محاكمة صدام: القاضي يأمر بجلسة مغلقة لأن الرئيس السابق ألقى «خطبة سياسية»

برزان: المحققون سألوني عن أسلحة الدمار و36 مليار دولار.. وأمير قطر أنقذ أولادي من الشوارع

TT

اضطر القاضي العراقي رؤوف رشيد عبد الرحمن رئيس المحكمة الجنائية العليا التي يمثل امامها الرئيس السابق صدام حسين وسبعة من مساعديه، الى تحويل جلسة امس التي خصصت لإدلاء صدام بإفادته في قضية قتل 148 من سكان بلدة الدجيل الشيعية في عام 1982، الى جلسة مغلقة، معتبرا ان الرئيس المخلوع كان يلقي «خطبة سياسية»، بينما حظيت إفادة برزان التكريتي الأخ غير الشقيق لصدام بتغطية كاملة.

وقبيل الطلب الى الصحافة بالخروج من القاعة، قال صدام موجها كلامه الى القاضي الذي طلب منه حصر حديثه في قضية الدجيل، انه لا يحق له مقاطعته، معتبرا انه معين من قبل الاميركيين. واستهل صدام الذي ارتدى بزة غامقة وقميصا ابيض دون ربطة عنق كالمعتاد، حديثة واصفا المحاكمة بأنها «مسرحية ملهاة لصدام حسين ورفاقه». وقال بلهجة لا تخلو من التحدي انه «قائد الشعب العراقي ورئيس العراق والقائد الأعلى للقوات المسلحة، وما زلت على العهد، وهي مسؤولية أخلاقية انها شرف وواجب تجاه الشعب والوطن وأمتنا المجيدة».

وكان صدام آخر المتهمين في قضية الدجيل الذين يدلون بأقوالهم امام المحكمة التي بدأت النظر في القضية في 19 اكتوبر (تشرين الاول) الماضي، وسبقه في جلسة امس اخوه غير الشقيق برزان الذي نفى في افادته اي مسؤولية له بحوادث القضية ومجرياتها. وبعد انتهاء افادة صدام أعلن رئيس المحكمة رفع الجلسات الى الخامس من الشهر المقبل. وقال صدام حسين ان «شعبنا لا يغافله القول الزائف»، داعيا الى «الوحدة بين المذاهب في العراق (...) لا فرق بين القوميات والأديان والمذاهب ولا أفرق بين احد منكم في ضميري ولساني، الاسلام دين الدولة الرسمي وشعب العراق واحد». وأعرب عن «استنكاره» للتوتر بين الشيعة والسنة اثر تفجير مرقد الامامين علي الهادي والحسن العسكري في سامراء الشهر الماضي.

وأضاف صدام ان «نزيف الشعب لم يزده إلا تصميما وجهادا لطرد الاجنبي بكل مسمياته (...) هناك جرائم نهب وقتل ابتداء بتفجير (مرقد) الامامين الهادي والعسكري (...) ليتوجه الشعب ليقاتل الغزو وأعوانه بدلا من ان يتقاتل».

وقال «لذا أدعو العراقيين نساء ورجالا الى الاقلاع عن تجريح انفسهم لكي لا يضيع الدرب. ومن فجر المرقدين مجرم وعار مهما كان دينه، ولا اكون متطرفا ان قلت ان لا دين له».

وقد قاطع القاضي صدام، طالبا منه الدفاع عن نفسه في القضية الجنائية المطروحة قائلا له «انت متهم. لقد انتهى دورك (كرئيس)، وهذا قدرك، دافع عن نفسك الآن وما تقوله خطبة سياسية ونحن كمحكمة لا دخل لنا في السياسة». إلا ان صدام أجابه «لولا السياسة ما الذي يأتي بي وبك الى هنا». ودار سجال بين القاضي والرئيس العراقي السابق حول حق الاخير في ابداء ما يشاء من آراء. وقال صدام «دعني أكمل ضمن فرصتي واذا كنت منزعجا فاجعلها تهمة أخرى».

وتوجه الرئيس المخلوع الى العراقيين قائلا «انكم كبار في مواقفكم (...) ابقوا على صفاتكم حتى تذهب الغمة، وما هو إلا زمن وتبزغ الشمس (...) ما حصل في الايام الاخيرة إساءة بالغة للتراث والدين». ثم تحدث عن برنامج «النفط مقابل الغذاء» وتحمل الشعب «قساوة» العقوبات الدولية رغم ان «سعر برميل النفط كان 18 دولارا (...) اما الآن جاء المجرمون تحت ذريعة البحث عن اسلحة الدمار الشامل». فرد القاضي «هذا صراع بينك وبين أميركا». وتدخل المدعي العام جعفر الموسوي طالبا من «المتهم الدخول في صلب القضية وليس في أمور خارجية بعيدة عنها»، ورد صدام بالقول «لا يحق لك التدخل وأنا أوجه كلامي الى رئيس المحكمة».

وقال القاضي «هذه محكمة وليست فوضى» فعلق صدام هازئا «نعم انها محكمة، ولولا الاميركان لما استطعت لا انت ولا والدك احضاري الى هنا».

وجرت ملاسنة حادة بينهما قرر القاضي على اثرها تحويل الجلسة الى سرية ومغلقة.

