سعود الفيصل: إعادة هيكلة الجهات الحكومية المسؤولة عن متابعة العلاقات الاستراتيجية بين الرياض وباريس

قال إن المهم الاستماع لـ«حماس» بعدما أصبحت حكومة وأشار إلى أشخاص ضد الاستقرار في العراق

TT

أكد الأمير سعود الفيصل، أن مباحثات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، والرئيس الفرنسي جاك شيراك، أثمرت عن تطابق في الآراء لجميع القضايا التي تمت معالجتها، خصوصا ما يتعلق بالقضية الفلسطينية والموقف في لبنان والعراق وإيران، موضحا بأنه تمت مقاربة الموضوعات بالكثير من التفصيل والتركيز على السلام والاستقرار إقليميا ودوليا، لا سيما استعمال الدبلوماسية لحل النزاعات، مؤكدا أن بلاده قررت التعاون مع فرنسا سعيا لأفضل السبل للتأثير إيجابيا على القضايا التي تواجه المنطقة.

وأوضح الأمير سعود الفيصل خلال لقائه بإعلاميين مرافقين للرئيس شيراك خلال زيارته للسعودية، أن زيارة الرئيس الفرنسي ستكون ناجحة في تكريس الشراكة الاستراتيجية بين الدولتين والتوسع السعودي، خصوصا في المجال الاقتصادي، ونشاطات القطاع الخاص بين الدولتين. حيث بيّن أنه تمت إعادة الهيكلة للجهات الحكومية المسؤولة عن متابعة العلاقات الاستراتيجية بين الدولتين، بهدف التركيز على التنفيذ وعلى التواصل المبكر والمستمر بين المسؤولين.

وأوضح الفيصل أن لهذه الخطوة تأثيرا إيجابيا على العلاقة بين الدولتين، مشيرا إلى أن فرصة التباحث كانت على المستوى الرفيع بين الرئيس شيراك وخادم الحرمين الشريفين، مبينا بقوله «لا أدري كم ساعة قضياها في التباحث فيما بينهما ـ ولكنهما أرهقونا جميعا ـ وقد تحدثا مع بعضهما لوقت طويل، مما يعني انهما مرا على جميع مشاكل المنطقة بالإضافة للموضوعات الثنائية».

وأبان أن بلاده عانت كثيرا من تشويه الحقائق في الإعلام، معللا ذلك بسبب نقص التواصل، وأضاف بقوله: «ربما نحن مخطئون في هذا الأمر بعدم إتاحة فرص أكثر للإعلام لزيارة السعودية، ولكن هذا سوف يتغير، ونأمل الا تكون زياراتكم فقط جزءاً من زيارة الدولة، ولكنكم ستأتون ممثلين لصحفكم ومحطاتكم التلفزيونية، وسنرحب بكم دائماً هنا».

وأكد الفيصل بقوله «انه تم التباحث بالتفصيل في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية بسبب الاهتمام الكبير والمشترك لكلتا الدولتين في متابعة أقدم صراع في العالم الآن».

وأوضح الفيصل أن بلاده قالت ان الانتخابات لا يمكن التنبؤ بنتائجها، مؤكدا بقوله «إذا أردت شيئاً يمكن التنبؤ بنتائجه فلا تجرِ انتخابات، ولكن الانتخابات جرت، وبالتأكيد كانت انتخابات منفتحة ونزيهة ونتج عنها فوز حماس فوزاً صريحاً».

