قراصنة البحر الصوماليون يستخدمون التكنولوجيا المتقدمة لابتزاز ضحاياهم

الحكومة تستعين بشركة أميركية لتطهير سواحل الصومال من ظاهرة الخطف

TT

جلس أحد قراصنة البحر بهدوء شديد في منطقة غير مأهولة بالسكان على ساحل في الصومال، الى جهاز كومبيوتر نقال (لاب توب) موصول عبر الأقمار الصناعية بشبكة الانترنت، ثم أرسل رسالة الكترونية غير عادية الى رئيس إحدى شركات الملاحة الهندية، يبلغه فيها بأن سفينته المختطفة منذ أسبوعين في الحفظ والصون، وأن عليه دفع 400 الف دولار كفدية للإفراج عنها مع بحارتها البالغ عددهم 22 شخصا.

وهكذا يثبت مئات القراصنة الصوماليين الذين حولوا سواحل بلادهم إلى مصيدة للسفن العابرة أن بإمكان شبكة المعلومات الدولية أن تتحول لوسيلة جيدة للابتزاز من دون أن يتعرضوا لأدنى أذى أو يستطيع أحد أن كشف مخبئهم السري.

كانت تلك الرسالة الأولى من نوعها التي تلقاها هيرين رزاك مالك السفينة «باهكتسجار»، التي تعرضت للخطف في الرابع والعشرين من فبراير (شباط) الماضي، لإبلاغه بمصير السفينة وبحارتهم المختطفين على أيدي مجموعة غير معروفة من قراصنة البحر الصوماليين.

وكانت السفينة في طريقها عبر رحلة اعتيادية من أحد موانئ الهند إلى سواحل ميناء دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، قبل أن يهاجمها قاربان أو اكثر، مزودين بأحدث أنواع الأسلحة ويجبروها على التوقف قبل أن يصعدوا على سطحها ويقودوها إلى مكان غير معلوم على الساحل الصومالي.

ومنذ سقوط نظام حكم الرئيس الصومالي المخلوع محمد سياد بري عام 1991، والقراصنة يضعون أيديهم من دون منازع على الساحل البالغ طوله 3700 كيلومتر، ويصعب على دولة تفتقر حتى الآن إلى حكومة مركزية قوية أن تبسط سيطرتها عليه لمنع تكرار عمليات القرصنة التي باتت كابوسا مزعجا لكل المارين عبره.

وبالنظر إلى الحمولة الكبيرة للسفينة المختطفة التي كانت تحمل على متنها 15 ألف جوال من الأرز، و16 ألف جوال من الأسمنت و5600 جوال من الجلوكوز (سكر العنب)، فإن الخاطفين كانوا على ثقة بأنه ستجري الاستجابة في مرحلة ما، لمطالبهم أو إلى نصفها في أسوا الظروف.

وكان حادث اختطاف السفينة الهندية بمثابة إعلان عن معاودة القراصنة المسلحين هجماتهم الخاطفة على السفن وحاويات الشحن التي تمر أمام السواحل الطويلة للصومال على المحيط الهندي، فيما تؤكد الحكومة الانتقالية الصومالية أن قدراتها العسكرية والأمنية لمقاومة هجمات القراصنة محدودة للغاية، ما لم تتلق دعما عاجلا من المجتمع الدولي.

وقال علي محمد جيدي رئيس الوزراء الصومالي لـ«الشرق الأوسط»: «نعم نريد أن نتخلص من هذه الظاهرة التي تسيء إلى سمعة الشعب الصومالي، فالقرصنة دخيلة على أخلاقهم وطبائعهم». لكن جيدي يقول في المقابل ان مواجهة القراصنة تحتاج إلى ميزانية وقدرات أمنية معينة لا بد أن تتوافر لمكافحة نشاطهم المتزايد على السواحل الصومالية. واضاف قائلاً: «نعلم أن لدينا ورما سرطانيا نريد استئصاله، وهو ما نسعى إليه بكل وسيلة».

واعتبر رئيس الوزراء أن الاتفاق الذي وقعته حكومته في نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي مع شركة «توب كات» الأميركية للأمن البحري، التي تتخذ من مدينة نيويورك مقرا لها، بقيمة خمسين مليون دولار، هو أول خطوة نحو فرض القانون مجددا على سواحل الصومال على المحيط الهندي والبحر الأحمر. ولفت إلى انه بتوقيع هذا الاتفاق الذي سيستمر لمدة عامين، فإن عصر الفوضى والقرصنة المسلحة على السفن المتوجهة من وإلى الصومال قد انتهى إلى الأبد. واعتبر جيدي أن الاتفاق المبرم مع الشركة الأميركية جزء من خطة طموحة للحد من ظاهرة أعمال القرصنة المتكررة التي تشنها الميليشيات المسلحة على سواحل الصومال ضد السفن البحرية المارة.

وبموجب الاتفاق، تعهدت الشركة الأميركية بتوفير قوات خاصة وزوارق حربية سريعة وطائرات هليكوبتر للقيام بعمليات مراقبة دورية للسواحل الصومالية بهدف منع القراصنة المحليين من ممارسة نشاطهم الإجرامي والحد من ظاهرة قيام بعض الشركات غير المرخص لها بصيد الأسماك في المياه الإقليمية الصومالية.

ويعتقد جيدي أن القراصنة الذين يتحركون على ما يبدو من سفينة أم تتمركز على مقربة من سواحل الصومال يتمتعون بمستوى تسليحي وتقني جيد يمكنهم من تنفيذ هجماتهم في وقت قصير نسبياً.

وقالت مصادر صومالية إن بعض زعماء الحرب وزعماء العشائر المحليين، متورطون في تسهيل ودعم الأنشطة الإجرامية للعشرات من العصابات الصغيرة، التي امتهنت القرصنة وعمليات خطف السفن كوسيلة للحصول على المال.

يشار الى ان عدة سفن تابعة للأمم المتحدة ولدول مثل سري لانكا ومالطا والولايات المتحدة وفيتنام والإمارات، تعرضت إلى هجمات ومحاولات للسيطرة عليها من قبل القراصنة. ومنذ مارس (آذار) من العام الماضي وقع 38 هجوما ضد شاحنات النفط والسفن السياحية، مما جعل السواحل الصومالية على المحيط الهندي من أخطر مناطق الإبحار في العالم. وكان هذا على ما يبدو وراء تحذير المركز البحري الدولي لجميع السفن، مراراً خلال الاشهر القليلة الماضية، بالبقاء بعيدا عن سواحل الصومال.