قلق بين مسؤولي «سي آي إيه» من حجم حضور «القاعدة» في إيران

سيف العدل خطط من داخل إيران لتفجيرات انتحارية في السعودية ووجه عددا من الهجمات في أوروبا

TT

يبذل مسؤولو الاستخبارات الأميركية، الذين يركزون في الوقت الحالي على امكانية انتاج ايران اسلحة نووية، جهودا دؤوبة لحل لغز اكثر إلحاحا، وهو العلاقة الغامضة بين زعامة طهران الجديدة ومجموعة زعماء «القاعدة» المقيمين في البلد.

ويعتقد بعض المسؤولين، وهم يستشهدون بمعلومات عالية السرية عبر الأقمار الصناعية والتنصت الإلكتروني، ان النظام الإيراني يستضيف كثيرا من زعماء «القاعدة» المتبقين ويفسح مجالا لمسؤولين كبار بالاتصال والمساعدة على التخطيط لعمليات الشبكة الارهابية.

ويشيرون الى أن الرئيس محمود احمدي نجاد ربما يكون قد شكل تحالفا مع مسؤولي «القاعدة» كوسيلة لتوسيع نفوذ ايران، أو انه ينظر، على الأقل، في الاتجاه الآخر، بينما يتعاون زعماء «القاعدة» في بلده مع نظرائهم في أماكن أخرى.

وقال مسؤول أميركي في مجال مكافحة الإرهاب ان «ايران تصبح راديكالية على نحو متزايد، وأكثر استعدادا لغض الطرف عن وجود «القاعدة» هناك».

وتردد اتهامات المسؤولين الأميركيين بشأن طموحات ايران النووية وصلاتها مع «القاعدة»، اصداء الاتهامات التي وجهها مسؤولون في ادارة بوش بشأن العراق في فترة الاستعدادات التي سبقت الغزو الأميركي للعراق قبل ثلاث سنوات.

وقد كشفت تلك الاتهامات بشأن العراق عن عدم مصداقيتها. وفي حالة ايران نجد بعض المسؤولين والمحللين الاستخباراتيين غير مقتنعين بأن زعماء «القاعدة» يسمح لهم بالتخطيط للأعمال الارهابية. وعلى كل حال فانهم يشيرون الى ان تصاعد التوترات بين الشيعة والسنة في العراق سيؤدي منطقيا بحكومة ايران الشيعية الى الوقوف ضد «القاعدة» التي يعتبر زعماؤها الشيعة كفارا.

وقال مسؤول استخباراتي «لا احتاج المبالغة بصعوبة تقرير ما يريده هؤلاء الأشخاص في أية فترة معينة». وتحدث مسؤولون استخباراتيون أميركيون وأوروبيون وعرب مشترطين عدم الاشارة الى اسمائهم لأنهم غير مفوضين بمناقشة القضايا بصورة علنية.

وقد ألقيت أضواء على الصلات بين ايران و«القاعدة» من جانب لجنة الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، التي كشفت عن فيض من التفاصيل بشأن مثل تلك الصلات في تقريرها النهائي. وقالت اللجنة ان ايران و«القاعدة» كانتا قد عملتا معا وعلى نحو متقطع خلال سنوات التسعينات، وتبادلتا الأسرار بما في ذلك بعض الأسرار ذات العلاقة بصنع المتفجرات.

ولم يرد ممثلو ايران لدى الأمم المتحدة على المكالمات الهاتفية المتكررة التي كانت تسعى الى الحصول على تعليقات منهم.

وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي قال نيكولاس بيرنز، وكيل وزارة الخارجية والمسؤول الثالث فيها، ان الولايات المتحدة تعتقد «ان بعض اعضاء «القاعدة» وأولئك الذين ينتمون الى جماعات مماثلة يواصلون استخدام ايران كملاذ أمن ومكان لتسهيل عملياتهم».

ويعيش أعضاء «القاعدة» وعوائلهم في ايران منذ سنوات، وبعضهم منذ أواخر 2001، عندما فروا من قصف الولايات المتحدة لأفغانستان. وقد هرب كثير من شخصيات «القاعدة» الآخرين الى باكستان، حليفة الولايات المتحدة، ويعتقد انهم ما زالوا هناك.

وقبل اربعة اشهر اعلنت ايران انه لم يبق احد من أعضاء «القاعدة» في البلد، ولكن المسؤولين الأميركيين رفضوا ذلك الزعم. وفي اوقات اخرى قال مسؤولون ايرانيون ان أعضاء «القاعدة» تحت الاقامة الجبرية وان نشاطاتهم تخضع للمراقبة.

وفي طهران قال محللون ان المسؤولين الأميركيين يسيئون فهم نوايا ايران. وينبغي ألا يكون مفاجئا ان الحكومة لم تهتم بمطالب الولايات المتحدة بتسليم أعضاء «القاعدة» المشتبه فيهم اذا ما اخذنا بالحسبان حالة العلاقات بين البلدين، وفقا لما قاله ناصر هاديان، المحلل السياسي في جامعة طهران، وأضاف «انهم لن يفعلوا ذلك. لماذا يتعين عليهم فعله بدون ان يحصلوا على شيء ما بالمقابل؟».

وأيا كانت التقييدات التي قد توضع على نشاطات الشبكة داخل ايران، فان سيف العدل، المطلوب للولايات المتحدة التي خصصت جائزة بقيمة خمسة ملايين دولار لقاء القبض عليه او قتله، كان قادرا العام الماضي على اعداد رسالة طويلة حول نشاطات «القاعدة» في ايران والعراق جرى توزيعها على نطاق واسع على الإنترنت.

