضة على لبنان ولم نقتص بعد من الأقزام الشتامين المحرضين على قتلك والمعتدين على كرامتك والمعطلين لمسيرتك».

وأكد حمادة «ان التصميم باق يستمد منك ومن دماء رفاقك القوة اللازمة لاعادة إطلاق الثورة الشعبية الزاحفة نحو استكمال التحرير وتحرير بعبدا ونحو تغليب الديمقراطية وبسط الأمن والتأسيس للازدهار. هذه الثورة من اجل لبنان سيد حر مستقل حضاري في تعدده، توافقي في نظامه، تقدمي في عروبته».

ثم تحدثت وزيرة الشؤون الاجتماعية نايلة معوض التي حذرت من «التفريط بما تحقق» بعد اغتيال الحريري، داعية الى «استكمال الاستقلال لنؤكد للجميع اننا لسنا اكثرية عابرة ولا وهمية، بل شعب حر يريد الحياة».

ووعد الرئيس السابق للجمهورية امين الجميل بأن «التغيير آت» معتبرا ان هذا التغيير «سيتحقق على الصعد كافة حتى تعود الدولة حقيقة لبنانية». وشدد وزير الدولة لشؤون مجلس النواب ميشال فرعون على «العمل لتثبيت الحوار كي لا نقع ضحية للاطماع الخارجية». فيما القت نايلة تويني، ابنة النائب الراحل جبران تويني، كلمة بالعامية حيّت فيها الذكرى معتبرة «ان الوحش الاسود الذي يهاجم لبنان لم يشبع».

السبع.. وآل الوحش والقى النائب باسم السبع كلمة هاجم فيها النظام السوري بعنف، معتبرا انهم (آل الاسد) لا يحملون من اسمائهم سوى المخالب، مذكرا بانهم آل الوحش (قبل تغيير الاسم الى آل الاسد). وقال: «انهم آل الوحش، حكام باسم الغابة وحكام باسم النظام. انهم حكام آل الوحش. هذه هي حقيقتهم الاولى وهي الحقيقة التي عرفناها في 14 شباط (فبراير). هي الحقيقة السوداء التي صنعت التمديد لاميل لحود. وهي الحقيقة التي رأيناها وهم يجهزون على باسل فليحان وجبران تويني وسمير قصير وجورج حاوي. انهم آل الوحش، حكام الزمن الرديء والنظام الرديء. انهم وحوش برتب عالية وفي مواقع عالية. من هنا، من بعبدا، وحوش في بعبدا، ووحوش في قصر المهاجرين. والوحش سيسقط في النهاية، لان الحرية لا يمكن ان تسفك. الوحش لا يمكن ان يكون دكتورا، لا يمكن ان ينال شهادة في الدكتوراه. الوحش يصلح لأن يكون ديكتاتورا لا دكتوراً».

سعد الحريري : وديعة بعبدا وبعد دقيقة الصمت، تحدث النائب سعد الحريري فذكّر كيف ان والده الشهيد عندما استقال من رئاسة الحكومة بعد التمديد للحود قال: «استودع الله هذا البلد الحبيب وشعبه الطيب»، معتبرا انه «عندما قتلوا رفيق الحريري قال لبنان نحن نرفض الوداع».

وتوجه الحريري الى الحشد مطالبا اياه بان يردد «لبنان اولا... لبنان اولا». ففعلت الجماهير. ثم تابع القاء كلمته فتوجه الى اطراف «14 آذار» وسماهم تيارات وشخصيات واحزابا، قائلا: «ايها الاخوة في الوطن، ايها الاخوة في الحرية، ان لبنان اهم منا جميعاً. ووحدة لبنان اغلى من أي حزب، ومن اي طائفة. حزبنا هو حزب لبنان اولاً. ونلتقي هنا اليوم من اجل ان يكون لبنان اولاً. اننا صف واحد في وجه المعتدين على سيادة لبنان. واننا ارادة واحدة للدفاع عن استقلال لبنان. واننا قلب لبنان، قلب واحد في وجه المخططين لزرع الفتنة في لبنان».

