مؤتمر الحوار الوطني اللبناني «يتأجل ولا يتعثر» والمشاركون يعودون إلى قياداتهم قبل «القرارات الحاسمة»

فيما تتشاور القيادات المسيحية مع صفير حول اسم الرئيس المقبل

TT

فاجأ زعماء الكتل النيابية اللبنانية الجميع برفع جلسات مؤتمر الحوار الوطني، المنعقد في مقر البرلمان اللبناني منذ الخميس الماضي. وجاء التأجيل غير المتوقع تحت عنوان «عودة المجتمعين الى قياداتهم». لكن تزامنه مع الكلام شديد اللهجة للنائب وليد جنبلاط في واشنطن، حول قضية سلاح المقاومة ومزارع شبعا فتح باب التساؤلات والتكهنات واسعاً. وسرت شائعات عن خلافات حصلت داخل جلسة الحوار على خلفية هذه التصريحات، وان «حزب الله» طلب من النائب سعد الحريري تحديد موقفه من كلام جنبلاط، وانسحاب الامين العام للحزب الشيخ حسن نصر الله من الجلسة. لكن الحريري وعدداً من القياديين المشاركين في الحوار أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن شيئاً من هذا لم يحصل.

كما سرت شائعات عن انسحاب زعيم «التيار الوطني الحر» النائب ميشال عون، بعد خلاف على موضوع رئاسة الجمهورية، لكن عضو كتلة عون النائب ابراهيم كنعان المشارك في الحوار، اكد لـ«الشرق الاوسط»، ان موضوع الرئاسة لم يطرح في جلسة الامس. وكذلك نفى عضو وفد «القوات اللبنانية» النائب جورج عدوان، ان يكون موضوع الرئاسة طرح او ان يكون طلب من النائب الحريري تحديد موقفه من كلام جنبلاط.

وذكرت معلومات حصلت عليها «الشرق الأوسط» من مصادر متطابقة داخل قاعة الحوار ان كلام جنبلاط فرض اجواء متوترة داخل الجلسة وان بعض الاطراف سأل عن جدوى اقرار بعض البنود في ظل مواقفه المتشددة. واشارت المعلومات الى ان المتحاورين وصلوا الى مرحلة اتخاذ القرارات. وبالتالي كانت هناك حاجة لدى اكثر من طرف لمراجعة مواقفه و«مرجعياته»، فكان القرار بالاجماع بتأجيل النقاش حتى الأسبوع المقبل بحيث تبرد الاجواء السياسية وتستكمل الاتصالات.

ووفقاً لهذه المعلومات، من المفترض ان تكون الفترة الزمنية الفاصلة بين امس والاثنين المقبل، موعد استكمال الحوار، فرصة للقيام بالآتي:

1 ـ تتشاور القيادات المسيحية في ما بينها ومع البطريرك الماروني نصر الله صفير لوضع لائحة اسماء بشخصيات تكون مقبولة منها لتولي رئاسة الجمهورية لطرحها على طاولة الحوار، في حال تم تجاوز اعتراض المعترضين على مبدأ «تغيير الرئيس»، خصوصاً بعدما أبدت الاطراف المعنية (حزب الله والتيار الوطني الحر والرئيس بري) انفتاحاً على بحث الموضوع.

2 ـ قيام الحكومة اللبنانية بجولة «جس نبض» دولية تشمل الأمم المتحدة والولايات المتحدة ودولاً اوروبية، لمعرفة اذا كانت هناك حظوظ لملف لبناني يرفع الى الامم المتحدة حول لبنانية مزارع شبعا، وذلك خوفاً من «خطوة ناقصة» قد تؤدي الى تأزيم الموقف.

3 ـ قيام الاطراف التي تعهدت بمحاورة الفصائل الفلسطينية باتصالات لمعرفة مدى استعدادها للتجاوب في موضوع سحب السلاح من خارج المخيمات و«تنظيمه» داخلها.

وتدل هذه العناوين على وجود شبه اتفاق عليها بين الأطراف المشاركة. وهو ما أكده أكثر من مشارك في الحوار. اذ قال النائب ابراهيم كنعان لـ«الشرق الأوسط» ان المتحاورين وصلوا الى مرحلة حسم الامور، وأنه كان من المفترض العودة الى «القاعدة» للتشاور، معتبراً «ان بعض الامور وصلت الى نهاياتها والى اللمسات الاخيرة. وثمة امور اخرى بحاجة الى مزيد من الوقت».

