المدارس الخاصة تعمق الانقسامات في المجتمع البريطاني

رسومها 42 ألف دولار سنوياً.. والتلاميذ يسجلون فيها قبل أن يولدوا

TT

إيتون (إنجلترا) ـ رويترز: في أيام الدراسة يرى زوار بلدة إيتون ذات المناظر الطبيعية الخلابة عشرات الفتية يرتدون بدلات ذات ذيل طويل وسراويل مقلمة بأقلام رفيعة وقمصانا بيضاء يجوبون شوارع البلدة.

هذا الزي الذي يبدو عتيقا في أعين السياح هو زي تلاميذ واحدة من أرقى المدارس البريطانية وهي «إيتون كوليدج». وقد تأسست هذه المدرسة عام 1440 وتضم حاليا التلاميذ الذين يستطيع آباؤهم دفع رسوم تبلغ 24 ألف جنيه استرليني (42030 دولارا) سنويا وهي قاعدة انطلاق مهنية واجتماعية لأبناء أعلى طبقات المجتمع.

وتبدو قائمة أسماء الطلاب القدامي كسجل للطبقات الحاكمة في بريطانيا، إذ تضم 19 من رؤساء الوزراء والأمراء والأكاديميين والكتاب والدبلوماسيين والأبطال العسكريين. وحقيقة أن صفوة المجتمع ترسل أبناءها للمدارس الخاصة، مثل إيتون التي تخرج منها الأمير وليام حفيد الملكة إليزابيث الثانية، وديفيد كاميرون زعيم المحافظين المعارض، تلقي الضوء على الفجوة القائمة في نظام التعليم البريطاني التي تشمل المجتمع كله. فهناك سبعة في المائة فقط من أطفال انجلترا يتوجهون الى مدارس برسوم خاصة في حين تذهب الغالبية العظمى الى المدارس الحكومية.

لكن أموال أولياء الأمور لا تذهب هباء. فعلى الرغم من أن المدارس الحكومية تعلم أكثر من 90 في المائة من أطفال بريطانيا، فإن المدارس الخاصة أمدت جامعة أوكسفورد العريقة بنحو51 في المائة فقط من طلابها البريطانيين العام الماضي. وقال جورج والدن، وهو وزير دولة سابق لشؤون التعليم في حكومة المحافظين: «لا يحدث في أي دولة أوروبية أخرى أن تنبذ الطبقات العليا والأرستقراطية والملكية نظام التعليم الذي تستخدمه الأغلبية الساحقة للمجتمع باعتباره متدني المستوى».

ووصلت شعبية المدارس الخاصة الى حد أن الآباء يحجزون أماكن فيها لأبنائهم بودائع مصرفية حتى قبل أن يولدوا. ويأمل أولياء الأمور في أن يوفر التعليم الخاص لأبنائهم درجات عالية ويفتح أمامهم أبواب الجامعات الكبرى ويؤهلهم لحياة مهنية بارزة في مجالات مثل القانون والسياسة والبنوك. وقال أب أرسل أبناءه الثلاثة الى مدارس خاصة «إن ميزة التعليم الخاص هي انك حتى لو لم تكن على درجة عالية من الذكاء فانه يمكنك تحقيق مستويات أفضل بكثير».

وتظهر دراسة أعدتها جمعية ساتون ترست التعليمية الخيرية أنه في عام 2004 كان أكثر من 66 في المائة من المحامين في الهيئات التشريعية الكبرى و75 في المائة من القضاة من خريجي المدارس الخاصة. ونحو ثلث المشرعين في البلاد ومنهم رئيس الوزراء توني بلير وزعيم المعارضة كاميرون تعلموا في الصغر في مدارس خاصة.

ويقول منتقدون إنه على الرغم من أن بعض الشخصيات البارزة تأتي كذلك من خريجي المدارس الحكومية، فإن انتشار التعليم في المدارس الخاصة بين القادرين على دفع رسومها يخلق تمييزا تعليميا وطبقة دنيا ضخمة. وتقول «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية» إن ميزات التعليم في مدارس خاصة في بريطانيا تزيد عن أي بلد آخر باستثناء أوروغواي والبرازيل.

ولأن المدارس الخاصة في بريطانيا، المقدرة بنحو 2500 مدرسة، تختار تلاميذها وتحظى بتمويل أفضل، فان أحجام الفصول فيها أقل من المدارس الحكومية، كما يمكنها اجتذاب بعض من أفضل المدرسين بمرتبات عالية وأعباء عمل أقل. وحال المدارس الخاصة في بريطانيا عكس حالها في فرنسا وألمانيا حيث تجتذب تلاميذ من أصحاب الاهتمامات الخاصة أو الأديان والاحتياجات المختلفة.

ويقول والدن إن هذا النظام يقوض جهود رفع المستوى التعليمي العام وستكون له عواقب اقتصادية بالغة عندما تدخل بريطانيا في منافسة مع عمال على درجة عالية من التعليم من الصين والهند. وأضاف: «طالما ظل قطاعنا المستقل منفصلا عن مشروع التعليم الوطني فانه سيظل محكوما عليه بألا يترفع عن المستوى المتوسط بشكل عام».

وتقول الحكومة البريطانية إن الفجوة بين القطاعين ضاقت منذ عام 1997 عندما تولى بلير السلطة بسبب زيادة تمويل المدارس الحكومية. لكن لم تنخفض نسبة الأطفال الذين يدخلون المدارس الخاصة، ويقول منتقدون إن بلير الذي يتزعم حزبا ألزم نفسه بالحد من عدم المساواة أهمل القضية.

وحتى الخطط الحكومية الرئيسية التي تعرض على البرلمان لتحسين مستويات المدارس الحكومية بمنحها قدرا أعلى من الاستقلالية لن تحقق نتائج تذكر من دون تغيير شامل يشمل المدارس الخاصة كذلك. وقال رالف لوكاس مؤلف كتاب «دليل المدارس الجيدة» ان المدارس الخاصة قد تخرج من السوق بمرور الوقت بسبب ارتفاع رسومها. وأضاف: «هذا أحد الآمال الكبيرة للقطاع الحكومي. فبعض أولياء الأمور يحبون التعليم الخاص لكنهم سيسعدون جدا إذا وفرت لهم الدولة بديلا جيدا ولن يكون عليهم دفع المبالغ الطائلة». لكن تغيير النظام القائم حالياً يواجه عدة مشكلات أهمها غياب دافع قوي لدى الطبقة الحاكمة وأغلب أفرادها تلقوا تعليمهم في مدارس خاصة.