أكثر من مليار شخص محرومون من مياه الشرب

تقرير دولي: ثلثا البشرية سيقطنون المدن بحلول 2030 ويسببون زيادة كبيرة في الطلب على المياه

TT

بات نصف سكان الارض تقريبا محرومين من مياه الشرب المأمونة، ومن مرافق التطهير السليمة رغم امتلاك العالم كميات هائلة من المياه العذبة، حسبما جاء في تقرير الأمم المتحدة العالمي الثاني عن تنمية الموارد المائية. ويحدث ذلك نتيجة توزيع المياه بشكل غير متكافئ، وبسبب سوء الإدارة ومحدودية الموارد والتغيرات البيئية القائمة.

وأطلق التقرير الدوري، الذي يصدر كل ثلاثة أعوام، تحت عنوان «المياه: مسؤولية مشتركة» في مكسيكو، عشية انعقاد المنتدى العالمي الرابع للمياه في نفس المدينة (في الفترة من 16 الى 22 مارس / آذار الحالي)، وهو يقدم التقويم الأكثر شمولية بشأن موارد المياه العذبة، كما يركز على أهمية الحكم السليم في إدارة موارد العالم المائية ومكافحة الفقر. ويشير الى ان استخدام المياه قد تضاعف ست مرات خلال القرن العشرين، بما يعادل ضعفي نسبة النمو السكاني.

ويكشف التقرير أن النظم الإدارية «تحدد من ينال كمية معينة من المياه، وزمان وكيفية الحصول على هذه المياه، ومن يحق له الانتفاع بالمياه والخدمات المتصلة بها». وتتجاوز هذه النظم مستوى «الحكومات»، لتشمل السلطات المحلية والقطاع الخاص والمجتمع المدني. كما أنها تغطي مجموعة من القضايا الوثيقة الارتباط بالمياه، بدءاً بالصحة والأمن الغذائي، وصولاً إلى التنمية الاقتصادية، فاستخدام الأراضي وصون النظم البيئية الطبيعية التي تعتمد عليها مواردنا المائية. ويلقي التقرير الضوء على النقاط التالية:

> على الرغم من التقدم المهم والمطرد، وتوافر كميات هائلة من المياه العذبة على الصعيد العالمي، فإن التقرير المشترك لمنظمة الصحة العالمية واليونيسيف الخاص بمراقبة التزود بالمياه، يشير إلى أن 1.1 مليار شخص ما زالوا محرومين من الكميات الملائمة من مياه الشرب، في حين أن 2.6 مليار شخص محرومون من مرافق التطهير. وينتمي هؤلاء إلى فئة الناس الأكثر فقراً في العالم. ويعيش أكثر من نصفهم في الصين والهند. وإذا استمرت الأوضاع على هذه الوتيرة فإن مناطق كأفريقيا جنوب الصحراء لن تتمكن من تحقيق هدف الأمم المتحدة الإنمائي للألفية القاضي بتخفيض نسبة الأشخاص الذين لا يمكنهم الحصول على مياه الشرب المأمونة إلى النصف بحلول عام 2015. كما لن يتحقق الهدف الإنمائي للألفية بتخفيض عدد الأشخاص الذين لا يمكنهم الحصول على مرافق التطهير إلى النصف بحلول عام 2015 في حال استمرت الاتجاهات الراهنة على حالها. كما يشير التقرير إلى أن سوء الإدارة والفساد وغياب المؤسسات الملائمة والشلل البيروقراطي، إلى جانب النقص في الاستثمارات الجديدة لبناء القدرات البشرية والبنى الأساسية المادية، كلها عوامل تفسر الوضع السائد.

* نوعية المياه > تلعب النوعية السيئة للمياه دورا أساسيا في تدهور ظروف الحياة وفي تزايد المشاكل الصحية لعالمنا. فقد أودت أمراض الإسهال والملاريا بحياة 3.4 ملايين نسمة في العالم، عام 2002 كان بينهم 90% من الأطفال دون الخامسة من أعمارهم. وبالإمكان حسب التقديرات إنقاذ 1.6 مليون شخص كل عام إذا تمكنا من تحسين شروط الحصول على مياه الشرب وتطهير المياه والمرافق الصحية.

> يشكل تلوث المياه أحد أبرز الأسباب التي تقف وراء سوء الظروف المعيشية وتدهور الصحة. فقد تسببت أمراض الإسهال والملاريا في وفاة حوالي 3.1 مليون شخص خلال عام 2002. وبلغت نسبة الوفيات لدى الأطفال ما دون الخامسة من السن 20% من هذه الخسائر البشرية، بينما تفيد التقديرات بأنه يمكن إنقاذ نحو 1.6 مليون شخص سنوياً من خلال تيسير الحصول على مياه الشرب المأمونة ومرافق التطهير وتأمين الشروط الملائمة للصحة والنظافة.

