باريس تنوه بالشراكة الاستراتيجية مع السعودية وتشيد بسياسة الاعتدال

4 وزراء ووفدا أعمال وبرلمان يرافقون شيراك في زيارته إلى السعودية

TT

يقوم الرئيس الفرنسي جاك شيراك ابتداء من يوم غد (السبت) بزيارة دولة الى السعودية هي الثانية من نوعها تدوم حتى الاثنين المقبل، ويرافق الرئيس الفرنسي وعقيلته وفد رسمي يضم أربعة وزراء (الخارجية والدفاع والاقتصاد والمال والتجارة الخارجية) ومجموعة من المستشارين العسكريين والمدنيين ووفدا برلمانيا وآخر من رجال الأعمال تتقدمه فلورنس باريزو، رئيسة هيئة أرباب العمل الفرنسيين يضم 15 من كبارهم بينهم رؤساء «توتال» و«يوروكوبتر» و«داسو للطيران» و«ألستوم للطاقة» و«اكور للسياحة». ويلاحظ في الوفد وجود هنري لواريت، رئيس ومدير عام متحف اللوفر وآخرين.

ويعقد الرئيس الفرنسي الذي سيستقبله خادم الحرمين الشريفين الأمير عبد الله بن عبد العزيز لدى وصوله بعد ظهر غد الى القاعدة الجوية في الرياض لقاءين مع خادم الحرمين الأول مغلق، ليل السبت عقب عشاء الدولة الذي سيقام على شرفه، والثاني بحضور وزيري الخارجية بعد ظهر الأحد. ومن المحطات المهمة زيارة الرئيس الفرنسي الى مدينة الدرعية التاريخية، مهد انطلاقة المملكة السعودية، برفقة عقيلته صباح الأحد وخطابه أمام مجلس الشورى السعودي قبيل ظهر اليوم نفسه. كذلك سيتحدث شيراك عن العلاقات الثنائية مع المملكة في خطاب يلقيه بمناسبة انعقاد المؤتمر الاقتصادي السعودي ـ الفرنسي على هامش الزيارة الرسمية. ويستضيف الأمير سلمان بن عبد العزيز امير منطقة الرياض الرئيس شيراك والوفد المرافق الى عشاء ليل الأحد في الرياض.

وقال الناطق باسم الرئيس الفرنسي جيروم بونافون، لدى تقديمه أمس الزيارة، بأنها «تهدف الى تعميق الحوار الاستراتيجي في مرحلة أساسية مهمة لأمن وسلام المنطقة والعالم». ووصف بونافون السعودية بأنها بلد «كبير» وهو «يستخدم تأثيره للدفع باتجاه الاعتدال في منطقة بالغة الأهمية بالنسبة للأمن والسلام في العالم» كما أنه «يلعب دورا خاصا في السياسة والاقتصاد». ورد الناطق الرئاسي العلاقة الثنائية مع السعودية الى القرن السابع عشر وتوقف بشكل خاص عند الزيارة التاريخية للملك فيصل الى المملكة عام 1967 وعند محطة العام 1995 حيث بلغت العلاقة الثنائية مرحلة «الشراكة الاستراتيجية». ويرتبط البلدان باتفاق دفاعي وتعاون عسكري يعود للعام 1982. ويعكس الاتفاق وكذلك الحوار الاستراتيجي، كما ترى باريس، رغبة فرنسا في«تناول كل المسائل الاستراتيجية والأمنية التي تهم السعودية» و«إظهار استعدادها للاستجابة» لما تطلبه الرياض. وزيارة شيراك الحالية هي الرابعة للمملكة، وتعود آخر زيارة للملك عبد الله الى فرنسا لشهر أبريل (نيسان) من العام الماضي، عندما كان وليا للعهد.