واضاف: «قبل ايام حركوا أصابع الفتنة في قلب بيروت. ونحن معاً قررنا ان نقطع هذه الاصابع. وقلنا بصوت لبناني واحد: لا مكان بيننا للمجرمين والمخربين. لا مكان في لبنان لأدوات النظام الأمني ولرموز النظام الأمني، لا مكان بيننا لكل من يعمل على بيع شرف لبنان لقتلة رفيق الحريري وللمتورطين بهدر دماء رفيق الحريري ودماء كل شهداء الحرية. وقلنا ونكرر: هنا في ساحة الحرية، ساحة رفيق الحريري، ساحة 14 آذار، ليس هناك مسلمون ولا مسيحيون، بل لبنانيون فقط يصرخون: لبنان اولاً، لبنان اولاً، لبنان اولاً».

وأعلن الحريري: «اليوم، بوجودكم هنا، تسقطون المؤامرة في الاشرفية، تسقطون المؤامرة على لبنان، تسقطون المؤامرة على رفيق الحريري وعلى كل الشهداء وعلى شعب لبنان وعلى سيادة لبنان وحرية لبنان واستقلال لبنان وكرامة لبنان». ثم توجه الى الحضور قائلاً: «ايها الاخوة والاخوات تركوا لنا في بعبدا وديعة من ودائع نظام الوصاية. ونحن نقول لهم: اسحبوا وديعة وصايتكم من بعبدا. اسحبوا رمز وصايتكم من بعبدا. اسحبوا عنوان قهركم للبنان، ولشعب لبنان من بعبدا، لأن شعب لبنان لن يساوم. لن نساوم على دماء رفيق الحريري. لن نساوم على دماء باسل فليحان. لن نساوم على دماء سمير قصير. لن نساوم على دماء جورج حاوي. لن نساوم على دماء جبران تويني. لن نساوم على دماء اي شهيد من شهداء انتفاضة الاستقلال»، مشدداً على «اننا لن نتخلى عن حلفائنا الذين ضحوا من اجل لبنان. لن نتخلى عن شبابنا ولا عن شاباتنا الذين صنعوا معجزة الحرية والسيادة والاستقلال. وستبقى ايدينا ممدودة لكل الشرفاء في هذا الوطن. وستبقى الوحدة الوطنية امانة رفيق الحريري في اعناقنا. وسيبقى شعارنا: لبنان اولاً. لن نساوم» وكررها ثلاث مرات.

جعجع : الرئاسة لنا وفي اول إطلالة جماهيرية له منذ اطلاقه من السجن في يوليو (تموز) الماضي، القى جعجع كلمة قال فيها: «ان مسيرة الحق والحقيقة والحرية انطلقت ولن ندع شيئا يقف في وجهها. فكونوا مستعدين، نحن نعرف تماما ان البحر امامنا والعدو وراءنا، لكن لن يرف لنا جفن، لن نرتاح، لن نستكين حتى النهاية، نحن هنا، وهنا سنبقى، سلاما على من يحب السلام». وهنا قطع جعجع كلمته فيما توجه النائب جنبلاط الى المنصة وصعد وصافح جعجع ورفعا ايديهما معا لتحية الجماهير. بعدها صعد النائب الحريري والوزير حمادة وغسان تويني وحفيدته نايلة وقاموا بشبك ايديهم مع بعضهم البعض وسط هتافات الجماهير. ثم تابع جعجع كلمته، فقال: «ان رئاسة الجمهورية لنا، وسنستردها مهما كان الثمن، وسنستردها مهما طال الزمن، الجنوب لجميع بنيه، لن نتركه ورقة في مهب الريح، لن يكون لبنان رهينة أو مطية لأحد. لن يكون ألعوبة من جديد في يد أحد، نحن هنا، وهنا سنبقى أحرارا، مستقلين، اسيادا كاملين على أرضنا. أقول لهم: نحن نراكم ونعرف ماذا تخططون. أقول لهم: ان الطرق الملتوية والمجرمة لم تؤد يوما الى نتيجة».

