«نيويورك تايمز» ترصد يوميات إمام.. لتقريب تفاصيل الإسلام للأميركيين

TT

نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» سلسلة مقالات تتضمن يوميات إمام مصري في نيويورك، في خطوة تهدف، على ما يبدو، لتقريب تفاصيل الإسلام للأميركيين.

ففي مقالة مخصصة لرصد مواقف الاسلام من الإرهاب، ابرزت الصحيفة كيف ان الإمام رضا شتا لا يمانع في ابلاغ المباحث الفيدرالية الاميركية عن ارهابي محتمل وانه سيقوم بذلك «ليس بدافع الخوف من السلطات». فقد قدم عميل تابع لمكتب المباحث الفيدرالي (اف. بي. آي) الى الإمام وجلسا حول طاولة خشبية في مركز بروكلين للشباب في اغسطس (آب) الماضي، وسأل العميل الامام ما اذا كان سيبلغ عن أي شخص يعتقد انه قابل للتورط في أعمال ارهابية. أجابه بكلمات مختارة بعناية قائلاً: «مكتب (اف. بي. آي) ليس وحده الذي يريد وقف الارهاب. المسلمون ايضا يريدون المحافظة على أمن وسلامة البلد». وواصل شتا حديثه، رافعا اصبعه باتجاه ضابط (اف. بي. آي) مارك ميرشون قائلاً انه سيحول له الشخص المعني. لكنه اكد للضابط انه سيفعل ذلك ولكن ليس بدافع الخوف منه. وعبر الامام شتا عن موقفه هذا بعد عام تقريبا منذ ان وجهت السلطات الى شابين، احدهما كان يصلي في مسجد شتا، تهمة التورط في مخطط لتفجير محطة هيرالد سكوير في مانهاتن بنيويورك. وادت تلك الحادثة الى محاصرة المسجد وانتشار سيارات التلفزيون حوله. ثم شعر مرتادو المسجد بغضب بعد ان علموا ان مخبراً تابعاً للشرطة قضى شهورا بينهم يتردد لأداء الصلوات. وأصبحت السلطات الاميركية تعرف الشيخ شتا جيدا وتتحدث عنه بصورة ايجابية، إذ كثيرا ما تلجأ مراكز الشرطة المحلية له طلبا للمساعدة عندما يرفض أي من مسلمي منطقة «باي ريدج» الاستجواب من قبل الشرطة. ووصف تشارلز فرام، كبير مسؤولي مكافحة الارهاب بمكتب (اف. بي. آي) لقاء جمعه مع شتا بأنه «ايجابي للغاية»، واكد انه اعجب بتصميم الشيخ شتا ورغبته القوية في التزام جانب عمل الخير. وكان فرام في الغرفة في اغسطس الماضي عندما واجه ميرشون الإمام.

وحدث أكبر اختبار لعلاقة الشيخ شتا بالسلطات عندما القي القبض على واحد من المصلين بتهمة التورط في التدبير لعمل ارهابي. ويتعلق الامر بشاهوار ماتن سراج، 23 سنة، المهاجر الباكستاني الكثير الكلام، الذي كان يعمل بالمكتبة الاسلامية المجاورة للمسجد. وشوهد سراج احيانا وهو يتحدث مع جيمس الشافعي، 21 سنة، وهو اميركي مسلم من جزيرة ستاتن. وفي اغسطس 2004 وجهت لكليهما أمام محكمة بروكلين الفيدرالية تهمة التآمر لتفجير محطة هيرالد سكوير لقطارات المترو. وجرى تصوير كل من سراج والشافعي بالفيديو وهما يناقشان المخطط ويستطلعان محطة المترو مع مخبر سري للشرطة قال لهما انه ينتمي إلى «الإخوان» المسلمين.

وقد أدرك الإمام وآخرون بالمسجد انهم يعرفون المخبر جيدا وهو شخص من اصل مصري قال ان اسمه اسامة داودي، وكان يقول لهم: «اسمي اسامة .. مثل اسامة بن لادن».

ويقول الشيخ شتا ان داودي ظهر في المسجد قبل حوالي عام وحاول ان يقنع الإمام بالدخول في صفقة عقارية مربحة واقترح عليه ان يستخدم نفوذه على المسلمين لجمع مبالغ تعود الى داودي نفسه مقابل عمولة نقدية سرية. إلا ان الإمام اوضح له عدم رغبته في الدخول في هذا المشروع وآثر الابتعاد. وقال لهم داودي ايضا انه ابن شيخ مصري مشهور، وكان معروفا عن داودي ايضا انه كان يبكي أثناء الصلاة، لكنه كان يدخن أيضا، رغم ان التدخين ممنوع في الاسلام، كما يقول الشيخ شتا. ولفتت مشاعر العداء للولايات المتحدة لدى داودي الانتباه. وكان قد شكا للشطا من ان الاميركيين ربما يخافون منه لأنه حاصل على درجة الدكتوراه في الهندسة النووية، وقال ايضا ان المباحث الفيدرالية تريد تفتيش منزله. ترى كيف تعامل شتا مع الموقف: نصحه بأن يفتح بيته وقلبه للناس ما دام لم يرتكب أي خطأ.

ويعتقد الشيخ شتا ان اهتمام داودي تحول باتجاه سراج والشافعي. ويقول محامي سراج، مارتن ستولار، ان داودي قضى شهورا، منذ سبتمبر (ايلول) 2003، مع سراج محاولا إقناعه بالمشاركة في المخطط وتحدث معه عن «الجهاد». ولم تكشف السلطات من جانبها شيئا عن هذه القضية التي يفترض ان تنظر فيها المحكمة الشهر المقبل.

