ندية ياسين نامت أثناء محاكمتها والقاضي شعر بالحرج لإهماله التأكد من هويتها

تفاصيل محاكمة كريمة زعيم «العدل والإحسان» التي أجلت إلى تاريخ غير مسمى

TT

قررت الغرفة الجنحية بالمحكمة الابتدائية بالرباط أول من امس إرجاء النظر في قضية ندية ياسين كريمة زعيم «جماعة العدل والاحسان» الاصولية، شبه المحظورة، وصحافيين اثنين يعملان في «الاسبوعية الجديدة» الى أجل غير محدد للمرة الثانية مع التشطيب على محضر الجلسة الأولى.

وبينما كانت نادية ياسين تغط في النوم على أحد كراسي المحكمة بدون الاكتراث بمرافعات خمسين محاميا تابعوا المحاكمة، وقف المئات من أنصار الجماعة ساعات طويلة تحت شمس حارقة مغلقين أفواههم باللاصق ذاته الذي وضعته ياسين في الجلسة الأولى من محاكمتها ورافعين شعارت مشابهة لما حمله المغاربة بعد أحداث 16 مايو (أيار) بالدارالبيضاء «ما تقيش حرية الصحافة» في إشارة إلى أن الجماعة ممنوعة من حرية التعبير وأنها تؤمن بالمبادئ العالمية، وكتب الشعار باللغة العربية والفرنسية والانجليزية. ومنذ الساعات الأولى من صباح أول من أمس، كانت قوات الأمن وعناصر الاستخبارات قد انتشرت في الأزقة المؤدية إلى مقر المحكمة الابتدائية وطفقت تطرد من أمام ساحة المحكمة جميع من يقف مشدوها أمام بابها أو جاء قبل الوقت المحدد ينتظر حضور ندية إلى المحكمة، وطال انتظار الواقفين وبدأ يتقاطر مسؤولو الأمن الواحد تلو الآخر، يسلمون على بعضهم بحميمية، ثم لم يجدوا مفرا من الدخول في نقاشات ثنائية من أجل قتل الوقت في انتظار وصول ندية ياسين التي وصفها البعض مازحا بـ«العروس».

وبدا الشارع المقابل للمحكمة، مع اقتراب موعد الجلسة، غاصا بأنصار الجماعة الذين جاءوا من مناطق متفرقة ووقفوا ينتظرون حضور كريمة الشيخ ياسين. وفجأة رفعوا أصابعهم إلى أعلى واشرأبت الأعناق نحو نهاية الشارع، وركض الصحافيون ومصورو وسائل الإعلام المغربية والدولية صوب أمواج من البشر تتحرك في اتجاه المحكمة، تتقدمهم ندية ياسين وقياديو «العدل والاحسان». ظلت ملامحها باردة وهي تطرق النظر في صمت إلى الطريق الممتدة أمامها بينما وضع مرافقوها لاصقا على افواههم في موكب شبه جنائزي. وما هي إلا لحظات حتى دلفت ندية ياسين إلى قاعة المحكمة واصطف المئات من الأنصار أمام الباب، واضعين جميعهم لاصقات المنع وحاملين شعارات مكتوبة. كانت أعمارهم مختلفة وكذا طريقة لباسهم، كما أن بعضهم كان بدون لحية وخصصوا مكانا للنساء اللواتي حضرن بالعشرات.

وبمجرد ان دخلت ندية أقامت قوات الأمن جدارا بشريا أمام المحكمة ومنعت ممثلي وسائل الإعلام الدولية والمغربية من الدخول، فأشهر الصحافيون بطائقهم المهنية ورفعوها إلى أعلى واتصلوا بنقيب الصحافيين وحاولوا الاتصال بوزير العدل بعدما لم يتمكن أي واحد منهم من الدخول إلى قاعة تجري بها أطوار محاكمة علنية، فتوجهت الكاميرات إلى الصحافيين، وهكذا صار الاحتجاج احتجاجين.

وداخل قاعة المحكمة كان المحامون يملأون الجنبات بينما جلس قياديو «العدل والاحسان» في المقاعد الخلفية ينتظرون في صمت إلى القاضي ومستشاريه اللذين بدا عليهما نوع من التوتر، كان بعض الأنصار يحملون اللافتات ولم تنزع ياسين اللاصق عن فمها خصوصا أن القاضي أهمل التأكد من هويتها، فقصدت ركنا قصيا، ارتمت على أحد الكراسي وطفقت تغفو، ثم غطت في نوم عميق، أما القاضي فقد شرع في إحصاء الخمسين محاميا الذين نصبوا أنفسهم للدفاع عنها، فتسرب احساس لدى الجميع أن الجلسة ستطول.

بدأ المحامون مرافعاتهم بالدفوعات الشكلية وببطلان قرار القاضي في الجلسة الأولى بالتأجيل إلى أجل غير مسمى لاعداد الدفاع بدون أن يطلب هذا الأخير ذلك وقرارهم بوضع الإنابات الكتابية للمحامين بكتابة الضبط مما يخالف القانون المنظم لمهنة المحاماة بالمغرب. راح المحامون مع مرور الوقت يكررون نفس الشيء تقريبا، واكتسب بعضهم قدرا من الجرأة وألقى بما يدور في ذهنه في وجه القاضي: «هذه محاكمة سياسية سيدي الرئيس». بينما راح محام آخر يدافع عن ندية ياسين بطريقته الخاصة قائلا :«أشعر يا سيدي القاضي أنني مظلوم ولا مستقبل لي في هذا البلد بسبب الطريقة التي تجرى بها المحاكمة».

طالت الجلسة فعلا، فنام عدد من الحضور، وغفا آخرون تماما مثلما يفعلون في حلقات الذكر، وازداد توتر القاضي ومستشاريه اللذين لم يكف أحدهما عن طقطقة أصابعه، وازداد حرج القاضي عندما واجهه أحد المحامين بأنه لم يتأكد من هوية ندية ياسين، فربما ليست هي المتهمة، فالقاضي لا يحكم بعلمه. غضب القاضي، فطرد امرأة كانت تمضغ علكة في آخر القاعة.

وظل أنصار الجماعة واقفين في الخارج متحملين لهيب الشمس والأفواه المغلقة طيلة ساعات، ومع اقتراب نهاية المحاكمة خرج إليهم فتح الله أرسلان، الناطق الرسمي باسم جماعة «العدل والاحسان»، محمولا فوق أكتاف الأنصار ليلقي خطبته أمام قوات الأمن «جئتم من أجل مساندة الرأي الحر والكلمة الحرة في زمن أصبحت فيه مقيدة لتعلنوا أمام الجميع أنكم الحق والعدل»، مضيفا من مكبر الصوت «جزاكم الله على مجيئكم تقبل الله منكم»، فأجابته الجموع «آمين» قبل أن يسترسل «أنتم معروفون بالنظام والسلم ونبذ العنف، كما خبركم الجميع وعرفكم، سجلتم موقفكم، فانصرفوا راشدين منصورين بإذن الله، فالأمر يسير في اتجاه تأجيل الجلسة».