رئيس الوزراء الفلسطيني المكلف.. من أزقة الشاطئ في غزة وسجون الاحتلال إلى قمة الهرم القيادي

هنية يحظى باحترام الخصوم قبل الأصدقاء.. هادئ حسن المنطق والخلق متواضع وشعبي وصلب ولكنه واقعي وبراغماتي

TT

يعترف الجميع، الخصوم قبل الحلفاء والأصدقاء بأنه قائد يتمتع بما لا يتمتع به معظم القادة الآخرين من صفات. وأولى هذه الصفات وأهمها التواضع واللطف في المعاملة وحسن الخلق والمنطق والتهذيب، وهدوء الشخصية والشفافية والنزاهة وصلابة الموقف عندما يتعلق الأمر بالقضايا الوطنية والمبدئية. وهو في نفس الوقت قيادي واقعي وبراغماتي، عندما تتطلب المصلحة الوطنية الواقعية والبراغماتية، وصلب لا يساوم على مبدأ او قناعة عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها حق المقاومة. يضاف الى ذلك فهو قيادي شعبي، ويوصف برجل الشارع ومستمع من الطراز الأول..

هذا ما يقوله معارف (خصوم وأصدقاء) اسماعيل هنية القيادي البارز في حركة المقاومة الاسلامية (حماس) المتصدر لقائمتها النيابية، اكبر الكتل في المجلس التشريعي الفلسطيني الثاني (74 مقعدا من أصل 132 مجمل مقاعد المجلس، يليها في المرتبة الثانية حركة فتح بـ45 مقعدا) وهو ايضا الشخصية المرشحة لتولي منصب رئيس الوزراء الفلسطيني. ويصفه المحامي راجي الصوراني وهو العلماني بأنه «متحدث لبق ومتماسك، وهو من بين الأكثر احتراما بين قادة «حماس».

وقال هنية عشية الاعلان فوز «حماس» بالانتخابات «نحن في حماس اناس براغماتيون، ومستعدون للتعامل مع العالم الحر، ونحن نطالبهم بأن يكونوا متفتحي العقول ومتحملين للمسؤولية عندما يتعاملون مع نتائج هذه الانتخابات». وقال ايضا «ليس لدينا مشكلة في اقامة علاقات مع أية دولة في الأسرة الدولية باستثناء اسرائيل. ولا يرى هنية كما يقول تناقضا بين الاحتفاظ بالجناح العسكري للحركة «كتائب الشهيد عز الدين القسام» والعمل البرلماني، كما لا يرى تناقضا بين المقاومة والعمل البرلماني، ولكنه في الوقت نفسه لعبا دورا اساسيا في التوصل الى التهدئة في العام الماضي.

ولهذه الصفات مجتمعة وقع عليه خيار «حماس» ليتصدر قائمتها الانتخابية ومن ثم ليتولى رئاسة اول حكومة تكلف تشكيلها. وبذلك يكون هنية اول شخصية من «حماس» تتولى رئاسة الوزراء في السلطة وثالث رئيس للوزراء بعد محمود عباس (أبو مازن) (من ابريل (نيسان) 2003 وحتى أغسطس (آب) 2003)، وأحمد قريع (أبو علاء) (سبتمبر (أيلول) 2003 وحتى مارس (آذار) 2006). ويكون هنية ايضا اول فلسطيني من الداخل، ليس هذا فحسب، بل اول فلسطيني ولد وترعرع في احد مخيمات غزة ولا يزال يعيش فيه، يتبوأ هذا المنصب. اذ اقتصرت المناصب الرئيسية في السلطة الفلسطينية على العائدين، وسيكون اصغر من تولى هذا المنصب. شحيحة هي المعلومات عن اسماعيل هنية، لكن ما هو متوفر منها، يشير الى انه انسان عصامي طور نفسه بنفسه من خلفية اجتماعية بسيطة الى شخصية قيادية متعلمة ومثقفة، وكما سلف ذكره ولد وترعرع في احد مخيمات قطاع غزة وعلى وجه الخصوص معسكر الشاطئ أحد اسوأ مخيمات غزة معيشة وفقرا وثاني هذه المخيمات اكتظاظا بالسكان بعد جباليا شمال قطاع غزة.