ونوه الناطق الرئاسي بالأبعاد الثلاثة لزيارة شيراك: سياسية اقتصادية وثقافية. وفي البعد السياسي، قال بونافون إن شيراك «يعطي أهمية خاصة لحواره مع الملك عبد الله خاصة حول مسائل الأمن والاستقرار». وتتبدى ثمار هذا الحوار في مواضيع عديدة منها الملف اللبناني وإيران وفلسطين والعراق والحرب على الإرهاب. وفي الملف اللبناني، اعتبر بونافون أن «التشاور المستمر» بين باريس والرياض يشكل «أحد العناصر المهمة لبناء الإجماع الدولي» حوله. وقال بونافون إن أحد الأسباب التي تجعل الرئيس الفرنسي «متمسكا» بالحوار مع دول عربية على رأسها السعودية، ومنها مصر، هو اعتباره أن «للدول العربية دورا تلعبه في تطبيق القرارات الدولية» الخاصة بلبنان. ووصف «الوساطات» العربية بأنها تهدف الى إقامة علاقات جديدة وتطبيع الوضع بين لبنان وسورية. غير أنه طالب ان تكون هذه العلاقات في إطار «الندية» بين لبنان وسورية «تحترم فيها سيادة» كل بلد وتسوى فيها الخلافات. وقال بونافون إن «المقاربة السورية» لهذا الموضوع «لا تتوافق مع الروحية التي كنا نتوقعها وبالتالي يتعين قطع طريق طويل من أجل الوصول الى التطبيع» كما تفهمه فرنسا.

وفي الملف الإيراني، قال بونافون إن باريس «حريصة على اطلاع المملكة باستمرار على تطور الحوار مع إيران في إطار الترويكا، وما حصل في إطار الوكالة الدولية للطاقة النووية». وعشية اجتماع مهم للوكالة في السادس من الشهر الجاري، قال بونافون إن «اليد ما زالت ممدودة لإيران لتسوية الملف النووي بالحوار وبواسطة الطرق الدبلوماسية، مع احترام حق إيران ببرنامج نووي سلمي، ولكن مقابل احترام إيران لالتزاماتها إزاء معاهدة منع انتشار أسلحة الدمار الشامل».

وأفادت باريس بأن الرئيس شيراك سيستغل فرصة وجوده في السعودية للتداول في مسألة الإرهاب. وكانت فرنسا قد شاركت بوفد كبير في المؤتمر الذي نظمته السعودية حول هذا الموضوع العام الماضي.

أما في الموضوع الاقتصادي فإن الرئيس الفرنسي سيعبر عن استعداد بلاده لتكون «شريكا رئيسيا» للسعودية وطرفا فاعلا في تحقيق النهضة الاقتصادية. ويمثل الوفد الاقتصادي عالي المستوى الذي يرافق شيراك الترجمة المحسوسة للرغبة الفرنسية. واعتبر بونافون أن ثمة فرصا كبرى للشركات الفرنسية في إطار برامج التحديث والاستثمار في المشاريع التي أطلقتها المملكة. ويريد شيراك تشجيع الشركات الفرنسية على طرق أبواب السعودية. إلا أن الناطق الرئاسي أفاد بأنه «لن توقع عقود» خلال الزيارة الحالية لشيراك. وتعاني العلاقة التجارية بين البلدين من اختلال التوازن. فالصادرات السعودية الى فرنسا تبلغ حوالي 3 مليارات دولار (النفط والمشتقات النفطية بشكل شبه كامل) فيما واردات السعودية من فرنسا لا تزيد على 1.3 مليار دولار. وتميز باريس بين العلاقات التجارية والاقتصادية العادية وبين العلاقة من دولة الى دولة والتي تتناول القطاع الدفاعي والعسكري والتي ستكون موضع نظر خلال هذه الزيارة. وبموازاة ذلك كله، تشدد باريس على البعد الثقافي للزيارة. وقال بونافون إن شيراك يضع البعد الثقافي في إطار «حوار الحضارات والثقافات» الذي يبدي تعلقا به. ومن الأمثلة على ذلك تمسك الرئيس الفرنسي بإيجاد جناح خاص للفنون الإسلامية في متحف اللوفر الوطني وتشديده الدائم على «معرفة الآخر». وكان الملك عبد الله في زيارته الأخيرة الى فرنسا قد قدم تبرعا الى الجناح المذكور لتوفير وسائل النمو التي يحتاجها.