عراقيون يتساءلون: ما الهدف من قتل 193 من أساتذة الجامعات?

شملت القائمة مختلف الطوائف والأعراق والأديان.. والتركيز على الأطباء وأساتذة العلوم والتكنولوجيا

TT

لم يكن في حسبان كثير من معارف الدكتور علي حسين مهاوش، عميد كلية الهندسة، ببغداد انه سيتعرض للموت وبالطريقة التي حدثت في السادس من مارس (آذار) الماضي. فقد اختطف من امام منزله في حي البنوك على يد مسلحين مجهولين ولم يعد اليه إلا وهو جثة هامدة ليحمل الرقم 193 من ضحايا تلك الفئة وحدها في العراق منذ عامين.

ويتساءل زملاء مهاوش وأفراد عائلته عن سر استهداف اساتذة الجامعات، وما اذا كانت تلك العمليات بقصد استهداف مستقبل العراق العلمي، ودوره خلال السنوات المقبلة. تقول عائلة مهاوش انه كان يقول قبل خروجه من البيت انه سيعمل على ان يجعل من كلية الهندسة في جامعة المستنصرية مثالا لكل الجامعات في العالم، وسيقوم بالتعاون مع وزارة التعليم العالي بإرسال البعثات الى الخارج لتلقي العلم والخبرات التي لم تصل الى العراق، لكنه قال في آخر مرة «ماذا نفعل للذين لا يدعوننا نعمل للعراق»، وخرج محملا بهذه الكلمات ليعود وهو محمول على الاعناق.

وقائمة القتلى من اساتذة الجامعات التي حصلت عليها «الشرق الاوسط» من جهات تعمل في البحث العلمي، تصدرها اسم الدكتور رعد عبد اللطيف السعدي، يقول عنه زملاؤه انه كان عبقريا في اللغة العربية (مجال تخصصه) وكان يتمنى ان ينال درجة بروفسور في علوم اللغة العربية، لكنه اغتيل في بداية الحملة التي استهدفت اصحاب الشهادات العليا في العراق.

عميد احدى الجامعات العراقية قال لـ«الشرق الاوسط» إنه تلقى تهديدا قبل وقت قريب، لكنه سيعمل على ابلاغ السلطات بالأمر كي يحصل على الحماية الكافية. وقال، رافضا ذكر اسمه، انه سيضطر لمغادرة العراق مع أفراد أسرته. وكان قد تعرض لإطلاق الرصاص قبل فترة، ولكنه كان يظن، كما قال، ان الرصاص لم يستهدفه هو حتى وصل اليه التهديد عن طريق البريد الالكتروني. ويقول التهديد «أترك عملك فورا فالقصاص بانتظارك».

احد اساتذة كلية الاعلام في جامعة بغداد كان قد تعرض للاهانة والضرب والتهديد، وقال لـ«الشرق الاوسط» ان جهات خارجية وراء هذه الاعمال، وأشار الى ان «بعض ضعاف النفوس ممن يرتضون لأنفسهم بيع وطنهم بالدولارات قد نفذوا بعض تلك الاعمال»، وأبدى مخاوفه من تكرار المحاولة عليه.

وقال هذا الاستاذ دون الافصاح عن اسمه (لدواعي امنية) ان «ميليشيات ترتبط بجهات خارجية تنفذ الكثير من الاغتيالات داخل العراق، في محاولة لتفريغ العراق من محتواه الثقافي والعلمي، وقد تشترك معها جهات سرية مخابراتية مرتبطة بدول اقليمية همها السيطرة على البلاد».

وأوضح «هذه الجهات لا يمكن لها ان تسيطر على هذا البلد ما دام فيه علماء ومفكرون».

وفي القوائم التي حصلت عليها «الشرق الاوسط» تبين ان تواريخ الاعتقال والاغتيال والتهديد قد بدأت في شهر واحد وسنة واحدة هي مارس (آذار) 2004. وتمت محاولة اغتيال الدكتور امجد كامل العثمان من جامعة البصرة قبل يومين من اغتيال الدكتور علي حسين مهاوش عميد كلية الهندسة ببغداد.

وتظهر القوائم ايضا أن محافظات بغداد والبصرة والموصل هي اكثر المحافظات التي شهدت عمليات الاغتيال والاعتقال، ولم تسلم محافظات صلاح الدين وديالى وكربلاء والنجف من الامر، وان كانت النسبة اقل، ولم يكن للمذهب او الدين الذي ينتمي اليه الاستاذ او الطبيب او العالم اي انحياز لعمليات القتل، فمنهم الشيعي والسني والمسلم والمسيحي.

ويقول الدكتور «ي، م»، وهو استاذ في القانون والسياسة في جامعة بغداد، وكان قد تعرض لمحاولة اغتيال وهو من المذهب الشيعي، «ان نوع الاجازة العلمية هي التي تحدد توجهات القتلة ومن ينظم تلك العمليات.. وأنا على يقين أن الافكار التي يحملها بعض أساتذة الجامعات والأيديولوجيات التي يؤمنون هي وراء عمليات استهدافهم، خصوصا أولئك الذين يؤمنون بالفكر القومي والوطني والذين يؤمنون ايضا بتعاقب الاجيال». وأكد صحة ما رمى اليه زملاؤه من ان اياد كثيرة تريد تفريغ العراق من محتواه الثقافي والفكري.

وتبين القوائم ايضا أن نسبة الاطباء تشكل الرقم الاكبر فيها بمن فيهم مديرو المستشفيات، وكذلك اساتذة الفيزياء والكيمياء وعلوم الطائرات، وهناك نسبة كبيرة من اساتذة التاريخ والجغرافيا والمهندسين، ولم يسلم من القتل ايضا اساتذة اللغة العربية والانجليزية والمديرون العامون في الاماكن التي لها علاقة بالعلوم والتكنولوجيا ومديرو المدارس.

وفي اتصالات هاتفية مع عدد ممن تم اعتقالهم او تهديدهم، رفض جميعهم ذكر الجهات التي اعتقلتهم او ما اذا كانوا يتهمون جهة معينة بالوقوف وراء التهديدات. وقال العديد منهم ان المغادرة خارج العراق هي اسلم الطرق للنجاة. وقالوا ان الذي يؤخر مغادرتهم هو ارتباطهم بأعمال كثيرة، منها الاشراف على رسائل الماجستير والدكتوراه في الجامعات العراقية.

يقول عصام الراوي، وهو احد المختصين، ان جهات منظمة وراء تلك العمليات، وطالب وزارة الداخلية ان تبحث في هذه القضية، فيما اذا كانت اجهزتها مخترقة، بعد ادعاء كثير من الجهات الخاطفة انها من وزارة الداخلية. ويؤكد احد اقارب الدكتور مصطفى محمد الهيتي انه قد هدد بالفعل وأجبر على الاستقالة والسفر خارج العراق على الرغم من ان هذا الاستاذ هو من خيرة علماء العراق.

والقائمة قد تطول، حسب ما أشار لنا احد الاعضاء المؤسسين لإحدى الروابط في العراق التي تدافع عن حملة الشهادات العليا في العراق. ولكن السؤال الذي وجهه الاستاذ الذي يحمل شهادة الدكتوراه في اللغة الانجليزية وقد تعرض للتهديد هو الآخر: اين هي الحكومة من كل ما يجري لعقول العراق؟ وهل سيصمت الجميع امام عمليات التهجير القسري؟ وتساءل هل نهرب ونترك العراق لمن هو غير عراقي؟