مسؤولون أميركيون: نشطاء حماس غيروا أساليبهم في جمع التبرعات بعد التضييق عليهم

TT

يسعى قادة حماس الذين سيطروا على البرلمان الفلسطيني منذ السبت الماضي للحصول على اموال، مع معرفتهم بأنهم لن يحصلوا على أي دعم مالي من الحكومة الأميركية. وهم يعرفون أيضا أن المحققين الفيدراليين قد تمكنوا من إيقاف الدعم الذي كان يوصل لهم ملايين الدولارات كتبرعات شخصية يتم جمعها في الولايات المتحدة.

وقبل أن تكثف إدارة بوش من فرض إجراءاتها المشددة ضد التمويل الإرهابي بعد هجمات 11 سبتمبر (ايلول) 2001 كانت المساجد والجمعيات الخيرية المسلمة تجمع الأموال لحركة المقاومة الإسلامية حماس والتي تجمع بين العمل الخيري لصالح الفلسطينيين مع الهجمات الانتحارية ضد الإسرائيليين. وقال بعض المحققين إنه بعد اعتبار حماس غير شرعية قامت جمعية خيرية في تكساس بتهريب 12.4 مليون دولار إلى حماس.

لكن توجيه التهم للرجال الذين قاموا بهذا التهريب في شيكاغو ودالاس والذي ترافق مع مساءلة مكتب المباحث الفيدرالي المتبرعين الأفراد أدى إلى إبطاء عملية جمع التبرعات وأجبرهم إلى التحول إلى السرية حسبما قالت السلطات الأميركية وبعض الخبراء في التمويل الإرهابي وأعضاء منظمات مسلمي شيكاغو.

وقال الخبراء الذين تعقبوا حركة الأموال إن منظمي التبرعات الموجهة لحماس قد تكيفوا مع الوضع الجديد عن طريق استخدام طرق يصعب تعقبها لنقل الأموال العينية إلى الخارج وهذا يشمل بطاقات الائتمان وحسابات المصارف الإنترنتية وأساليب تقليدية أخرى. وتبعث الأموال أحيانا إلى أوروبا وبلدان الشرق الأوسط حيث يصبح تعقب النقود عسيرا هناك حسبما تقول السلطات الأميركية. وحسب كل الشهادات فإن حجم الاموال التي تذهب إلى الخارج قد تم تقليصها على الرغم من ان المسؤولين الحكوميين اعترفوا أن وكلاء حماس ما زالوا نشطين في هذا الميدان. وقال مصدر فيدرالي عن ذلك «نحن على علم بحضور حماس هنا، وأن لديها كيانا تنظيميا».

وأشار بروس هوفمان الخبير في مكافحة الإرهاب «نحن كنا ناجحين في تقليص أنشطتهم في الماضي لكن يجب ألا يقع أي شخص تحت وهم انتهائها. فأمام فعاليتنا في ما قمنا به هم يتكيفون ردا على ذلك».

لم يتغير أسلوب إدارة بوش في التعامل مع حماس داخل الولايات المتحدة. فهذه المنظمة تظل ضمن خانة التنظيمات الإرهابية والقانون الأميركي يحظر جمع التبرعات المالية أو الدعم المالي لأي منها. وقال مسؤول حكومي رفيع ملخصا الموقف البعيد الأمد «أنت تستطيع أن توقف النقود عندما تتمكن من إيقاف الأشخاص السيئين». وبدأت تحقيقات إف بي آي بخصوص الجمعيات الخيرية المسلمة وأنشطة جمع التبرعات ذات العلاقة بحماس منذ أوائل التسعينات لكنها اكتسبت زخما بعد 11 سبتمبر. وكان الهدف الأول «جمعية الأرض المقدسة للإعانة والتنمية» المتمركزة في ريتشاردسون بتكساس.

وتم تأسيس هذه الجمعية عام 1988 أي بعد سنة واحدة على تأسيس حماس. وأصبحت هذه الجمعية أكبر منظمة خيرية مسلمة وجمعت تبرعات قيمتها 57 مليون دولار ما بين عامي 1992 و2001 حسب الاتهام الفيدرالي الذي كشف في عام 2004. وخلال تلك الفترة كان مناصرو حماس يطلبون علنا المساعدة لصالحها وغالبا ما كانوا يقومون بذلك تحت غطاء دعم الخدمات المدنية للمدنيين.

وقال دينيس موريل، الرئيس السابق لقسم عمليات تمويل الارهاب في مكتب المباحث الاميركي الذي أسس فريقا مستقلا للتحقيق في تمويل حماس أوائل عام 2002، قال انه «في وقت مبكر كانوا يشعرون بالحصانة».