وقد أضاف الفيصل أن الحكومة السعودية ستلتقي حركة حماس في الأيام القليلة المقبلة، مشيرا إلى أن بلاده كانت دائماً تعطي مشورات بإعطاء فرصة للحكومة الجديدة لتعبر عن نفسها ولتدرس خياراتها وتقرر أي مقاربة تتخذ قبل أن يتم إصدار أحكام مسبقة أو تخمين بما يمكن فعله، مؤكدا أن بلاده لا تضع أي شروط على حركة حماس، وأنها تنتظر نوع القيادة التي ستمارسها حركة حماس وتقدمها للحركة الفلسطينية. وأمل أن تعمل الحكومة الفلسطينية على تمثيل مصالح الشعب الفلسطيني. وأوضح أن الحكومات عند تشكيلها بعد الانتخابات لا تتمسك بالضرورة بما قالته أثناء الانتخابات، موضحا أن «المهم هو ما نسمعه من قولها بعد أن تصبح حكومة وماذا سيفعلون، لذا لن نصدر أحكاما مسبقة، لا نحن ولا فرنسا، وهذا ما قررناه سوف ننتظر ونرى ماذا تفعل حماس ونعتقد أنها إذا عبرت عن تطلعات الشعب الفلسطيني، فهذا هو غاية ما يمكن أن نأمله». وأكد الفيصل أنه لا يوجد مصباح سحري يمكن ان يعطينا فكرة عما سيحدث، وأضاف بقوله: «نعتقد أنهم كحكومة سيتصرفون بمسؤولية في تمثيلهم لقضايا الشعب الفلسطيني، لم نلتقهم ولكن هناك زيارة ستقوم بها حماس للسعودية في الأيام القليلة المقبلة».

وفي رده حول عدم إطلاق بلاده لمبادرات لحل الأزمة العراقية، بيّن الأمير سعود الفيصل أنه من الصعوبة التحدث عن جهود سعودية أو فرنسية قبل رؤية برنامج لحكومة عراقية، مشيرا إلى أنه تم إجراء انتخابات عراقية في ظل وجود برلمان ودستور، والحكومة سيتم تشكيلها. مؤكدا موقف بلاده بالإضافة إلى الموقف الفرنسيي، الساعي لضمان وحدة العراق وسلامة أراضيه. وأضاف بقوله: «نأمل أن المشاكل الطائفية التي تعصف بالعراق ستنتهي ويمكننا أن نرى عراقاً متحداً يعيش في تناغم وسلام مع جيرانه ويوزع منافع هذه الدولة الغنية على جميع المواطنين بالتساوي ويلعب دوره الآن الذي افتقدناه لسنوات طويلة كعامل استقرار، وهذا ما نأمله في المستقبل».

وبيّن سعود الفيصل وجود أشخاص ضد الاستقرار في العراق، مشيرا إلى أن لهم أهدافهم الخاصة، وهذه هي القوى التي يتعين أن يهزمها الشعب العراقي وحتى يفعلوا ذلك أعتقد أن الوضع سيبقى هشا وخطيرا. وفي حال وقوع حرب أهلية بالعراق، قال: «بالتأكيد اذا حدث أي شيء في العراق سيكون هذا كارثة في المنطقة ولذا نأمل ان تتغلب حكمة الشعب العراقي واهتمامه ببلده على أي جهود، مهما كان مصدرها ويمكن الانتصار عليها».

ونفى الأمير سعود الفيصل أن يكون لدى بلاده أي شيء تتطلع إليه في لبنان، مؤكدا أن ما يهم الحكومة السعودية النجاح السريع لهذه السياسة في طلب السلام والاستقرار للبنان، مؤكدا أن مصلحة بلاده متقاربة وواحدة مع فرنسا في استقرار وازدهار لبنان واستقلاله.

وأوضح أنه يأمل تحقيق النتائج المنشودة للاجتماعات التي يعقدها القادة اللبنانيون ـ في إشارة إلى مؤتمر زعماء الكتل البرلمانية بدعوة من رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري الذي يعقد في بيروت ـ مؤكدا أنها ستأتي بالتضامن.

وأكد أن الحكومتين السعودية والفرنسية ستتجاوبان في حال طلب اللبنانيين للمساعدة من أي نوع أو مبادرات في هذا الخصوص، مشيرا بقوله «طالما أنهم يعالجون قضاياهم بأنفسهم، فنحن سعداء جداً أنهم يفعلون ذلك ويحدونا كل الأمل أن ينجحوا».

وأشار الفيصل إلى أن عدم الاستقرار في دولة ينعكس على حالة الاستقرار في دولة أخرى، مؤكدا أن ذلك يعتبر طبيعة جغرافية وتاريخا للمنطقة. وأكد أن بلاده تأمل بعلاقات صحية بين لبنان سورية، مشيرا إلى أن الشيء المعقول هو اهتمام الدولتين بإقامة علاقة على أسس صحيحة بينهما.

