قصة فتاة فلسطينية فقدت بصرها بسبب قنبلة مسيلة للدموع تروج على نطاق واسع في أميركا

TT

أثارت قضية فتاة فلسطينية فقدت بصرها خلال «الانتفاضة الاولى» اهتماماً واسعاً في عدد من وسائل الاعلام الاميركية، وكتب قراء تعليقات متعاطفة حين خصص محرك «يا هو» موقعاً خاصاً للموضوع والتعليقات عليه. ونشرت القصة ضمن موضوعات «منطقة ساخنة» تتناول قصصاً إنسانية حدثت بسبب الصراع العربي ـ الاسرائيلي. جرت وقائع القصة عام 1987 في «مخيم» الشاطئ في قطاع غزة، عندما كان بعض الصبية الفلسطينيين يكتبون شعارات قرب منزل أسرة الحيسي. وهاجمت دورية من القوات الاسرائيلية الصبية، لذلك اضطروا الى تسلق جدار منزل الحيسي واختبأوا فيه.

بعدها قدمت هذه الاسرة ملابس للصبية حتى تتاح لهم العودة الى منازلهم دون أن يتعرف عليهم الجنود الاسرائيليون.

واقترح أحدهم أن يخرج أحد أفراد الحيسي من المنزل للتأكد أن المنطقة المجاورة آمنة، ليتمكن بعدها الصبية من التسلل خارج المنزل تفادياً لاعتقالهم. ودون استشارة من أحد اندفعت الطفلة أماني الحيسي، سبع سنوات، الى خارج المنزل لاستكشاف الامر. فور خروجها قذف الجنود قنبلة مسيلة للدموع باتجاه أماني اصابت رأسها في منطقة تعلو حاجبها الايسر. تقول أماني،27 سنة الآن، «كانت الإصابة مؤلمة جداً جداً». بعدها حمل والد أماني كامل الحيسي الطفلة الى المستشفى المحلي في غزة. هناك أبلغه الاطباء انهم لا يستطيعون أن يفعلوا أي شيء، وحالة أماني تتطلب نقلها الى مستشفى متخصص للعيون في مدينة القدس.

تطلب الأمر يوماً كاملاً حتى يستطيع كامل اقناع الاسرائيليين السماح له بالانتقال عبر حاجز الى القدس. عندما وصل الى المستشفى سمع اخباراً غير طيبة. لقد فقدت أماني بصر عينها اليسرى بسبب تمزق داخلي. ثم توالت الاخبار السيئة. قال الأطباء إن الطفلة يمكن أن تفقد بصر عينها اليمنى بسبب الجرح.

بقيت أماني اربع سنوات وهي تبصر بعينها اليمنى، لكن وكما توقع الأطباء فقدت أماني بصرها وأصبحت كفيفة وهي في سن الحادية عشر.

تقول أماني، التي كانت تتحدث من منزلها وهو يبعد بضعة أمتار عن شاطئ البحر في غزة، محاولة تذكر الوقائع «كان الأمر صعباً وتعيساً... لكن كان هناك شيء إيجابي. خلق الحادث روح التحدي في داخلي. فقداني لبصري جعلني اهتم بأمور اخرى مثل السياسة والثقافة والأدب. أماني بعينيها أو بدونهما ما تزال تعيش، فقدت بصري من أجل فلسطين لكن ليس حياتي أو روحي».

تستعين أماني بهذه الروح لتحقيق عدد من اهتماماتها. تعلمت أن تقرأ وتكتب على طريقة برايل ودرست عبرها الأدب العربي. وهي تعزف «الاكوريدون» وتعد برامج متنوعة في إذاعة «صوت الشباب». تقول أماني «تكيفت مع وضعية الكفيفة..لكن لا شيء يعوض البصر، الأمر الذي تعلمته من هذه الوضعية هو التعويض، لكن ليس استبدال شيء بشيء». وتستطرد «ما اكتسبته بعد أن فقدت بصري هو الخيال». حين تتحدث أماني تبدو الآن وكأنها شاعرة. تقول «أجلس بعض الأحيان قرب الشاطئ وارى كل شيء داخل عقلي...مع كل موجة تضرب الشاطئ فإن خيالي يصبح أكبر وأكبر، إنني اشاهد كل الأمواج، كل البحر والأفق والغروب، خيالي أصبح غير محدود تماماً مثل البحر»، لكن خيالها على الرغم من ذلك له حدود. عندما أرادت أماني أن تعلم شقيقها الأصغر كيف يكتب أسمه، تطلب منها الأمر عدة محاولات عبر اللمس لتتعرف على بداية صفحة الدفتر. لكن أماني لا تكف عن إطلاق النكات والدعابات التهكمية رغم كل شيء.

عندما سئلت حول ما تذكره في اليوم الذي تعرضت فيه للاصابة، قالت مازحة «لا تذكرني بذلك اليوم. إنني احبه كثيراً». وهي تعتبر ما حدث جزءا من ضريبة النضال الفلسطيني. تقول أماني «من المستحيل أن أضع غضبي جانباً...نحن هنا هم الأبرياء، كل ذلك يمكن أن ينتهي بانهاء الاحتلال. إذا تخلصنا منهم (الاسرائيليين) لن يتبقى هناك ضحايا». وراحت تقرأ بعض أبيات الشعر التي كتبتها.

اعطوني طفولتي اعطوني طفولتي ولا تتركوني لوحدي لا تطلقوا النار على رأسي فيكفيني همومي أنا طفل في عمر الورد داسوا على جبيني أنا طفلة في عمر الورد لم يرحموا طفولتي رجاء منكم اخوتي لا تتركوني ترتدي أماني عقداً ذهبياً حول عنقها عليه حرف «راء». الاسم الاول لخطيبها، وهو ضابط فلسطيني، يلتقيها خارج محطة الاذاعة التي تعمل بها بعد أن يكون استمع لأحد البرامج التي تقدمها. ستتزوج أماني بخطيبها في العام المقبل. وهي تعتقد أنها ستعيش حياة كاملة. ربما أكثر مما هو متوقع. حياة ستكون بدون بصر لكنها حافلة بالخيال.

أماني تدمج في حياتها بين الغضب والأمل.

تختم قائلة «بعض الناس لديهم أعين لكن قلوبهم مصابة بالعمى».

القراء الذين كتبوا بتوقيعاتهم، تناولوا جميع جوانب هذه القصة الإنسانية المؤثرة وبتعاطف ملحوظ، ليس مع أماني فقط بل كذلك مع الفلسطينيين. من بين هذه التعليقات اخترنا تعليقين لقارئين أميركيين. أولهما يدعى ماسك راديول يقول فيه «على الرغم من الحزن والغضب في هذا الموضوع، فإنني أرى أيضاً الجمال الذي تحمله هذه الفتاة في قلبها، إنني أتمنى ان تعيش حياة مليئة بالجمال، وأتمنى أن تعيش بسلام أيضاً».

وثانيهما قود ديس « شكراً لك كيفين (اسم الصحافي الذي كتب الموضوع) للقيام بهذه المهمة، لقد أحدثت تحولاً منعشاً في الصحافة الأميركية المتحيزة».