بداية إيجابية لمؤتمر الحوار الوطني اللبناني وسط إجماع على «المضي حتى النهاية» في ملف اغتيال الحريري

نصر الله يشرح «الهواجس» من توسيع التحقيق وقوى «14 آذار» مصممة على رحيل لحود

TT

سجل مؤتمر الحوار الوطني اللبناني امس بداية ايجابية ساهم فيها إجماع القوى المتحاورة على «المضي حتى النهاية» في ملف التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري ومتفرعاتها، قبل الانتقال الى الملفات الحساسة التي يتمحور الخلاف حولها وهي موضوع رئاسة الجمهورية وسلاح المقاومة والعلاقات مع سورية.

وعلى رغم بعض العثرات التي حصلت وادت الى تأخر بدء الحوار ساعة كاملة، بسبب الخلاف على التمثيل، الا انه انطلق لاحقاً وبزخم بمشاركة 14 شخصية رئيسية تمثل الكتل النيابية الكبرى. وابلغ احد المشاركين في الحوار «الشرق الاوسط» ان الاجواء الايجابية طغت على المتحاورين في الجلسة الافتتاحية وان نبرتهم كانت هادئة، حتى عندما تطرق الحوار الى مسألة رئاسة الجمهورية. وافادت المعلومات التي حصلت عليها «الشرق الاوسط» ان الحوار بدأ ببحث مفصّل لمسار التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس الحريري وصولاً الى المحكمة الدولية. وقدم الامين العام لـ «حزب الله» الشيخ حسن نصر الله مداخلة شرح فيها الموقف الذي اتخذه الحزب وحركة «امل» في ما يتعلق بتوسيع التحقيق والمخاوف من استغلاله، مطالباً ـ بتأييد من بري ـ بانتظار النتائج النهائية للتحقيق قبل توجيه الاتهامات، فيما اكد النائب سعد الحريري على ضرورة استمرار التحقيق حتى تسليم المجرمين الى العدالة «ليأخذ الحق مجراه» معتبراً ان حجم الجريمة كان كبيراً الى درجة انه هز العالم. وابدى، في المقابل، حرصه على الحقيقة وعدم استغلال التحقيق للنيل من اطراف «نتمسك بها».

وبعد مداخلات من المشاركين في الحوار تم التوافق على تأييد الخطوات التي تقوم بها الحكومة في مجال متابعة التحقيق وتشكيل المحكمة ذات الطابع الدولي.

وبعد الانتهاء من موضوع التحقيق، انتقل المتحاورون الى ملف القرار 1559 بدءاً من اول بنوده والمتعلق بالانتخابات الرئاسية فانطلق منه بعض اركان قوى «14 آذار» لتكرار المطالبة برحيل الرئيس اميل لحود. وقد تحدث رئيس الهيئة التنفيذية لـ «القوات اللبنانية» سمير جعجع مؤكداً ان الرئيس لحود كان يجب ان يرحل مع الانسحاب السوري. واعتبر «ان شرعيته موضع شك وتمثيله موضع شك» داعياً الى حسم وضعه «احتراماً لموقع الرئاسة». ثم تحدث الرئيس السابق للجمهورية امين الجميل الذي أيّد ما قاله جعجع، مطالباً بترحيل رئيس الجمهورية.

وكانت لهجة جعجع والجميل هادئة ونبرة صوتهما كذلك. غير ان اعلان الرئيس بري عن بدء الاستراحة الاولى قطع الحوار الذي استؤنف في السادسة والنصف مساء حيث توالت المداخلات التي شرح فيها كل طرف موقفه من هذا الملف. وكانت لقاءات «المتخاصمين» اول انجازات طاولة الحوار التي حققت ما لم تحققه الاتصالات، فكانت مصافحة لافتة بين الشيخ حسن نصر الله والنائب وليد جنبلاط، بالاضافة الى حوارات بين نصر الله وجعجع اللذين جلسا متجاورين. وقالت مصادر الرئيس بري لـ «الشرق الاوسط» انه يعلق اهمية كبرى على اللقاءات الثنائية وفتح ابواب الحوار من خلالها بين الاطراف الذين تخاصموا خلال الفترة السابقة. وابدت اوساط قريبة من بري ارتياحها الى انطلاق الحوار كبادرة ايجابية بمجرد انعقاده. ونقلت عنه قوله ان كل الاطراف اختارت بمشاركتها في الحوار سلوك طريق الديمقراطية. كما نقلت عنه قوله انه يعتبر الرئيس الراحل رفيق الحريري «الحاضر الاكبر في هذا الاجتماع باعتباره كان داعية حوار ووحدة وطنية». ورأى ان الحوار يشكل «فرصة لاعتراف المتحاورين بعضهم بالبعض وقبولهم بالآخر». وشدد على «انها فرصة ملائمة ليتعلم هؤلاء كيفية ادارة خلافاتهم بديمقراطية وتفاهم».

ونقل عن بري ايضاً ارتياحه الى جمع المتحاورين «بزواج عن حب او اكراه لأن هذا الزواج هو زواج الضرورة لمصلحة لبنان» معتبراً انه «من دون هذا الزواج سنظل نواجه الارتدادات التي خلفها زلزال اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ونحن ضعفاء» مبدياً امله في «ان يتمكن هذا الحوار اولاً من اعادة الطمأنينة للناس الخائفة على مستقبل اولادها وان يبدد الهواجس والمخاوف التي تسيطر على الجميع».

وكان الحوار بين الكتل البرلمانية قد بدأ امس وسط اجراءات أمنية لا سابق لها حوّلت منطقة وسط بيروت الى ثكنة عسكرية وادت الى تأثر واضح في حركة الناس وخصوصاً ان المقيمين في المباني المجاورة لمجلس النواب منعوا حتى من الوقوف على شرفاتهم.

ومع اقتراب موعد انطلاق الحوار ظهرت تباشير عرقلة تمثلت بالخلاف على تمثيل مجموعة الاحزاب الثلاثة: الحزب السوري القومي الاجتماعي وحزب البعث العربي الاشتراكي والتنظيم الشعبي الناصري، التي انضوت في كتلة واحدة قبل يوم من الحوار، ما رفع عدد ممثليها في البرلمان الى اربعة طمعاً بدخول قاعة الحوار. لكن قوى «14 آذار» اعترضت بشدة، حتى ان النائب وليد جنبلاط اعلن انه لن يشارك في الحوار اذا شارك هؤلاء. وانعقدت الاجتماعات الثنائية والثلاثية بالاضافة الى الاتصالات الهاتفية التي افضت الى صرف النظر عن مشاركة هذه الاحزاب. وقد استهل اللقاء بالنشيد الوطني اللبناني، ثم القى صاحب الدعوة والمبادرة الرئيس بري كلمة ترحيبية اكد فيها على «اهمية الحوار لمواجهة الاخطار التي تتهدد لبنان». وقال: «المطلوب ان نتفق على كل شيء. واذا حصل الاتفاق فيكون من حظنا جميعاً. وعلينا ان نتفق على الممكن. اما الامور التي هي محل خلاف فنتفق على تنظيم اختلافنا حولها». ودعا الى «تغليب المصلحة الوطنية ولغة الحوار على المصالح الشخصية والمزايدات».