غسان تويني عاد إلى السياسة من منطلق مأساوي ..و يأمل في لعب دور يساهم في توحيد اللبنانيين

دعا يوم اغتيال ابنه جبران إلى دفن الأحقاد والأحزان

TT

عندما عاد غسان تويني الى البرلمان هذا العام، ليحتل معقدا شغله للمرة الاولى خلال الحرب الكورية، وقف امام النواب الصامتين وجدد نداء، نادرا ما يسمع في لبنان: «فلندفن احقادنا واحزاننا».

كانت الكلمات قصيرة، وتكاد تكون سطحية، إلا انها اشارت الى شيء ما عنه، وعن شعبيته والمستقبل غير المؤكد لواحدة من اصغر الدول العربية واكثرها حرية وبيزنطية.

يبلغ تويني من العمر 80 سنة. وهو ابرز صحافي لبناني ودبلوماسي ومثقف يحظى باحترام الجميع. ويصفه البعض بأنه «أيوب المعاصر»، في اشارة بسبب تعرضه للعديد من الأزمات والمشاكل التي لم تؤثر على ايمانه، إذ فقد تويني زوجته وابنته بعد اصابتهما بالسرطان، وابنا شابا في حادثة سيارة، وابنه الاصغر الصحافي والسياسي جبران تويني، الذي قتل في حادثة تفجير سيارة في شهر ديسمبر(كانون الاول) الماضي. ويتحدث تويني قليلا عن مشاعر الالم من منطلق الكرامة والاعتزاز. ولكن في بلد يمجد ابناؤه الانتماء الطائفي اكثر من المواطنة، فقد وضعته معاناته وسمعته فوق الخلافات. وهويصر، في اوخر عمره، على القيام بدور، فيما لبنان عالق بين حلم الاستقلال من النفوذ الاجنبي ومستنقع الولاءات المتصارعة على ارضه. يقول تويني: «اعتقد انه بإمكاني خلق تيار». وفي لبنان اليوم، يرى تويني مجموعة من العشائر، تحددها ذكريات جماعية. وما يريده هو فكرة علمانية للمواطنة ودولة تصبح أمة تجمع قواها عبر تنوعها.

وعودة تويني للحياة السياسية هي اكثر من مجرد قصة حياة شخص ما، فبالنسبة للبعض اصبح تويني رمزا، رجلا يتعدى تاريخه الصراعات الطائفية، التي أدت في فترة من الفترات الى شل لبنان الموزع بين 18 طائفة دينية وعرقية، وحرب اهلية لم تحل مشاكلها بعد ان استمرت 15 سنة، وفيما لبنان لا يزال عرضة لتدخلات الجارة سورية.

وبالنسبة للاخرين، يمثل غسان شخصية من الماضي لم يعد صداها يتردد في نظام تنبثق فيه السلطة، ليس من الافكار والبرامج ولا حتى الايديولوجيا، ولكن من لون الرايات الدينية. من هذا المنظور اصبح في غير زمانه بعدما اصبح لبنان ومعظم العالم العربي يتمحور حول انتماءات طائفية ـ عرقية: مسيحيون ومسلمون، وسنة وشيعة، وأكراد وعرب.

صحافي وسياسي نشر التويني اكثر من 5 الاف افتتاحية في 60 سنة تقريبا في النهار. وقد اسس الصحيفة في عام 1933 والده جبران تويني، وهو عروبي في وقت كانت فيه القومية ضرب من ضروب المثالية.

وورث غسان التويني الصحيفة والعديد من تلك الافكار من أبيه، الذي توفي عام 1947. ودخل معترك العمل السياسي وهو شاب صغير، عندما نجح في انتخابات العام 1951، حيث ساهم في قيادة حملة لاسقاط الرئيس اللبناني آنذاك. وعين سفيرا لبلاده في الامم المتحدة خلال فترة من أسوأ سنوات الحرب الاهلية بين عامي 1975 و 1990، وخدم كمستشار للرئيس اللبناني عندما وقعت البلاد معاهدة 1983 مع اسرائيل، التي كانت قد اجتاحت لبنان قبلها بعام. ولكن ربما اهم بصمات تركها في الصحافة، حين شارك في تحويل النهار الى واحدة من اكثر الصحف استقلالية في العالم العربي.

وقد سجن وهو يمارس العمل الصحافي اربع او خمس مرات كما يتذكر، وان كان لا يتذكر الرقم الصحيح. وقد قال ذات مرة «لا يمكنك ادارة صحيفة مثلما تدير جيشا او مصنعا. عشرة مقالات ليست مثل 10 احذية». عاد تويني الى السياسة اللبنانية هذا العام من منطلق مأسوي، ففي 12 ديسمبر قتل ابنه جبران بانفجار 88 رطلا من مادة «تي ان تي» تحت سيارته المصفحة في هجوم اعتبره العديد من تنفيذ سورية. وكان جبران اخر ابناء تويني الاحياء، فقد ماتت ابنته نايلة وعمرها سبع سنوات بعد اصابتها بالسرطان، المرض نفسه الذي ادى الى وفاة زوجته الشاعرة ناديا تويني. اما ابنه مكرم، المسمى على اسم الزعيم المسيحي المصري الراحل مكرم عبيد، فقد قتل في حادثة سيارة في فرنسا عام 1987.

وفي جنازة جبران، وفي كلمة وصفها الاصدقاء بأنها لم تكن معدة، تحدث غسان الي المعزين قائلا: «لا ادعو اليوم للانتقام ولا الكراهية ولا الدماء. ادعو الى ان تدفن، مع جبران، كل الكراهية والجدل. واطلب من كل اللبنانيين، من مسلمين ومسيحيين التوحد في خدمة لبنان العظيم، وفي خدمة القضية العربية».

وقد تولى منصب ابنه في النهار وفاز بالتزكية في البرلمان. وشارك هذا الاسبوع في الحوار الوطني، وهو اهم حوار بين الاجنحة السياسية في لبنان منذ الحرب الاهلية.