جنبلاط : الثأر من لحود وبشار وكانت اقوى الكلمات للنائب وليد جنبلاط الذي سجل اعنف مواقفه ضد الرئيس السوري بشار الاسد واصفاً اياه بـ «العبد المأمور». كما تعرض لـ «حزب الله» وسلاحه. وقال: «جئنا لنقول لك يا حاكم دمشق، يا طاغية الشام، ورفاقك وحلفائك: نحن لسنا قلة عابرة، نحن لسنا اكثرية وهمية. انت قلة عابرة مجرمة حاقدة. هم قداسة وهمية، ولا قداسة ولا قدسية، الا للوطن، الوطن لبنان. وجئنا لنقول انه اذا كان النسيان مستحيلاً الا ان التسامح مستحيل ومستحيل ومستحيل» مردداً عبارة قالها المتظاهرون: «بيروت بدنا الثار من لحود والبشار»، وقائلاً: «يا حاكم دمشق انت العبد المأمور ونحن الاحرار. جئنا لنقول ان لا استقلال حقيقياً ولا سيادة من خلال الأمن بالتراضي. جئنا لنقول ان لا استقلال حقيقياً ولا سيادة وسلطة الجيش والدولة تقف عند حدود الضواحي والمخيمات والجنوب. جئنا لنقول ان لا استقلال حقيقياً ولا سيادة من دون تطبيق القرارات الدولية، رافضين حجة مزارع شبعا، رافضين المحور السوري ـ الايراني، رافضين مصادرة الوطن على حساب طموحاتنا بالحرية والاستقلال. بدل مزارع شبعا فلنحرر مزرعة بعبدا. جئنا لنقول ان لا استقلال حقيقياً ولا سيادة والحدود مشرعة لقوافل السلاح والارهابيين والمأجورين. وجئنا لنقول ان لا استقلال حقيقياً ولا سيادة ورمز العمالة والارتهان للنظام السوري قابع في بعبدا. ونقول له جاء بك بشار الارهابي وسيرحل بك الشعب اللبناني الابي».

وختم جنبلاط قائلاً: «يا سعد، يا شيخ سعد، يا آل الحريري، يا ابن رفيق الحريري، من خلّف ما مات. ان الحياة انتصار للاقوياء في نفوسهم لا للضعفاء».

«الجماعة الإسلامية» وحدها كلمة «الجماعة الاسلامية» جاءت نافرة، إذ ذكَّر النائب السابق اسعد هرموش بجهود الرئيس الحريري في تعليم الطلاب واعداد اتفاق الطائف والمساهمة في حفظ المقاومة وسلاحها. وقال: «جئنا لنردد مع نجلكم الشيخ سعد، وليسمع هؤلاء وأولئك: ان لبنان الموحد السيد الحر، عربي، عربي ومن صميم بلاد العرب. نحن، نعم، جزء من هذه الامة، وان ظلمنا البعض باسم هذه العروبة. نحن جزء من هذه الامة، لأنها ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا. جئنا نرفض الوصاية القريبة والبعيدة. جئنا نرفض ابناء الوصاية وزلم الوصاية الذين يجب ان يتنحوا جانبا. جئنا لنرفع لواء السيادة والحرية والحقيقية، لننشد نشيد الوحدة الانسانية، ولنؤكد ان لا خلاص للبنان إلا بوحدة كل ابنائه ضمن الدولة القوية العادلة».

ورأى النائب السابق نسيب لحود «ان المسيرة لم تنته بعد» مطالبا النظام السوري بأن «يقر نهائيا بان لبنان بلد حر عربي سيد مستقل» ومشددا على ضرورة «رحيل رئيس الجمهورية رمز الوصاية السورية على لبنان».

وشدد وزير التنمية الادارية جان اوغاسبيان على عدم التفريط بدماء الحريري «الذي اعطانا الاستقلال فجعلنا للمرة الاولى بعد عقود اسياد أنفسنا». كما كانت كلمة عبر الهاتف للاعلامية مي شدياق التي نجت من محاولة اغتيال في سبتمبر (ايلول) الماضي والتي رأت ان «زرع التفرقة بين اللبنانيين الأصيلين مهمة مستحيلة».