وفي الرسالة قال سيف العدل انه كان قد استخدم أماكن سرية في ايران للتخطيط مع ابو مصعب الزرقاوي لجعل العراق الميدان الجديد في حرب الجماعة ضد الولايات المتحدة. وكانت ايران قد اعتقلت عددا كبيرا من أتباع الزرقاوي، وفقا لما كتبه العدل، ولكنهم تسللوا أخيرا الى العراق وبدأوا بمهاجمة القوات الأميركية. ويقول مسؤولون أميركيون ان المعلومات تشير الى ان اعضاء «القاعدة» قد شاركوا، على الأقل، في بعض أعمال التخطيط من ايران، بما في ذلك ادعاء سيف العدل بتنسيق التفجيرات الانتحارية في المملكة العربية السعودية في مايو (أيار) 2003 وتوجيه عدد من الهجمات في أوروبا.

وقال المسؤول الأميركي في مجال مكافحة الارهاب انه لسنوات عدة ساعدت المعلومات المتوفرة عبر الأقمار الصناعية المسؤولين على مراقبة بعض النشاطات والتحركات اليومية لسيف العدل ومسؤولين آخرين كبار في «القاعدة» في ايران. وتشير المعلومات الى ان زعماء «القاعدة» تجري مراقبتهم من جانب السلطات الايرانية ولكنهم يستطيعون التحرك والاتصال بطريقة ما. كما قال المسؤولون الأميركيون ان شخصيات كبيرة اخرى في «القاعدة»، بينهم الزرقاوي الذي يقف على رأس الجماعة في العراق، كانت تدخل الى ايران وتخرج منها بمعرفة محتملة او تساهل من جانب المسؤولين الايرانيين. ومن بين أعضاء «القاعدة» في ايران ثلاثة من أبناء بن لادن. ويشتبه في ان بعض زوجاته وأقاربه الآخرين موجودون هناك أيضا، فضلا عن المتحدث باسم «القاعدة» سليمان أبو غيث، وفقا لما يقوله مسؤولون أميركيون.

وقالوا ان ما يثير اهتماما خاصا هو عدد أعضاء «القاعدة» في ايران من المصريين والموالين للطبيب المصري السابق ايمن الظواهري الحليف الأول لأسامة بن لادن.

والعدل هو ضابط سابق بالجيش المصري. وفضلا عن ذلك اكد مسؤولون أميركيون المعلومات التي تظهر ان ثلاثة من أعضاء «القاعدة» هم من اصول مصرية، وهم عبد الله محمد رجب المصري، المعروف ايضا باسم أبو الخير، وعبد العزيز المصري، وأبو محمد المصري، موجودون في ايران. وتعتقد السلطات انهم، على التوالي، رئيس مجلس زعامة «القاعدة»، وخبير الأسلحة البيولوجية الذي يترأس أعمال الشبكة في مجال تطوير اسلحة الدمار الشامل، وكبير خبراء التفجيرات وآمر معسكر التدريب.

وقال المسؤول الأميركي في مجال مكافحة الإرهاب ان وجود المصريين مثير للمشاكل لأن طهران ظلت تدعم لما يزيد على عقدين اكبر جماعتين متطرفتين في مصر، هما «الجهاد الإسلامي» و«الجماعة الإسلامية»، في حملتهما العنفية للإطاحة بحكومة القاهرة.

وعلى الرغم من ان الانقسام السني ـ الشيعي حفز إيران في الماضي على القول بأنه ليست لديها «صلة» بـ«القاعدة»، فان المسؤولين الأميركيين يعتقدون ان هناك تاريخا من التعاون بين ايران وبعض الجماعات السنية المتطرفة، وبينها «القاعدة». وقد غذت ايران مثل هذه الصلات من اجل تعزيز نفوذها الإقليمي ومعاقبة الخصوم السياسيين العرب عبر الترويع والعنف. وأرسل بن لادن سيف العدل وآخرين الى ايران ولبنان في اوائل التسعينات لتعلم صنع القنابل والمتفجرات من المخابرات الايرانية و«حزب الله» الموالي لإيران، وفقا لما يقوله المسؤولون الأميركيون. ويخشون انه ومصريين آخرين ربما لا يزالون على صلات مع الجيش والمخابرات الايرانية.

وتوصلت لجنة الحادي عشر الى ان ايران كانت قد وفرت ملاذا لأعضاء «القاعدة» المطلوبين والمتهمين بتفجيرات السفارتين الأميركيتين شرق أفريقيا وبالقيام بهجمات ارهابية اخرى.

واستشهدت بقول أحد كبار مسؤولي «القاعدة» بأن ايران قامت «بجهد منسق لتعزيز العلاقات مع «القاعدة» بعد هجوم عام 2000 على المدمرة الأميركية كول في اليمن.

كما ابلغ أعضاء كبار مسجونون من «القاعدة» مسؤولين أميركيين بأن إيران سمحت لمتطرفين اصوليين بالسفر الى افغانستان وباكستان ومنهما بحرية عبر حدودها بدون ختم جوازات سفرهم، وبينهم ما لا يقل عن 8 من المختطفين اللاحقين الـ 19 يوم الحادي عشر من سبتمبر.

وأشار المسؤول الاستخباراتي ومسؤولون آخرون الى أن احمدي نجاد نفسه نشأ من صفوف الحرس الثوري. ويتهم مسؤولو الحكومة الأميركية الحرس بتمويل وتنسيق الأعمال الإرهابية في المنطقة التي تقوم بها جماعات بينها «حزب الله»، المتهم بتفجير سفارات ومؤسسات عسكرية أميركية في سنوات الثمانينات وقتل المئات من الأميركيين.

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»