> تسجل نوعية المياه تراجعاً في معظم المناطق. كما تشير الأدلة إلى أن الأنواع الحية والنظم الإيكولوجية للمياه العذبة تشهد تدهوراً سريعاً، وبوتيرة أسرع في غالب الأحيان من النظم الإيكولوجية البرية والبحرية. ويذكر التقرير أن الدورة المائية، التي تعتمد عليها الحياة، تحتاج إلى بيئة سليمة لتأدية وظيفتها.

> 90% من الكوارث الطبيعية هي أحداث متصلة بالمياه، ويبدو أن هذه النسبة إلى ارتفاع. كما أن عدداً كبيراً منها ناجم عن سوء استخدام الأراضي. وخير مثال على ذلك الجفاف الذي يواصل انتشاره بشكل مأساوي في شرق أفريقيا، حيث نفذت عمليات كبرى لاقتلاع الأشجار بهدف إنتاج الفحم وخشب الوقود. وفي التقرير إشارة أيضاً إلى قضية بحيرة تشاد في غرب أفريقيا، التي تقلصت مساحتها بنسبة 90% تقريباً منذ الستينات، وبشكل أساسي، من جراء عمليات إزالة الغابات ومشاريع الري الضخمة غير المستديمة. وقد بات اثنان من أصل كل خمسة أشخاص يعيشون في مناطق معرضة للفيضانات ولارتفاع مستويات البحار. أما البلدان الأكثر عرضة للتهديدات، فتشمل بنغلاديش والصين والهند وهولندا وباكستان والفليبين والولايات المتحدة الأميركية، والدول الجزرية الصغيرة النامية. ويشدد التقرير على أن التغيرات الطارئة على الأنماط المناخية ستؤدي إلى تفاقم هذا الوضع.

* احتياجات غذائية > ستزداد الحاجة الغذائية عبر أنحاء العالم بنسبة 55% بحلول عام 2030، وسينعكس ذلك من خلال تزايد الطلب على أنشطة الري، التي تستغل حالياً حوالي 70% من مجمل كميات المياه العذبة المستخدمة للحاجات البشرية. وإذا كان الإنتاج الغذائي قد ارتفع بشكل كبير على مدى الأعوام الخمسين الماضية، فإن 13% من سكان العالم (850 مليون شخص، معظمهم في المناطق الريفية) ما زالوا يعانون من الجوع.

> سيعيش نصف البشرية في المدن بحلول عام 2007. وسترتفع هذه النسبة إلى حوالي الثلثين بحلول عام 2030، ما سيسفر عن زيادات هائلة في الطلب على المياه فيها. كما أن حوالي مليارين من هؤلاء الأشخاص سيحتلون أماكن إقامتهم من دون تسديد أجرها، أو سيقيمون في الأحياء الفقيرة. ولا شك أن الفقراء القاطنين في المدن هم الأكثر معاناة في ظل انعدام المياه النظيفة ومرافق التطهير.

> إن ما يزيد عن ملياري شخص في البلدان النامية لا يتمتعون بإمكانية الحصول على أشكال مأمونة للطاقة. وتشكل المياه مورداً رئيسياً لإنتاج الطاقة التي تكتسي بدورها أهمية حيوية بالنسبة إلى التنمية الاقتصادية. وتستخدم أوروبا 75% من إمكاناتها الكهربائية المائية. أما أفريقيا، حيث 60% من السكان لا يتمتعون بالكهرباء، فقد طورت 7% فقط من إمكاناتها في هذا المجال. > يجري استخدام كميات هائلة من المياه في عدد كبير من الأماكن عبر العالم، من دون أن يعلم بها أحد، وقد تتراوح نسبتها بين 30 و40 في المائة أو أكثر، وذلك من خلال تسربها داخل الأنابيب والقنوات والصلات غير المشروعة. > وعلى الرغم من عدم توفر أرقام دقيقة تفيد التقديرات بأن الفساد السياسي يكلف قطاع المياه ملايين الدولارات سنوياً ويعيق الخدمات المتصلة به، وبالأخص على مستوى الفقراء. ويذكر التقرير مسحاً أجري في الهند على سبيل المثال، حيث تبين أن 41% من مستهلكي المياه (من المشاركين في المسح) قاموا أكثر من مرة بدفع رشوة صغيرة خلال الأشهر الستة الماضية لتزييف قراءة عدّاد المياه، وأن 30% دفعوا مبلغاً من المال للإسراع في أعمال الإصلاح، وأن 12% دفعوا مبلغاً من المال للإسراع في إقامة الوصلات الجديدة بالمياه ومرافق التطهير.

