اجتماعات مكثفة داخل إدارة بوش لبلورة استراتيجية ضد حكام طهران

اتجاه المواجهة أصبح الغالب في واشنطن وتصريحات أحمدي نجاد سهلت تحول الموقف الأوروبي

TT

بينما وصل ملف ايران النووي الى مجلس الأمن تقدمت طهران الى رأس اولويات اجندة الأمن القومي الأميركي وسط خطط لادارة بوش للقيام بحملة تستهدف رجال الدين الحاكمين في طهران.

ويعقد الرئيس الاميركي جورج بوش وفريقه اجتماعات خلف الابواب المغلقة بشأن ايران، ساعين الى التعرف على مشورة الخبراء، واستثمار نشاطات المعارضة، واقامة مكتب لايران في واشنطن وافتتاح مراكز تنصت في الخارج على ايران.

ويبدو أن الجدل الذي نشأ في فترة الولاية الأولى لبوش داخل الادارة الاميركية بين اولئك الذين يؤيدون تعاملا أوسع مع ايران وأولئك الذين يفضلون مجابهة معها، قد اصبح في فترة الولاية الثانية مستقرا بصورة أكبر لصالح الطرف الأخير الداعي الى المجابهة. وعلى الرغم من أن مسؤولي الادارة لا يستخدمون تعبير «تغيير النظام» علنا، فان ذلك هو، في التطبيق العملي، الهدف الذي يحددونه حيث يسعون الى بناء مقاومة للنظام الثيوقراطي.

وقالت وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس في شهادة امام مجلس الشيوخ الأسبوع الماضي «لا نواجه تحديا من دولة منفردة اكبر مما نواجهه من ايران، ليست لدينا مشكلة مع الشعب الايراني. نريد ان يتحرر الشعب الايراني. مشكلتنا مع النظام الايراني».

وفي الاجتماعات السرية كان بوش ومستشاروه اكثر وضوحا. فقد خرج أعضاء مجلس مشرفي معهد هوفر من لقاءاتهم مع بوش ونائب الرئيس تشيني ومستشار الأمن القومي ستيفن هادلي قبل اسبوعين بانطباع يشير الى ان الادارة تحولت الى سياسة اكثر قوة ضد الحكومة الايرانية. وقال اسماعيل آمد هوزور، رجل الأعمال الايراني الأميركي الذي يعمل في مجلس هوفر، ان «الرسالة التي تلقيناها هي انهم مع فصل الشعب الايراني عن النظام».

وقال ريتشارد هاس الذي كان مديرا للتخطيط السياسي في وزارة الخارجية في فترة ولاية بوش الأولى من بين المؤيدين للتعامل مع ايران، ان «الهيمنة لأولئك الذين يدفعون باتجاه تغيير النظام أكثر من أولئك الذين يؤيدون المزيد من الدبلوماسية».

ولكن بينما تصعد الادارة استعداداتها فان الصراع مع ايران يبقى تحت ظلال العراق. فقد تركت المعلومات حول اسلحة صدام حسين تحديا في المصداقية بشأن اقناع الشعب والعالم بأن الادارة على حق هذه المرة بخصوص ايران. وبعد ابعاد الحلفاء في الاندفاع نحو الحرب في العراق تتبع الادارة طريقة تعددية أبطأ. وارتباطا بتمدد القوات الأميركية يتساءل المحللون عن فرص الخيار العسكري العملية اذا ما وصل الأمر الى هذا الحد.

وكان التركيز على ايران في داخل الادارة في الفترة الاخيرة مذهلا. ويقضي بوش، حسب مساعدين، وقتا اطول حول القضية، ودعا المستشارون ما يتراوح بين 30 الى 40 من الخبراء للتشاور معهم خلال الأشهر الأخيرة.

وفي الأسبوع الماضي اقامت وزارة الخارجية قسما لايران. وفي العام الماضي لم يكن في الوزارة سوى شخصين يعملان بدوام كامل في مجال ايران. وسيكون هناك الآن 10 اشخاص في الوقت الحالي. وبدأت الوزارة تجري تدريبا اوسع في اللغة الفارسية وتعتزم متابعة الأوضاع هناك، وهي مهمة صعبة دون وجود سفارة هناك.

وقال وكيل وزارة الخارجية نيكولاس بيرنز في مقابلة معه ان الوزارة ستعزز العاملين لديها في دبي بالامارات العربية المتحدة اضافة الى سفارات اخرى في الدول القريبة من ايران وكلهم يكلفون بمراقبة طهران. ووصف المركز الجديد في دبي بأنه نموذج القرن الحادي والعشرين لمحطة ريغا في لاتفيا التي كانت تراقب الاتحاد السوفياتي في سنوات الثلاثينات من القرن الماضي عندما لم تكن للولايات المتحدة سفارة في موسكو.