وأضاف بقوله: «انه يتعين على كلتا الدولتين عمل اللازم لإنجاز ذلك اذا أرادتا تحقيق علاقة صحية بينهما في صالح الدولتين والشعبين، ولا حاجة إلى القول في أن فحوى هذا الحوار ينبغي أن يكون حول كيفية الوصول إلى هذه العلاقة، والأمر يتوقف على كلتا الدولتين».

وأضاف الفيصل بقوله «نحن نسير على خيط رفيع، وهذا وقت دقيق بالنسبة للبنان»، مؤكدا أن هناك الكثير من الناس يلقون بالتهم من كل جانب محاولين زعزعة الاستقرار في الجانب الآخر، وأشار الى أن بعض المشاكل محلية، ووجود مشاكل في دولة ما ليست بسبب الدولة الأخرى، وأن استقرار كلتا الدولتين مهم لكل منهما، في ظل ضرورة عدم إلقاء اللوم على الطرف الآخر.

وشدد على ضرورة إتاحة الفرصة للعملية التي بدأ بها القادة في لبنان بدون أي تأثيرات جديدة عليها، مؤكدا أن عملية معالجة الأزمة هي السياسة الأفضل للجميع.

وأكد أن امتلاك إيران للسلاح النووي يعتبر أمرا خطيرا، مشيرا إلى أن الأسلحة النووية ليست شيئا يتطلع المرء أن يكون لدى جيرانه.

وأضاف أن الحكومة الإيرانية أكدت لبلاده انها لا تسعى للحصول على سلاح نووي، مشيرا بقوله «إذا كان هذا هو الحال فسنكون متأكدين من حسن إدراك الحكومة الإيرانية بتجنب النشاطات المريبة التي لا تعطي مصداقية لهذا التأكيد».

وتمنى الفيصل للإيرانيين الاقتناع بصحة سياسة جعل منطقة الشرق الأوسط، بما فيها منطقة الخليج خالية من أسلحة الدمار الشامل. وأوضح الفيصل أن سياسة ازدواجية المعايير في قضية عدم انتشار الأسلحة النووية نراه بشكل خاص في منطقة الشرق الأوسط، وذلك بغض الطرف عما يحدث في إسرائيل واتباع سياسات حازمة وتقليدية ضد الجميع باستثنائها، مؤكدا أن إسرائيل هي من أخلت بقضية عدم انتشار الأسلحة في منطقة الشرق الأوسط. وأمل الفيصل أن تكون هناك مساواة في المعاملة. وأكد الفيصل أن أفضل طريقة لحل قضية أسلحة الدمار الشامل عدم وجودها في الشرق الأوسط، مؤكدا عدم حاجة إسرائيل للأسلحة النووية، بسبب أنها الدولة الوحيدة التي تضمن كل الدول تقريبا أمنها بما فيها فرنسا. وأضاف بقوله «لا نرى سبباً لماذا يحتاجون أسلحة نووية بوجود كل تلك الضمانات لأمنهم وسلامة أراضيهم».

وفي رده على سؤال عن عدم قيام الملك عبد الله بزيارة الولايات المتحدة وأوروبا والاكتفاء بزيارة دول آسيا، بيّن الأمير سعود الفيصل أن المسألة ليست اختيارات، مؤكدا أن علاقة بلاده مع واشنطن ستبقى كما هي ولن تتغير، حيث بين أنها طويلة وتاريخية ومتينة ومفيدة جدا لكلتا الدولتين.

وأوضح بقوله «بالنسبة لرحلة خادم الحرمين الشريفين إلى الشرق ليست مفاجئة لدينا علاقات مهمة جداً مع جميع الدول التي زرناها في آسيا وهذه الزيارة تسعى لتكريس هذه العلاقة ولبدئها على أساس من التفاهم الكامل إلى أين سنذهب وما نحاول الوصول اليه وما هي افضل طريقة لرعاية مصالح شعبينا مع بعضهما البعض».

وكشف أن المسألة ليست أولويات ولا يوجد تغيير فيها وأضاف بقوله «ليست لدينا سياسة عالمية فنحن دولة صغيرة ولدينا مصالح وعلى اية حال فإن هذه الدول التي زرناها في الشرق تمثل نصف سكان العالم لذا فإن الأمر ليس مفاجئا ولا يوجد أي مغزى خفي وراء الزيارة».

