«كتاب أبيض» فرنسي لمحاربة الإرهاب.. وباريس تجيز اللجوء إلى السلاح النووي

TT

بعد قانون مكافحة الإرهاب الذي أقرته الجمعية الوطنية الفرنسية قبل أقل من شهرين 23 يناير (كانون الثاني الماضي) والذي يعطي القوى الأمنية وسائل إضافية ووقائية للعمل ضد الإرهاب، أصبحت لفرنسا «عقيدة» متكاملة للتعامل مع التهديد الإرهابي تضمنها «الكتاب الأبيض حول الأمن الداخلي في مواجهة الإرهاب» الذي سلم لرئيس الحكومة أول من أمس.

والكتاب الذي استغرق تحضيره عاما كاملا حصيلة عمل جماعي وزاري بمشاركة أجهزة المخابرات الفرنسية والوزارات المعنية وخبراء مختصين. وغرض الكتاب الأبيض أن يرسم السيناريوهات الممكنة لأعمال إرهابية يمكن أن تتعرض لها فرنسا، والردود الممكنة عليها بما في ذلك اللجوء الى استخدام السلاح النووي، وهو الاحتمال الذي أشار اليه الرئيس جاك شيراك في خطاب له في شهر يناير الماضي. وقال دومينيك دو فيلبان إن الكتاب يهدف الى «تحديد استراتيجية للرد تتناسب مع التهديدات» الإرهابية.

ويؤكد الكتاب بداية أن فرنسا كانت منذ العام 1998 «هدفا لإعلانات حرب متكررة من قبل الإرهاب الدولي ذي الأصول الإسلامية». ويعرض الكتاب المكون من 141 صفحة للأسباب التسعة التي تجعل من فرنسا هدفا رئيسيا للإرهاب، منها ماضيها «الصليبي والاستعماري»، ووجود قوات فرنسية على ارض الإسلام، كما في جيبوتي مثلا، ودعم أنظمة قمعية «خصوصا» في دول المغرب العربي. ومن الأسباب الموجبة كذلك علمانية الدولة وقانون منع الشارات الدينية والحجاب في المدارس الرسمية ومشاركة القوات الفرنسية في المعارك ضد ما تبقى من الطالبان أو «القاعدة» وتشدد القضاء وقوى الأمن في الحرب الوقائية على ما يعتقد أنه تهديد إرهابي. ويذكر الكتاب أن 8 بيانات على الأقل صادرة عن مجموعات إرهابية فندت الأسباب التي تجعل من فرنسا هدفا للمجموعات الإرهابية.

ويتوقف الكتاب الأبيض بالتفصيل عند سبعة سيناريوهات محتملة لأعمال إرهابية مع الإشارة الى أن ما يتضمنه الكتاب «ليس أدوات للتنبؤ بما يحمله المستقبل». ويتمثل السيناريو الأول بأعمال إرهابية تمتد لأسابيع على غرار ما عرفته فرنسا في العام 1995 من اعتداءات بالمتفجرات على أماكن عامة كالمدارس والمستشفيات ومحطات القطارات والمطارات ومترو الأنفاق وخلافها. ويتوقع السيناريو الثاني هجمات إرهابية متعددة ومتزامنة مثلما حصل في مدريد ولندن، فيما السيناريو الثالث يفترض وقوع اعتداءات في عدة بلدان في وقت واحد تضرب أهدافا مختلفة كالمرافئ والمحطات النووية ومراكز التحكم بالشبكات المعلوماتية. وتتمثل السيناريوهات المتبقية بهجمات كيماوية (في أماكن تجمع كثيفة للسكان) أو بيولوجية، تستهدف إيجاد حال عدوى واسعة بين السكان أو حتى نووية ضد مراكز مدنية كبرى. في مواجهة هذه التهديدات يتوقف الكتاب الأبيض عند مجموعة من التدابير التي من شأنها تحسين العمل ضد الإرهاب والمجموعات الإرهابية علما بأن القانون الذي أقر بداية العام الجاري أعطى القوى الأمنية والقضاء وسائل إضافية تمكن من استباق الأعمال الإرهابية وتشدد العقوبات بحق مرتكبيها. ومن التدابير التي يتوقف عندها معدو الكتاب الانتباه الى ما يجري داخل السجون الفرنسية حيث ينشط الإسلاميون في تجنيد متطوعين جدد. وينصح الكتاب بتوزيع العناصر الخطرة على كل السجون الفرنسية لتفادي تواصلهم، وتدابير أخرى تتناول المدرسة ومحاربة الأفكار المتعصبة والتسديد على التربية المدنية. وتبدو التدابير المقترحة في هذا الباب باهتة ولا تأتي بجديد.

ويعرض التقرير لتعامل فرنسا مع مصادر التهديد الإرهابية الخارجية وخصوصا اللجوء الى الأسلحة غير التقليدية وتحديدا السلاح النووي. وكان الرئيس شيراك قد عرض أوائل هذا العام مثل هذا الاحتمال في خطاب له في قاعدة الغواصات النووية في جزيرة إيل لونغ المواجهة لمدينة بريست في المحيط الأطلسي. وينص الكتاب على أن فرنسا «تحمل مسؤولية (الأعمال الإرهابية) للذين قاموا بها، ولكن كذلك للدول التي امرت بها إن عبر أجهزتها أو عبر مجموعات سرية». ويؤكد الكتاب أن كثافة وقوة الرد مرتبطتان بفداحة العمل الإرهابي وبنوعية الأهداف التي تعرض لها». ويمكن أن يستهدف الرد الفرنسي الدول التي تلجأ الى الإرهاب أو الى أسلحة الدمار الشامل. ويشير الكتاب الأبيض الى إمكانية أن تلجأ فرنسا الى ضربات «وقائية» مستخدمة الوسائل العسكرية التقليدية لاستباق «تهديد إرهابي واضح». ويعتبر الكتاب أن فرنسا، في حالة كهذه، تكون تتصرف بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة الذي يتحدث عن «الدفاع المشروع عن النفس».