كما بدأت الوزارة برنامجا بكلفة 75 مليون دولار لاقامة الديمقراطية في ايران عبر توسيع البث الموجه الى البلد وتمويل المنظمات غير الحكومية وتعزيز التبادل الثقافي. ويبث صوت اميركا ساعة واحدة يوميا الى ايران. وبحلول ابريل سيتوسع البث ليصل الى أربع ساعات يوميا وتعتزم الادارة تمديده ليصل الى 24 ساعة يوميا. ولكن الادارة عانت من تراجع الأسبوع الماضي عندما قلص المشرعون مبلغ 19 مليون دولار من عمليات البث بصورة رئيسية.

وقد وصلت الادارة الى هذه المرحلة بعد سنة من البقاء المقصود على الهامش. فبعد أن تولت الادارة الأميركية الدور الأساسي بالنسبة للعراق ابلغ البريطانيون مسؤولي ادارة بوش ان على واشنطن ان تسمح للأوروبيين بالتوجه أولا الى التعامل مع برنامج ايران النووي المزعوم.

وخلال زيارتها الاولى الى أوروبا كوزيرة للخارجية في فبراير( شباط) 2005 فوجئت رايس أن معظم الأسئلة من المسؤولين الأوروبيين كانت تخص ايران وليس العراق، وتوترت من فكرة أنهم اعتبروا واشنطن المشكلة وليس طهران.

وعندما ذهب بوش الى اوروبا بعد اسابيع قليلة من ذلك حثه الرئيس الفرنسي جاك شيراك والمستشار الألماني السابق غيرهارد شرويدر على دعم المسعى الدبلوماسي البريطاني الفرنسي الألماني. ووافق بوش وأعلنت رايس القرار المتخذ قبل عام في نهاية الأسبوع الماضي. وبوجود الأوروبيين في الطليعة بات ايسر اقناع روسيا والصين أيضا باتخاذ موقف أكثر تشددا من ايران.

وقال بيرنز «اتخذنا القرار من منطلق الاعتقاد بأنه من الهام العمل مع أكثر ما يمكن من الدول. أردنا أن يكون المجتمع الدولي بأسره الى جانبنا من اجل الضغط على ايران». غير ان المساعدة الأكبر التي وحدت المجتمع الدولي جاءت من ايران. فقد أثبت الرئيس محمود احمدي نجاد انه مثير للفتن، في انكاره وجود الهولوكوست وحديثه عن ازالة اسرائيل من الخريطة، الى حد ان امكانية التفاوض من اجل حل اضمحلت. وأكدت التصريحات الخطر الذي تشكله طهران والتي ادت وفقا لبيرنز بالوزيرة رايس الى «القول بأننا نحتاج الى التشديد على ايران ومجابهتها بكل قوة» وفي خاتمة المطاف وافق الأوروبيون وروسيا والصين على ارسال ايران الى مجلس الأمن.

وقرر بوش ممارسة ضغط اكبر من اجل ايران ديمقراطية. وقال في خطابه عن حالة الاتحاد يوم 31 يناير الماضي «في هذه الليلة دعوني اتحدث بصورة مباشرة الى مواطني ايران: ان اميركا تحترمكم، ونحن نحترم بلدكم. ونحترم حقكم في اختيار مستقبلكم والفوز بحريتكم. وتأمل بلادنا ان تكون يوما ما اقرب الأصدقاء مع ايران ديمقراطية حرة».

والآن وقد وضعت القضية النووية أمام مجلس الأمن فان استراتيجية الولايات المتحدة تتمثل في التصعيد تدريجيا بدلا من فوضى تصعيد مفاجىء الى الذروة. وستكون الخطوة الاولى تصريحا من رئيس المجلس يعلن انتهاك ايران لبنود المعاهدة النووية، ومطالبتها التخلي عن تخصيب اليورانيوم. واذا ما اخفق ذلك يمكن ان يطلب من المجلس فرض عقوبات اقتصادية أو اتخاذ قرار يسمح بارغام ايران على الاذعان بالقوة العسكرية. ويبدو أنه من غير المحتمل ان تدعم روسيا والصين، اللتان تتمتعان بحق استخدام الفيتو، ايا من الخيارين.

وقال مسؤول اميركي كبير ان «هناك رغبة واضحة لاقامة تحالف واسع. والسؤال هو كيف يمكن الدفع باتجاه اتخاذ اجراء في ذلك الاطار؟».

ويعتقد بعض المحللين ان هذه السنة ستؤدي الى نقطة اتخاذ قرار بالنسبة لبوش حول استخدام الخيار العسكري. وحتى الآن يقول بوش ومساعدوه ان كل الخيارات مطروحة، ولكن كشيء عملي من غير المحتمل القيام بضربة عسكرية ما لم تستنفد الجهود الدبلوماسية.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»