وفي رده على سؤال حول النفوذ الإيراني بالعراق، وفيما إذا كان سيصبح مثل النفوذ السوري على مدى 30 عاما في لبنان، كشف الفيصل بقوله «إن العراق ليس دولة صغيرة، انها دولة تاريخ إنها دولة موجودة لآلاف السنين وليس لقرون إنها دولة حضارة وتاريخ، واشك في أن يكون العراق مرتعاً لأي دولة كبيرة أو صغيرة».

وأكد أمله في أن يصبح للعراق الجديد علاقات سلمية وجيدة مع جميع جيرانه بما فيهم إيران، مشيرا إلى أن هذه العلاقات لا يمكن الوصول لها بمحاولة التخويف أو محاولة الحصول على ميزة غير معقولة من البلد خلال وقت ضعفه.

وبين الفيصل أن السياسة الحكيمة لأي جار للعراق، سواء سورية أو إيران أو بلاده أو أي جار آخر في فترة عدم الاستقرار بالعراق تتثمل في دعمهم للعراق بعدم التدخل، وفعل الأشياء التي تساعد وحدة العراق وتساعد العراق في تأكيد استقلاله وسلامة أراضيه.

وأضاف أن أي سياسة أخرى يتبعها أي من جيران العراق سترتد على الدولة التي تبدأ هذه السياسة، مؤكدا قلق بلاده في حال حدوث أي شيء بالعراق يحول دون بقاء وحدته. وأضاف بقوله «لا اشعر بالقلق اذا فعل جيران العراق ما يجعلها الدولة العظيمة التي نعرفها ولم يحولوها الى دولة مضرة بالدول الأخرى».

في ما يتعلق بإعادة الهيكلة لاقتصاد بلاده أوضح الفيصل بقوله «هنا لا أريد أن الوم وزيري الخارجية بسبب هذا الأمر ـ فإن وزيري الخارجية كانا مسؤولين عن اللجنة التي كان من المفروض أن تتابع العمل ولسوء الحظ فهما مشغولان وعلى الأقل وزير الخارجية الفرنسي ـ ولست مشغولاً بنفس الدرجة – فلديه الكثير من الأعمال اكثر مما لدي».

وأضاف بقوله «وجدنا أنه من الأفضل أن يرأس اللجنة الوزراء الذين يتعاملون مباشرة مع الشؤون الاقتصادية ولذلك قررنا تغيير رئيسي اللجنة وجعلنا اللجنة التحضيرية ليست لجنة للتحضير فقط وانما لجنة للمتابعة ايضاً لذا ستعد هذه اللجنة جدول الأعمال وتعد الموضوعات وتتابع ايضاً التنفيذ وأحد التغييرات المهمة هو التركيز على دور القطاع الخاص فكما رأيتم كان عدد ممثلي القطاع الخاص قليلاً ـ اعتقد انهم يزيدون عنكم ايضاً ـ في الوفد الفرنسي الذي جاء الى هنا وهذا مشجع لنا لأننا نعتقد ان القطاع الخاص هو المحرك الرئيس للنشاط الإقتصادي ونود أن نرى شركات فرنسية اكثر تأتي الى المملكة ليس فقط للتجارة ولكن ايضاً للاستثمار. والعكس صحيح اود أن ارى الشركات السعودية تعقد شراكات مع الشركات الفرنسية ويستثمرون في فرنسا، والقوانين التي يمكن ان تساعدها تمت مراجعتها، وأي تسهيلات مهما كانت يمكن للحكومتين بهما توسيع دور للقطاع الخاص سيتم تقديمها».

وأكد الفيصل أن العلاقة بين العاهل السعودي والرئيس شيراك مثالية ولصيقة، مشيرا إلى أنهما شريكان ومخلصان جدا لبعضهما، مؤكدا أن أي شخص تختاره فرنسا كقائد يتم العمل معه في إشارة إلى الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقبلة.

وأضاف أنه يأمل أن يبقى الجانب الشخصي بنفس القوة التي كانت بين الرئيس شيراك وخادم الحرمين الشريفين، موضحا أن زعيم فرنسا مهما كان سيستحوذ على احترام شعب وملك وحكومة بلاده.