الأوساط السياسية الإيرانية تعتبر المحادثات مع أميركا نقطة تحول تاريخية

منافسة بين تيارين داخل الحكم في طهران حول التقارب مع واشنطن

TT

تعتبر أوساط إيرانية ان قبول طهران اجراء محادثات مباشرة مع الولايات المتحدة بشأن العراق، تطوراً كبيراً في السياسة الخارجية، ونقطة انطلاق تاريخية، حتى وان تكن مؤقتة، بعد 27 عاماً من العداء الرسمي الذي جعل السياسية الايرانية تنص على الحديث ضد حكومة «الشيطان الأكبر»، وليس الحديث معها على الاطلاق.

وحذرت صحيفة «كيهان» اليومية الايرانية المتشددة في افتتاحية عددها الصادر يوم السبت الماضي، من أن «هدف أميركا من دعوة ايران الى اجراء محادثات هو توجيه رسالة الى الحركات الاسلامية في مختلف انحاء العالم، مفادها بأن ايران استسلمت للولايات المتحدة بعد 27 عاماً من المقاومة». ورأى عدد من المحللون ان اختيار «كيهان» لهذا الموضوع يشير الى اهمية تغير الموقف الايراني. ووجهت الصحيفة نداءً الى الحكومة تقول فيه: «أعلنوا بأسرع ما يمكن بأنكم لن تجروا حواراً مع الولايات المتحدة، وتجنبوا الوقوع في فخ مدمر أعد لإيران الاسلامية».

وظلت المعارضة الحادة للولايات المتحدة أحد اعمدة النظام الثيوقراطي في ايران منذ عام 1979، عندما اطاح شعب ايران الغاضب بالشاه الذي ساعدته واشنطن على تولي الحكم قبل 26 عاماً بانقلاب مدبر من وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي أي اي). ومن الجانب الاميركي، هناك عداء مماثل مغروس في السياسة الاميركية بعدما احتلت مجموعة طلابية متطرفة السفارة الأميركية في طهران وأخذوا 52 رهينة اميركية وأبقوهم أسرى لفترة زادت على العام.

ومنذ ذلك الوقت، قطعت الولايات المتحدة علاقاتها الدبلوماسية مع ايران، ووجد كلا البلدين في الآخر عدواً علناً. إلا انه تتنامى داخل ايران اليوم رغبة للتقارب الى الولايات المتحدة وإقامة علاقات ودية معها بين الجيل الجديد الذي لا يتذكر الثورة الايرانية وانطلاقتها.

وفي عام 2002، كشف استطلاع للرأي ان 75 في المائة من الايرانيين فضلوا اجراء محادثات مع الولايات المتحدة. وقد سجن الشخص الذي اجرى الاستطلاع، ولكن الواقع أظهر منافسة هادئة بين القوتين السياسيتين المتخاصمتين في ايران بشأن العلاقات مع الولايات المتحدة.

وقال مهدي كروبي، رجل الدين المعتدل الذي كان رئيساً لمجلس النواب السابق: «أياً كان الطرف الرابح» من التقارب الأميركي فأنه سيهيمن على الوضع السياسي في ايران في المستقبل المنظور. غير ان المنافسة كانت قد أدت الى شلل المسعى. فما من طرف سمح للآخر بالوصول الى الولايات المتحدة من دون توجيه اتهامات اليه بخيانة الثورة الاسلامية.

وقد تغير ذلك في العام الماضي عندما أبعد رجال الدين المحافظون الاصلاحيين عن الحكم، موحدين بنية الحكم في ايران للمرة الأولى منذ ما يقرب من عقد من الزمن. كما أنه مهد طريق الانفتاح على واشنطن، بل ان الاصلاحيين حثوا المحافظين على هذا التوجه.

وقال مصطفى تاج زادة، المنظر الاصلاحي البارز الذي تحدث قبل الاعلان عن المحادثات المباشرة، انه «قد تكون مفارقة تاريخية، ولكن من الصحيح القول إن الدولة تتمتع بانسجام. ولم تكن هناك فترة أكثر ملاءمة للمحادثات بين البلدين من الفترة الحالية. فنحن اليوم أقل حساسية مما كنا في أي وقت منذ الثورة».

وحث عدد قليل من المحافظين في الاتجاه ذاته بهدوء. وخلف كواليس المؤسسة المحافظة في ايران، يتهامس المطلعون بشأن أفق المفاوضات. وحينما جاء تغيير الموقف يوم الخميس الماضي بشكل علني حيث أعلن علي لاريجاني الذي يرأس مجلس الأمن القومي الأعلى باستعداد بلاده التباحث مع الولايات المتحدة بالشأن العراقي للبرلمان ثم جمع الصحافيين الأميركيين لإجراء مقابلات معه. واعتبر محللون وسياسيون أن القرار يظهر كل العلامات التي تشير الى دعم الثقل السياسي الأول في البلاد، المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، مما ادى الى موافقة المحافظين على السياسة الجديدة.