وتغيرت المعادلة بعد أن جمد الرئيس بوش ملايين الدولارات من أصول «الأرض المقدسة» في ديسمبر 2001. وقد اتهمت المؤسسة وموظفون كبار، بينهم الرئيس التنفيذي شكري أبو بكر، في وقت لاحق بـ 42 قضية وخصوصا كون مؤسسة الأرض المقدسة واجهة لحماس.

ونفى محامو الدفاع اية صلات على الرغم من أن عددا من موظفي المؤسسة الخيرية هم اقارب لزعماء في حماس. وبينما يقول بعض المدافعين ان الأموال التي تجمع في الولايات المتحدة تذهب الى الأرامل والأطفال والمستشفيات ومشاريع التنمية الفلسطينية، فان السلطات الأميركية والاسرائيلية تقول ان بعض الأموال تدعم العنف المناهض لاسرائيل. وقال ستيوارت ليفي، وكيل وزير الخزانة لشؤون الارهاب والجرائم المالية ان «حماس حصلت على معظم تمويلها من استغلال المؤسسة الخيرية. لقد كيفوا أنفسهم لتقديم نفي مقبول ظاهريا، والظهور بصيغة نشاط انساني واجتماعي وسياسي، ثم يأتي الجانب العسكري». وأضاف «حاولوا تسويق ذلك كما لو أن هناك كيانين مستقلين. والامر ليس على هذا النحو».

أما الاتهام الرئيسي الثاني، الذي كشف عنه في شيكاغو عام 2004، فوجه الى ثلاثة رجال يروجون للارهاب عبر عملية غسل أموال مزعومة تمتد من المسيسيبي الى الضفة الغربية.

وبين المتهمين، الذين نفوا ارتكاب أعمال جنائية، الأستاذ الجامعي السابق، عبد الحليم حسن عبد، وموسى أبو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي لحماس، وقد رحلوا عام 1997. أما الثالث فهو محمد حامد خليل صلاح، الذي قضى سنوات في سجن اسرائيلي ويعيش الان قرب شيكاغو. ومايكل دويتش، الذي يمثل صلاح، هو بين عدد من شخصيات شيكاغو المعروفين الذين قالوا ان القضية الجنائية وسلسلة عمليات تجميد الأصول بعد الحادي عشر من سبتمبر «خلقت تأثيرا خطيرا ومحبطا جدا» بالنسبة لجميع أنماط التمويل الاسلامي.

وقال محمود زاهر، رئيس مؤسسة الجامع في حي بريدجفيو بشيكاغو انه «كان هناك مبلغ قليل من المال يتسلم من جانب كثير من المنظمات الاسلامية بعد الموجة الأولى من تجميد الأموال. وعندما يكون لديك مواطن ملتزم بالقانون وهو يشعر بأنه يقوم بعمل جيد ويجري التحقيق معه من جانب مكتب المباحث الفيدرالي، فان ذلك يجعله عصبي المزاج». وقال ان بعض المساهمين الذين استمروا على تقديم التبرعات انتقلوا من صيغة الشيكات الى المال نقدا.

ويؤكد مسؤولون أميركيون حاليون وسابقون بأن الأموال تواصل التدفق الى حماس من الولايات المتحدة، على الرغم من أنه من المستحيل معرفة حجم هذه الأموال. وبدلا من المبالغ المالية الكبيرة المحولة إلكترونيا بصورة مباشرة الى مؤسسات في الأراضي الفلسطينية، يعتقد المحققون ان جامعي التبرعات يستخدمون طائفة من الطرق الأقل رسمية، والتهريب بكميات أقل.

ويمكن ان تنقل الأموال باليد الى الخارج في حزم صغيرة. ويمكن للأموال النقدية المودعة في بنك أميركي أن تسحب من أجهزة سحب النقود في اسرائيل أو مصر أو الأردن. والبطاقات الذكية قابلة للنقل بينما يسمح التعامل المصرفي على الإنترنت بعمليات تحويل سريعة ومعقدة. كما يستخدم المتبرعون صيغة الحوالة. كما يمكن تحويل الأموال الى طرف ثالث في أوروبا ثم الى الشرق الوسط، حيث يمكن أن ينقلها شخص مشيا على الأقدام عبر الحدود. وأيا كان الطريق فمن الصعب متابعته. وقال لورميل «يمكننا أن نتابع سير الأموال الى حساب مصرفي معين أو موقع معين، ولكن يمكن أن تخرج بعدئذ ولا يمكن متابعة مسارها».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»