أما برزان فقد افتتح افادته بطلب افساح المجال امامه ليستفيض في الكلام «لأن اليوم دوري وفي ذلك فائدة للجميع، فوافق القاضي شرط ان يحصر حديثه في القضية، بحيث لا يخرج عن السياق».

واستهل برزان افادته التي تميزت بلهجة أكثر هدوءا مستشهدا بقول مأثور للامام علي «افضل ان اكون مظلوما على ان اكون ظالما»، وقال «لم يتم التحقيق معي سوى ثلاث او اربع ساعات فقط» في قضية الدجيل، مضيفا «حققوا معي وكأنني رئيس العراق او الشخص الذي يمر عبره كل شيء للرئيس. هذا أمر مضحك». وأضاف «سألوني عن اسلحة الدمار الشامل وهل ارسلت الى دولة مجاورة، كما سألوني عن 36 مليار دولار تعود للرئيس (السابق صدام حسين) وعن السجون السرية والأسرى الأميركيين والبريطانيين وأين ومتى جاء أسامة بن لادن الى العراق، وكيف استقبله صدام ومن حضر اللقاء». وقال برزان «واخيرا، تمت احالتي بتهمة مختلفة عن هذه الاسئلة. يدعون اني امرت باعتقال عناصر نفذت محاولة اغتيال الرئيس في الدجيل والواقع انني قمت بزيارة الدجيل في اليومين الاول والثاني للحادث فقط». وتابع يقول «في اليوم الاول اطلقت سراح المحتجزين في مقر الحزب (البعث) امام عشرات الناس، انا لم اعتقل احدا ولا حققت مع احد، والدليل انهم احيلوا الى المحكمة بعد عامين من استقالتي». وأوضح انه قدم استقالته «نهائيا في اكتوبر (تشرين الاول) 1983 وانقطعت علاقتي بالدولة نهائيا».

وأكد برزان أن «الدجيل كانت من المعاقل المهمة لحزب الدعوة يتخذون من البساتين معاقل لهم، حيث تم ضبط اسلحة ومدافع هاون وأغذية معلبة وأجهزة طابعة (..) الأمن العام اقام معسكرا وضرب معاقل الدعوة واقترح على وزير الداخلية احالة بعضهم على المحكمة. اهل الدجيل يعرفون ذلك كما انهم يعرفون جريمة ابنائهم». وتابع ان «السيد الرئيس مارس صلاحياته الدستورية، وهذه ليست تهمة (...) اذاعة ايران بثت الخبر يوم الحادث، وعندما عادت نفس المجموعة بعد احتلال العراق اكدت وتباهت بما قامت به في الثامن من يوليو (تموز) 1982».

واعتبر ان «هذه المجموعة عرضت العراق للخطر ونفذت عملية بأمر من قوة خارجية كانت في حال حرب مع العراق. صدام قاد العراق مدة 35 عاما، ومن الطبيعي ان يخطئ في بعض الامور، لكن على كل وطني تذكر انجازات فترة حكمه». وأضاف «على سبيل المثال، من غيره في المنطقة اعطى الاكراد حكما ذاتيا؟ انه قائد حقيقي لن يتكرر، احاط به رجال أحبوه بعيدا عن الانانية، وما حصل من أخطاء منهم يعكس طموحات الشباب».

يذكر ان برزان كان مديرا لجهاز المخابرات مطلع الثمانينات قبل تعيينه مندوبا للعراق لدى منظمات الامم المتحدة في جنيف لفترة طويلة. وقال برزان ايضا ان نجله محمد «كان في السادسة عشرة عندما غادر الى اوروبا لإكمال دراسته، وهو طالب دكتواره وليس موظفا او سياسيا، وتم توقيفه قبل سنتين دون ذنب سوى انه ابني، كما اعتقلوه بسبب الـ 36 مليار دولار المزعومة».

وأضاف «صدام حسين يعرف ان الانسان الذي يعمل بالسياسة ليس من حقه امتلاك ثروة. هذا نمط تفكيره. وعدوه هو من يكون لديه مال اكثر، من الاساسيات لم يخطط لنفسه التقاعد او الذهاب في اجازة او ان يسقط نظامه، واذا خرج من السجن فهو لا يملك مالا لشراء الطعام، هذه هي الحقيقة».

وقال برزان ايضا ان امواله جناها «من تعبه مائة في المائة، ورغم ذلك هناك قرار بتجميدها (..) ورمي الاطفال في الشوارع دون مال لأنهم لا يملكون دفع الايجار، لكن استضافهم رجل شهم شجاع وكريم هو أمير قطر الشيخ حمد بن عبد الله آل ثاني». وطالب المحكمة باسترداد أمواله وممتلكاته.

وفي سياق إفادته أعرب برزان عن رغبته في ان يسمعه الرئيس الاميركي جورج بوش ووزير دفاعه دونالد رامسفيلد وقال «أتمنى أن الرئيس بوش والسيد رامسفيلد يسمعان هذا الكلام.. الديمقراطية تذبح في العراق الآن من قبل أصدقاء أميركا. ان ما يجري على أرض العراق ليس له علاقة بالديمقراطية».