وقال حبيب الله أزغارولادي زعيم «جمعية الائتلاف الإسلامي»، بحسب وكالة الانباء الطلابية الإيرانية «إسنا»: «من الواضح أنه عندما يطرح المسؤولون الإيرانيون فكرة، ستكون محسوبة». ولم يتحدد تاريخ للمحادثات بعد، وعلى إيران أن تسمي وفدها الذي قال عنه لاريجاني إنه سيضم مجموعة بمستوى «مناسب» للمهمة. وتشدد كل من إيران والولايات المتحدة على أن موضوع المحادثات محدد بما يخص العراق، حيث لكلا الطرفين مصالح ونفوذ قوية.

أما المسؤولون الاميركيون فشددوا على مسألة ان المحادثات منحصرة في الشأن العراقي، وهم يرون أن إيران تفتح قناة توصلها بالولايات المتحدة على أمل أن تخفف من الضغط الذي تواجهه في مجلس الأمن الدولي حول برنامجها النووي. ويعترف بعض السياسيين الايرانيين بذلك، اذ قال رضا تالينيك رئيس الأمن القومي في البرلمان الايراني ولجنة الشؤون الخارجية لـ«اسنا»: «ان المحادثات حول العراق، ستكون لها تأثيرات على باقي التطورات الاقليمية وعلى الملف النووي». ووصف آخرون هذه المبادرة بأنها أول خطوة لتقليل عزلة ايران عن الغرب. وكانت الولايات المتحدة منذ وقت طويل اعتبرت إيران أكبر دولة مصدرة للإرهاب. لكن تاج زاده قال إنه يخشى من تصاعد حدة الانتقادات اللغوية للبرنامج النووي الإيراني. وقال: «الصورة العامة التي رسمتها الولايات المتحدة جعلت من إيران وحشاً. وهم عليهم أن يقوموا بشيء ما، على الأقل من أجل كسر قرون هذا الوحش». وأضاف: «هناك احتمال ضئيل بالنجاح. بالتأكيد ضمن الأمد القصير لن يكون هذا الأمر لصالح حزبي، لكن على الأمد البعيد هو لصالح إيران، الأمة الإيرانية حزبنا».

أما أستاذ العلوم السياسية في جامعة طهران، ناصر هديان ـ جازي، فقال إن المعلقين الإيرانيين من كل الاطراف يرون بدء الاتصالات بين الطرفين هو مبادرة مهمة تقوم بها واشنطن منذ عام 1979 على الرغم من أن الاتصالات الدبلوماسية على مستوى الكوادر الوسطى ومن خلال أطراف ثالثة قد جرت قبل بدء الغزو على أفغانستان والعراق. وقال: «المؤيدون والمعارضون جعلوا هذه النقطة واضحة».

وكذلك هو الحال مع الشعب الذي يبدو أنه رحب بأخبار المفاوضات. وقالت كوبرا مهدي بور، وعمرها 68 سنة: «على الطرفين (ايران والولايات المتحدة) الاستفادة من هذه الفرصة، يجب أن يكونا صديقين».

وحينما سئلت عمن يشعر بطريقة مختلفة في إيران، أضافت مهدي بور: «قد يكون هناك بعض الأميين في المناطق الريفية الذين يريدون أن يكونوا أصدقاء مع بلدان أخرى، لكنهم تحت تأثير بعض أنواع الدعاية». وقال رجل الدين المعتدل كروبي، الذي غير موقفه من تأييد احتلال السفارة الأميركية عام 1979 إلى الدعوة للتقارب مع واشنطن، إن هذه الدعوة هي تحد للحكومة أيضاً. وشرح: «على كلا الطرفين أن ينسيا العبارات الحادة التي تستخدم في الإعلام والسياسة. عليهما أن يضعا كل ذلك جانباً، وأن يؤسسا شيئاً جديداً».

وعلى صعيد آخر، تسعى ايران الى توثيق علاقتها مع عدد من الدول العربية لتتصدى للعزلة الدولية التي تواجهها بسبب برنامجها النووي المثير للجدل. وفي أول زيارة ايرانية رفيعة الى الكويت منذ ربع قرن، توجه الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد الى الكويت بينما بعث مسؤولين ايرانيين الى دول خليجية في محاولة لإقناعهم بدعم رغبة ايران في تطوير التكنولوجيا النووية. وكان وكيل وزير الخارجية الايراني للشؤون العربية والأفريقية محمد رضا باقري قد سلم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز رسالة من احمدي نجاد بعدما التقى وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل.

كما ان طهران تسعى الى توثيق علاقتها بدمشق التي تعاني من بعض العزلة نفسها منذ اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري. ووقعت الدولتان اتفاقيات تجارة وأعلنتا عن خطة لمد انبوب نفط بين البلدين، إلا ان هذه الخطة تعتمد على استخدام الاراضي العراقية. كما ان مسؤولين من تونس تعهدوا بزيادة التبادل التجاري مع طهران وعدد الرحلات اليها. والعمل على تطوير العلاقات التجارية والسياسية مع الدول العربية يتزامن مع الدعم الايراني الى حركة المقاومة الاسلامية «حماس» التي تولت السلطة في فلسطين أخيراً.

واعتبرت المحللة في الشأن الايراني في جامعة الدول العربية مها التركي أن الجهود الايرانية على توثيق علاقاتها مع الدول العربية، تشير الى ان «ايران تسعى الى ان تكون لاعباً في المنطقة، وتحاول ان تجعل نهجها أكثر مرونة بالنسبة الى العرب».

*خدمة «واشنطن بوست» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)