ظل اسماعيل هنية يعمل في ظل الشيخ احمد ياسين مؤسس حركة حماس، مديرا لمكتبه وكاتما لأسراره منذ عام 1994 أي اثناء وجود الشيخ ياسين في السجن وبعد خروجه من السجن عام 1997 في اطار صفقة عقدتها الاردن مع اسرائيل للخروج من ازمة محاول اغتيال رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» خالد مشعل. وظل هنية يحتل هذا المنصب وحتى اغتيال الشيخ ياسين في 21 مارس (اذار) 2004 بصاروخ اطلقته طائرة اسرائيلية على الشيخ ياسين وهو في طريق عودته الى منزله بعد اداء صلاة الفجر في المسجد القريب في حي الصبرا الفقير في مدينة غزة.

وكان هنية يفضل العمل في السر، لكن اغتيال معلمه ومن بعده الدكتور عبد العزيز الرنتيسي (أسد حماس كما كانوا يلقبونه) خليفة المؤسس في قيادة الحركة، ومن قبله اسماعيل ابو شنب وابراهيم مقادمة وغيرهم من قيادات «حماس»، فرض عليه الخروج الى العلن ليسد فراغا في قيادة «حماس» في الداخل خاصة، اذ لم يبق من الوجوه المعروفة للعالم الخارجي سوى الدكتور محمود الزهار الذي تعرض هو الآخر لمحاولة اغتيال بقصف منزله فأصيب برجله وفقد ولده البكر خالد.

صعد نجمه بقوة وازدادت شعبيته في صفوف «حماس» بل وحتى في الشارع الفلسطيني وفي اوساط الفصائل الفلسطينية الاخرى، فاختير ليقود حملة «حماس» الانتخابية وتصدر قائمة مرشحيها (الاصلاح والتغيير). وبالففعل قاد حملة ناجحة نزيهة نظيفة حققت لـ«حماس» الى جانب عوامل اخرى، ما لم يحلم احد به وهو الفوز الساحق على حركة فتح في الانتخابات التشريعية في 25 يناير (كانون الثاني) الماضي، بالحصول على 74 مقعدا منى اصل 132 مجمل مقاعد المجلس، يضاف الى ذلك 4 مقاعد للمستقلين تدعمهم.

وينتمي اسماعيل عبد السلام أحمد هنية الى اسرة فلسطينية لاجئة من قرية الجورة في منطقة مدينة عسقلان شمال قطاع غزة. وينتمي الى هذه البلدة عدد من قادة «حماس» في مقدمتهم المؤسس الراحل الشيخ ياسين، وأحمد بحر وسعيد صيام (وكلاهما نائب في المجلس التشريعي الجديد)، ويطلق عليهم لقب «جماعة الجورة».

ولد هنية في عام 1963 في مخيّم الشاطئ في شمال مدينة غزة، وهو اكثر المخيمات فقرا واكتظاظا بالسكان في قطاع غزة، بعد مخيم جباليا الذي يقع الى الشمال منه، وترعرع في أزقته ودرس في مدارس وكالة غوث اللاجئين فيه، حيث انهى دراسته الابتدائية والاعدادية، بينما حصل على شهادة الثانوية العامة من معهد الأزهر الديني بغزة قبل ان يلتحق بكلية التربية قسم اللغة العربية في الجامعة الاسلامية ويتخرج منها. وإسماعيل هنية الملقب بـ«أبو العبد»، لا يزال يعيش مع أسرته المكونة من زوجته و13 طفلا في نفس المخيم وان يكن في منزل مريح تكون من 3 أدوار.

