المظاهرات تعم فرنسا مجدداً ودو فيلبان غير مستعد للتراجع عن تعديل قانون العمل

النقابات والطلاب يقررون الإضراب العام

TT

رفض رئيس الوزراء الفرنسي دومينيك دو فيلبان «التراجع» أمس، رافضا من جديد سحب قانون عقد عمل الشباب كما تطالبه النقابات والحركات الطلابية اثر يوم جديد من التظاهرات التي تخللتها صدامات، حسبما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية أمس.

وفي خطاب القاه أمام نواب حزب الاكثرية «اتحاد من أجل حركة شعبية»، قال دو فيلبان انه لن يقبل لا «سحب» ولا «تعليق» عقد عمل الشباب، وانه يرفض «تحريف» هذا النوع الجديد من العقود.

وقال ان سحب القانون «يعني اننا نتراجع امام منطق الانذارات والشروط المسبقة».

ولم تفلح حتى الآن جهود رئيس الحكومة الفرنسي دومينيك دو فيلبان في إخراج الوضع السياسي والاجتماعي المتأزم من عنق الزجاجة، كما لم تنجح في إعادة ربط خيوط الحوار مع التلامذة والطلاب والنقابات المهنية حول قانون العمل الجديد الذي تحول الى أزمة مستحكمة بين الحكومة المتمسكة به وبتطبيقه وبين الرافضين له، وبات التراجع عنه شرطا للعودة الى طاولة الحوار. وخرج متظاهرون الى الشوارع في مدن فرنسية مجدداً أمس وهددوا بتنظيم اضراب على مستوى البلاد احتجاجا على القانون الجديد.

وفسرت التظاهرات التي تواصلت أمس بأنها محاولات للإبقاء على شعلة الاحتجاج والتعبئة متوهجة حتى تعديل القانون، فيما قررت اتحادات التلامذة والطلاب والنقابات المهنية السبع الرئيسية إعلان الإضراب العام في القطاعين العام والخاص الثلاثاء المقبل، والنزول بكثافة متعاظمة الى الشوارع لإجبار الحكومة على التراجع عن القانون الجديد. وتهدد هذه التجمعات الطلابية والنقابية بإعلان الإضراب المفتوح ما من شأنه أن يدخل البلاد في دوامة من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي مع إلحاق اضرار كبيرة بالاقتصاد الفرنسي وبمصالح المواطنين.

ونقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» عن رئيس الوزراء قوله في كلمته خلال اجتماع مع شبان عاطلين عن العمل في منطقة بواسي غربي باريس، نداءاته الى النقابات العمالية واصحاب العمل للتعاون معه من اجل التوصل الى افضل طريقة لتنفيذ القانون الذي يتيح لارباب العمل فصل العاملين الشبان. وتضرر ود فيلبان بشدة في استطلاعات الرأي ويواجه اختبارا شديدا لطموحاته في خوض انتخابات الرئاسة عام 2007. وضاعف من جهوده للتحدث الى الطلاب واصحاب العمل والعاطلين منذ بدأ نحو مليون ونصف المليون شخص المظاهرات في انحاء فرنسا السبت الماضي للاحتجاج على القانون.

وخرج أمس ايضا عدة الاف من طلاب الجامعات والمدارس الثانوية الى الشوارع للمطالبة بسحب القانون الذي يسمح لاصحاب العمل بطرد العاملين الذين تقل اعمارهم عن 26 عاما دون ابداء اسباب خلال فترة اختبار تستمر عامين. وتقول الحكومة ان القانون يستهدف خفض معدل البطالة بين الشبان.

وتبلغ نسبة البطالة 6.9 في المائة بشكل مجمل في فرنسا واكثر من 20 في المائة بين الشبان.

وقال فابيان دوكوسن ،19 عاما، وهو طالب جامعي انضم الى المسيرة أمس «هذا القانون سيعيدنا الى الوراء قرنا كاملا من حيث الحقوق الاجتماعية». ووضع بعض الطلاب اقنعة حمراء كاشارة الى التضامن.

واتسمت المظاهرات في معظمها بأنها سلمية وان كان احد الاعضاء النقابيين لا يزال في غيبوبة منذ اصابته يوم السبت.

واجتمع نواب من حزب الاتحاد من اجل الحركة الشعبية الحاكم في وقت سابق مع فيلبان لبحث كيفية انهاء الازمة التي يخشى البعض من انها قد تكلف اليمين الانتخابات الرئاسية والتشريعية في عام 2007.

ويجد دو فيلبان نفسه في وضع صعب لم يحسب له حسابا، فهو يتعرض الى ضغوط من أكثريته النيابية والسياسية حتى لا تتراجع الحكومة عن مشروع قدمته الى البرلمان ودافعت عنه تحت ضغط الشارع، وإذا ما تراجع سيكون قد قضى على مستقبله السياسي وعلى كل رغبة أو مشاريع لإجراء إصلاحات اقتصادية واجتماعية في فرنسا. ومن جهة ثانية، يتعين عليه الاستماع لنبض الشارع ولما يرفعه الطلاب والتلامذة والنقابات من مطالب لأن رفض الاستجابة يعني تفاقم الأزمة والمخاطرة بالوصول الى ازمة مفتوحة وإدخال البلاد في حالة من الغليان. ويزيد من المخاطر وجود أحد المتظاهرين في حالة من فقدان الوعي بفعل تعرضه للضرب من قوى الأمن في مظاهرة الأحد الماضي. وإذا ما فقد هذا الرجل الحياة، فسيكون ذلك بمثابة الكارثة للحكومة ووقود إضافي يغذي الاحتجاج الشعبي. وبين هذا وذاك، يناور دو فيلبان ويكرر استعداده للحوار و«تحسين» شروط القانون الجديد لكن من غير أن يؤدي ذلك الى سحبه من التداول. غير أن هذه الجهود لم تفلح حتى الآن.

وفي واشنطن، نقلت «كالة الصحافة الفرنسية» عن صحيفة «وول ستريت جورنال» وصفها التظاهرات في فرنسا و«التوقعات غير المشجعة لولاية دو فيلبان» بأنها «اخر المؤشرات الى ان الديموقراطية مريضة».

وفي مقال بعنوان «افول نجم فرنسا» انتقدت الصحيفة المالية الاميركية التظاهرات الطلابية في هذا البلد احتجاجا على عقد العمل الجديد، وخصوصا النموذج الاقتصادي الفرنسي.

وكتبت الصحيفة «اذا ارادت فرنسا عكس هذا الاتجاه المعمول به منذ 30 عاما أي نمو ضعيف وبطالة مرتفعة فانها بحاجة الى كسر حواجز قانون العمل في جميع الميادين وليس فقط لمن هم دون الـ25 من العمر». واضافت ان «فرنسا لم تنجح ابدا في اقامة نظام سياسي يتمتع بالمرونة والاستمرارية معا».

وقالت «انه في تاريخها ما بعد الثورة شهدت فرنسا حالة من الجمود وعدم الاستقرار». وتابعت «شهدت فرنسا 10 انظمة مختلفة، في حين لم تشهد اميركا خلال 217 سنة سوى نظام دستوري واحد».

واوضحت الصحيفة ان «برلمانا حقيقيا قد يكون مفتاح الحل. تظاهرات الاحتجاج المتزايدة في فرنسا تدفع الى التفكير في تعديل الدستور». وتابعت «عندما يعتبر الاف الاشخاص في الشارع انه يحق لهم ان يفرضوا القانون لملايين اخرين تفقد الدولة حقها في ان تسمى جمهورية ديموقراطية».