* خدمات مائية وقد دعت خطة تنفيذ جوهانسبورغ، المعتمدة من جانب الدول الأعضاء والقمة العالمية للتنمية المستدامة (جوهانسبورغ، 2002)، والتي تعترف بالدور الحيوي للمياه العذبة في مجال الأمن الغذائي والتنمية، البلدان إلى تنمية الإدارة المتكاملة للموارد المائية وخطط تحقيق الكفاية المائية بحلول عام 2005. ويشير التقرير إلى أن حوالي 12% فقط من البلدان نجحت في ذلك حتى الآن، علماً بأن العديد من البلدان قد شرعت في هذه العملية. وتعاني الموارد المالية المخصصة للمياه من الجمود حالياً. فاستناداً إلى التقرير قارب مجموع المساعدة الإنمائية الرسمية لقطاع المياه خلال الأعوام الأخيرة حوالي 3 مليارات دولار أميركي سنوياً، فضلاً عن تخصيص 1.5 مليار دولار أميركي للقطاع في مجال الاعتمادات غير الامتيازية، لا سيما من جانب البنك الدولي. غير أن نسبة صغيرة فقط (12%) من هذه الأموال تصل إلى الأشد احتياجاً. كما أن حوالي 10% فقط يرصد لدعم تطوير السياسات المائية وتخطيطها وإنشاء برامج خاصة لها. فضلاً عن ذلك، يشهد استثمار القطاع الخاص في مجال الخدمات المائية تراجعاً. وقد أنفق القطاع الخاص خلال التسعينات زهاء 25 مليار دولار أميركي على إمدادات المياه ومرافق التطهير في البلدان النامية، لا سيما في أميركا اللاتينية وآسيا. لكن عدداً كبيراً من أبرز الشركات المتعددة الجنسيات في مجال المياه بدأت بالانسحاب أو بالحد من عملياتها في العالم النامي بسبب المجازفات السياسية والمالية الكبرى التي يستتبعها هذا التدخل. وعلى الرغم من فشل أداء القطاع الخاص في كثير من الأحيان في الاستجابة لتطلعات حكومات البلدان النامية والجهات المانحة، يشدد التقرير على أنه «من الخطأ» تجاهل هذا القطاع، فالحكومات التي تعاني من ضغوط مالية، في ظل القوانين الضعيفة، «"تشكل حلولاً بديلة هشة لمعالجة مسألة الإدارة السيئة للموارد المائية والإمداد غير الملائم للخدمات المائية» بحسب التقرير. وستتوقف قدرتنا على تلبية الطلب العالمي المتزايد على المياه باستمرار، على الحكم السليم للموارد المتوفرة وحسن إدارتها. وصرّح مدير عام اليونسكو، كويشيرو ماتسورا، بأن«الحكم السليم أساسي لإدارة حاجاتنا المتزايدة من المياه العذبة وضروري لمكافحة الفقر. وليس هناك من خطة نموذجية للحكم الجيد، ذلك أن وضع مثل هذه الخطة أمر معقد ويجب أن يتسم بقدرته على الحركة بحسب الحالات. لكن الخطط يجب أن تستقطب المؤسسات الملائمة ـ أطر العمل القانونية الفعالة والمتينة على المستوى الوطني والإقليمي والمحلي، والموارد البشرية والمالية الكافية». كما أنها تقتضي ضمان «الحريات الأساسية، كحرية التعبير والحق في إنشاء مجموعات منظمة» استناداً إلى التقرير الذي يشدد على أن «عدم تمكن المواطنين من الحصول على المعلومات الأساسية بشأن نوعية وكمية المياه يحد جدياً من حظوظهم في التصدي للمشاريع المائية غير السليمة بيئياً أو مساءلة الوكالات الحكومية المختصة». يشار الى ان تقرير الأمم المتحدة العالمي عن تنمية الموارد المائية جاء ثمرة جهد مشترك لـ 24 وكالة تابعة للأمم المتحدة وكيانات معنية بإدارة الموارد المائية. وهو يصدر عن برنامج الأمم المتحدة العالمي لتقويم الموارد المائية الذي تتخذ أمانته من اليونسكو مقراً لها، ويضع موارد المياه العذبة ضمن أولوياته القصوى. وتقدم فروعه (البالغ عددها 15، ويقوم بإعداد كل منها مختلف الوكالات المشاركة) تحليلاً مفصلاً للأوضاع في جميع مناطق العالم، فضلاً عن البيانات والخرائط والبيانات المحدثة، و17 دراسة حالات والعديد من الأمثلة عن الممارسات الجيدة والسيئة في نظم حكم المياه.

وسيعرض مدير عام اليونسكو تقرير «المياه: مسؤولية مشتركة» رسمياً، بالنيابة عن الأمم المتحدة، أمام المنتدى العالمي الرابع للمياه في مكسيكو، في 22 مارس الحالي بمناسبة اليوم العالمي للمياه.