نشط اسماعيل هنية في الكتلة الاسلامية الذراع الطلابية للاخوان المسلمين، التي انبثقت عنه لاحقا حركة حماس، حيث اصبح عضوا في مجلس طلبة الجامعة الاسلامية في غزة المشكل من الكتلة بين عامي 1983 الى عام 1984. ثم تولى منصب رئيس مجلس الطلبة في الفترة الواقعة بين 1985 و1986 حيث شهدت الجامعة الاسلامية خلال هذه الفترة خلافات حادة بين الشبيبة الفتحاوية الذراع الطلابية لحركة فتح، التي كان يتزعمها محمد دحلان في الجامعة والكتلة الاسلامية. بعد تخرجه من الجامعة الاسلامية وحصوله على شهاد الماجستير، عمل هنية معيدا في الجامعة الاسلامية ثم مسؤولا عن الشؤون الادارية في الجامعة، لذلك فهو مشهود له بكفاءاته الادارية.

اعتقلت اسرائيل هنية 4 مرات، الأولى منها خلال الانتفاضة الاولى التي اندلعت في ديسمبر (كانون الاول) عام 1987 في مخيم جباليا، وهو نفس الشهر والعام الذي اعلن فيه انطلاقة «حماس»، ومكث بالسجن 18 يوما. وفي عام 1988 اعتقل مرة أخرى واستمر مسجونا ستة اشهر.

أما المرة الثالثة فكانت عام 1989 وهي الأطول واعتقل بتهمة ادارة الجناح الأمني لـ«حماس»، وامضى ثلاث سنوات في السجون الاسرائيلية، قبل ابعاده مع حوالي 400 من كوادر «حماس» والجهاد الاسلامي وقادتهما الى مرج الزهور في جنوب لبنان في 17 ديسمبر (كانون الاول) عام 1992 حيث استمر ابعاده سنة.

اصبح عضوا في القيادة الجماعية التي شكلتها «حماس» في قطاع غزة، بعد مقتل الشيخ ياسين وخليفته الرنتيسي عام 2004، وكذلك عضوا في المكتب السياسي للحركة برئاسة مشعل. يحظى هنية بشعبية كبيرة في أوساط «حماس»، حيث يشتهر بهدوئه ومواقفه المعتدلة، كما يحظى بعلاقات قوية مع قيادات الفصائل الفلسطينية المختلفة، لتأكيده الدائم على الوحدة الفلسطينية. وشارك هنية في جميع جلسات الحوار بين حركة حماس والسلطة الفلسطينية والفصائل الفلسطينية الأخرى.

تعرض هنية لمحاولة اغتيال، بينما كان برفقة الشيخ ياسين في 6 سبتمبر (ايلول) عام 2003، عندما القت طائرة حربية اسرائيلية قنبلة على منزل في غزة كان يفترض ان تكون قيادة «حماس» بأكملها مجتمعة فيه. غير أن هنية والشيخ ياسين وسكان المنزل، نجوا من عملية القصف، لهروبه منه قبل قصفه بدقائق.

وما لا يعرف عن هنية انه ترشح للانتخابات التشريعية الاولى عام 1996، لكنه اضطر للانسحاب، عندما رفضت الحركة المشاركة فيها باعتبار ان المجلس التشريعي من مستحقات اتفاق اوسلو، الذي ترفضه او كانت. والآن يواجه هنية ربما أصعب وقت في حياته السياسية، ومأزقا ذا وجهين خارجي وداخلي، الاول هو الحصار المادي والسياسي والعسكري الذي تفرضه عليه اسرائيل والولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي. والثاني الصعوبات التي سيواجهها في عملية تشكيل الحكومة، او كما يحلو لـ«حماس» تسميتها بالشراكة السياسية، وعليه هنا ان يستفيد من كل طاقاته وقدراته الشخصية، للخروج من المأزق الداخلي باقناع الآخرين في الفصائل الأخرى في مقدمتها «فتح»، لتحقيق الشراكة السياسية دون التنازل عن ثوابت الحركة والثوابت الفلسطينية. وربما النجاح في الخروج من المأزق الثاني، يساعد في الخروج من المأزق الاول.