ونفى كبير المتحدثين باسم الشرطة، بول براون، مزاعم ستولار بأن الشرطة هي التي اختلقت مخطط تفجير محطة هيرالد سكوير لمترو الأنفاق، مؤكدا انهم لم يقترحوا المخطط وانما اتخذوا الخطوة اللازمة لمنع وقوعه، مؤكدا ان ثمة فارقا كبيرا بين اقتراح المخطط ومنع وقوعه. وبالنسبة للإمام شتا، لم تكن مناورات داودي مفاجئة. فهو يرى ان المخبرين السريين لا يمكن الوثوق بهم لأن لبعضهم سجلا جنائياً او يؤدون عملا مدفوع الأجر للجهات التي يعملون لديها.

وفي جزء آخر لرصد موقف قادة الجالية المسلمة بأميركا مما يحصل في الاراضي الفلسطينية، ركزت «نيويورك تايمز» على رأي الشيخ شتا من العمليات العسكرية بين الفلسطينيين والاسرائيليين. واوضحت ان الشيخ شتا قال عقب اغتيال الشيخ احمد ياسين، مؤسس حركة «حماس»، في مارس (آذار) 2004، لمئات المصلين الذين تجمعوا لأداء صلاة الغائب ان «اسد فلسطين قد استشهد». وحسب «التايمز»، فان شتا يعلم جيدا ان الولايات المتحدة تصنف «حماس» في خانة المجموعات الارهابية، ولذلك أدان في نفس حديثه العنف قائلاً: «نحن لا نكره اليهود. قتل شخص واحد مثل قتل الانسانية بكاملها». وأبرزت الصحيفة أيضاً عدم قبول شتا للعمليات الانتحارية التي تستهدف المدنيين في أي وقت وفي أي مكان، الا انه يعتبر الهجوم على الجنود الاسرائيليين «كوسيلة للدفاع» أمراً مبرراً.

وفي مقالة أخرى تهدف لتسليط الضوء على الأدوار الاجتماعية التي يقوم بها أئمة المساجد في أميركا، رصدت «نيويورك تايمز» جهود شتا في تزويج الشبان والشابات المسلمين، وكيف أنه يعتبر تزويج شاب أعزب «من أكثر الامور التي تسعده». وحسب الصحيفة، فان شتا بجهوده لتزويج الشبان المسلمين، يهدف للتمكين للاسلام في أميركا.

وسردت الصحيفة حالات «عن مواهب الامام» في هذا المجال، تمثلت في اتصالات من راغبين في الزواج من مناطق بعيدة عن نيويورك مثل شيكاغو ولوس انجليس، بل ومن آباء في القاهرة او دمشق. ومن بين 250 لقاء للتعارف مرتبة أشرف الشيخ شتا على 10 زيجات. وتوقفت الصحيفة عند قول شتا ان جهده لتزويج شاب وشابة يصب في خانة «العبادة».

وفي إطار جهوده تلك، يقوم شتا بفحص المرشحين للزواج بعناية، ويتجنب اولئك الذين لا يحملون توصية شخصية موثوقة. فمثلاً رفض مساعدة سعودي من كاليفورنيا لانه كان مهتما بالزواج من مراهقة. كما تحفظ على مساعدة اناس ارادوا الزواج بدافع الحصول على الاقامة.

ويسجل الإمام اولئك الذين يجتازون الاختبار المبدئي، في كتاب يضم الاسماء وارقام الهواتف والصفات والرغبات. فالبعض يفضل الشعر الناعم والبعض الآخر يفضل الفتاة البكر. لكن غالبية المرشحين، سواء من الرجال والنساء، يريدون شخصا متديناً وصاحب منظر حسن ومقيماً بطريقة قانونية في البلاد.

وقال شتا لشاب فلسطيني يبلغ من العمر 24 سنة: «توجد فتاة اميركية اعتنقت الاسلام. هي من الدومينكان، لكن تبدو مصرية بعض الشيء. ليست بيضاء ولا سوداء اللون، انما قمحية. عمرها 19 سنة، وتدرس المحاسبة». فسأل الشاب جمال عثمان الذي يعيش في منطقة كوينز بنيويورك: «هل هذا اختياري الوحيد؟». ومثل هذه الاسئلة تضايق الشيخ شتا الذي يقول: «يجب الثقة في الامام لاختيار افضل المرشحات».

أما عن نفسه، فقد اكتشف الشيخ شتا الحب قبل 15 سنة، عندما دخل حجرة المعيشة في منزل فخم ببلدة مصرية تدعى كفر البطيخ. كان الامام آنذاك شابا في الثانية والعشرين من العمر، وبدأ يشتهر في المسجد المحلي. ولشهور عديدة كانت اميمة الشبراوي تعرف صوته فقط، اذ كانت تستمع لخطبه من الجزء المخصص للنساء في المسجد. وفي ليلة ما، زار اسرتها كخطيب محتمل، وكان والدها شيخا معروفاً من قراء القرآن. دخلت الفتاة التي كان عمرها آنذاك 20 سنة الحجرة تحمل صينية عليها اكواب من الليمون. ويقول شتا عن ذلك اللقاء الاول: «لقد دخلت قلبي». بعد ذلك، تقدم شتا الى والد الفتاة وطلب يدها. تردد الشيخ قليلا، اذ كانت ابنته من اجمل فتيات المدينة وتدرس الانجليزية وتلقت العديد من عروض الزواج من اطباء. وقبل ان يجيب الوالد قاطعه صوت ناعم من خلف الباب «قبلته». وتقول اميمة «لقد أحببته منذ اللحظة التي شاهدته فيها». وتزوجا بالفعل ولهما الآن 4 من الأولاد.