ولدى وصوله الى مجلس النواب نفى وزير الاعلام غازي العريضي، القريب من جنبلاط، ان تكون مواقف جنبلاط اول من امس، بمثابة «قصف سياسي». واشار الى ان لدى النائب جنبلاط والنائب سعد الحريري «موقفاً واحداً. وهما تحت سقف واحد وفي بيت واحد ويمونان على بعضهما البعض»، نافياً اي تأثير على الحوار بعد مواقف النائب جنبلاط. وقال: «نحن جئنا الى الحوار وسنكمل. والكل مصر على الحوار. والحوار سيكمل ان شاء الله بنفس الاجواء الايجابية والمسؤولة التي نحن فيها».

وبعد اقل من ساعتين على بدء الحوار، خرج الرئيس بري ليعلن للصحافيين تأجيل الجلسات حتى الاثنين، قائلا: «طبعا ستكون لديكم تساؤلات وتفسيرات وتأويلات. لكن الحقيقة هي التالية: بكل بساطة وكما تعلمون أن اكثر اطراف الحوار ينتمون الى حركات واحزاب وتيارات. وقد وصلنا كما قلت لكم سابقاً انه حصل تقدم ولكن لم ننته. واليوم (امس) وصلنا تقريبا على مشارف النهاية. وبالتالي لا بد من البدء بأخذ القرارات في ما يتعلق بالبندين الثاني والثالث (المتعلقين بالقرار 1559 والعلاقات مع سورية) من جدول الاعمال، فطلب بعض الاخوة العودة الى قياداتهم حتى يجتمعوا بها، خصوصا في ما يتعلق بالاحزاب».

ونفى بري تأجيل الحوار بسبب كلام النائب جنبلاط، مكررا القول: «الكلام الذي تفضل به الاستاذ وليد جنبلاط، ليس كلاما جديدا، فهو كلام قاله في الحوار نهار الخميس. وبالتالي فإن التأجيل ليس لهذا السبب».

ورد على «لا منطقية» التبريرات التي ساقها للتأجيل بالقول: «ان علم المنطق لا يتلاءم مع علم السياسة»، مشيرا الى انه فوجئ بأن «قيادات من الصف الاول تريد العودة الى قياداتها». وقال: «كل واحد منا أتى بأفكار وبرؤية. وبنتيجة الحوار يحصل أحيانا تراجع او تقدم. ولذلك يريد كل واحد ان يضع قياداته في مثل هذه الأمور. وقد طلبوا مني هذا الشيء. هل استطيع أن أقول لهم لا؟».

ورجح بري امكانية ان تعلن قرارات الاثنين المقبل. لكنه رفض الجزم بذلك، نافيا ان يكون سبب عدم التوصل الى توافق بين المتحاورين وجود ارتباطات خارجية، مؤكدا ان «الجميع ومن دون استثناء، كانت منطلقاتهم وما زالت لبنانية صرفة».

وتحدث رئيس كتلة «تيار المستقبل» النائب سعد الحريري لدى مغادرته ساحة النجمة، فأكد ان النقاش الذي دار حول طاولة الحوار الوطني «كان نقاشا جادا. وهناك الكثير من الأمور التي كان يعتقد انه لا يمكن طرحها على الطاولة، انما طرحناها اليوم (أمس) بكل شجاعة وبكل جدية، من رئاسة الجمهورية الى سلاح المقاومة الى السلاح الفلسطيني الى العلاقات مع سورية». وقال: «نحن طرحنا امورا حولها خلافات جذرية. وهناك امور لا يمكن ان نلتقي كل ساعة او كل يوم لحلها. والان نحن مصممون على حلها او التوصل الى تفاهم حولها». وأضاف: «كل فريق منا بحاجة الى استشارة حلفائه ومستشاريه للعودة الى الاجتماع لحسم الأمور».

بدوره قال رئيس الهيئة التنفيذية لـ«القوات اللبنانية» سمير جعجع: «المواضيع كثيرة ولم تكن بالحسبان. نحن نريد ان نعيد النظر في بعض الأمور. ويمكن ان نكون بحاجة الى الاجتماع بمستشارينا ورفاقنا لنتداول معهم في النقاط، التي طرحت علينا قبل اتخاذ القرار النهائي بشأنها».

وسئل عما تردد من ان هناك ارباكا او تناقضا في المواقف بين قوى «14 اذار»، فأجاب: «طبعا، نحن لسنا شخصا واحدا ولا حزبا واحدا. نحن مجموعة من الفرقاء. ويمكن ان تكون لدينا نفس المواقف الجوهرية بشأن القضايا والمسائل المطروحة. لكن لا يعني ان هناك مقاربات مختلفة حولها. الا ان هذا ليس مهما. المهم ان المواضيع المطروحة مواضيع خلافية بأكثريتها باستثناء موضوع التحقيق الدولي وموضوع المحكمة الدولية للتحقيق في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. أما المواضيع الباقية على جدول الاعمال فهي مواضيع شائكة وعميقة وحساسة ومهمة».