قائد الجيش اللبناني لـ«الشرق الاوسط»: نلتزم قرار السلطة السياسية .. ونقف على مسافة واحدة من كل الأطراف

العماد ميشال سليمان أكد في أول حديث لمطبوعة غير عسكرية أن الجيش لم يتغير مع انتقال السلطة

TT

منذ فبراير (شباط) 2005، عندما اغتيل الرئيس الراحل رفيق الحريري، خضع الجيش اللبناني لأكثر من امتحان لوطنيته... خرج منها كلها بعلامات نجاح باهرة. رغم ذلك فسرت بعض الفئات السياسية اقترابه من مواقفها انحيازا لها وابتعاده عن هذه المواقف انحيازا للفريق الآخر.

وفي اعقاب اغتيال رئيس الحكومة الراحل، رفيق الحريري في 14 فبراير (شباط) ، طرحت الكثير من التساؤلات عن موقع الجيش اللبناني من التغييرات الكبرى التي حلت في لبنان وانقلاب الادوار في لعبة السلطة والمعارضة، وما رافقها من انسحاب القوات السورية التي شكلت ما يشبه المظلة الأمنية منذ اتفاق الطائف عام 1989 بتفويض دولي واقليمي، فالجيش الذي قيل انه سار عكس تطلعات السلطة السابقة برفضه التصدي للمتظاهرين الذين تجمعوا في وسط بيروت في 14 مارس (اذار) 2005 في ذكرى مرور شهر على اغتيال الحريري، أكدت قيادته انه «مستعد دائما للقيام بالدور الذي يحفظ المصلحـــة الوطنيـــة ومصلحة المواطنين حتى لو بدا انه غير مطابق لقرارات السلطـــة السياسية».

تعرض الجيش منذ اغتيال الرئيس الحريري للكثير من الضغوطات، فقد ازدادت مهامه بشكل كبير جدا بسبب الانسحاب السوري الذي كان من نتائجه ان الجيش انتشر في مدينة طرابلس للمرة الاولى منذ نحو 30 سنة، لكن عديده تقلص الى حد كبير بسبب الغاء قانون الخدمة الالزامية التي كانت ترفده بالكثير من العناصر الشابة، فأصبح عديده نحو 45 الفا بدلا من 65 ألفا قبل الغاء القانون، والى ذلك كله تضاف الادوار التي يقوم بها والتي لا تدخل من ضمن اختصاصاته لكنه يقوم بها بسبب ضعف عدة وعديد قوى الأمن الداخلي والاجهزة الأمنية الاخرى.

من المعروف ان الكلام من لسان قائد الجيش العماد ميشال سليمان الذي خلف الرئيس اميل لحود في القيادة منذ سبع سنوات نادر في وسائل الاعلام غير التابعة للجيش، بل غير موجود. لكن «الشرق الاوسط» استطاعت ان تقتنص منه كلمات كانت كافية للتعبير عن موقف المؤسسة التي اجمعت المعارضة والموالاة (مهما تقلبت ادوارها) على الاشادة بدورها ومناقبيتها، بالاضافة الى متابعة دقيقة لما يصدر عن العماد سليمان من مواقف في اوامر اليوم والجولات التفقدية والنشرات التوجيهية التي تصدر عن القيادة، وكلها موجهة للعسكريين في المقام الاول.

السؤال المشروع حول موقع الجيش من التغييرات يراه قائد الجيش العماد ميشال سليمان مقلوبا، اذ يتوجب السؤال عن موقع التغييرات من الجيش فالجيش ما يزال على عقيدته ونهجه. ويؤكد ان «عقيدة الجيش حيال العدو لم تتغير، لكن المشكلة هي في ما سماه (النفس السياسي)... فالناس تقوم احيانا كثيرة بترجمات مختلفة جازما بان الجيش «في الداخل على مسافة واحدة من الجميع، اما في الخارج فهو على عداء مع اسرائيل حتى تحرير الارض وتحصيل الحقوق العربية، والمقاومة حق للشعب اللبناني الساعي الى استرجاع ارضه وحقوقه وأسراه»، ويقول :«ان العداء لإسرائيل لا يعني مثلا ان الجيش على نقيض مع قوى 14 آذار فجزء كبير من هذه القوى كان وما يزال في موقع المواجهة للمشروع الاسرائيلي، والرئيس الراحل رفيق الحريري كان من ابرز المدافعين عن المقاومة»، وكذلك النائب وليد جنبلاط الذي قال في اغسطس (اب) الماضي انه يخشى تغيير عقيدة الجيش ويترك عمقه العربي ويذهب في اتجاه السفارات الاجنبية.

للخائفين، تحرص المصادر العسكرية على التأكيد ان عقيدة الجيش هي ذاتها لم تتغير، وكذلك العلاقة بالجيوش الاجنبية التي هي علاقات قديمة وتأتي ضمن «اقرار متبادل بالاحترام والندية». وتشير المصادر الى انه «في عزّ» الوجود السوري عام 2000 كان نحو 60 ضابطا يتدربون في سورية مقابل 91 في الولايات المتحدة الاميركية وحدها بالاضافة الى عشرات الضباط في دول اوروبية وعربية اخرى.والجيش «لا يختلف مع الولايات المتحدة بسبب سورية والعكس صحيح» فعلاقاتنا مع الجميع يجب ان تكون ندية وهذا ينطبق على سورية وغيرها. ويؤكد العماد سليمان ان ليس من شأن المساعدات العسكرية التي تقدم للجيش ان ترسم له دوره وسياسته.

وقع التغييرات في لبنان كان كبيرا وطبيعيا في نظره فاستشهاد الرئيس الحريري «جريمة كبرى ادت الى تغيير المعادلات في لبنان والشرق الأوسط، وكشف الحقيقة هو ضروري ليس فقط لمعاقبة المجرمين والمحرضين، بل ايضا لتحديد الموقف الوطني والشعبي من الجهة أو الجهات المرتكبة».

ويؤكد العماد سليمان انه لم يكن هناك اية تبعية من قبل الجيش اللبناني للجيش السوري وقد اثبتت التطورات ذلك خاصة في 14 مارس (اذار) عندما قال الجيش اللبناني لرفاقه في الجيش السوري ان مصلحة لبنان وسورية هي في القرار الذي اتخذ ونفذ يومها، الجيش تصرف بقرار وطني خالص. اما العلاقة مع سورية فهي ليست مرهونة بالوجود العسكري السوري، فالجيش السوري بالنسبة الى نظيره اللبناني هو «جار مع اهداف مشتركة من دون تبعية».

ويعتبر العماد سليمان ان الانسحاب السوري من لبنان «كان لمصلحة الطرفين»، مشيرا الى ان الوجود ال عسكري السوري لم يكن ممكنا بقاؤه «الى الأبد». اما بعد الانسحاب فقد اصبح من الممكن اقامة علاقات سليمة والوصول الى افضل ما يمكن في القضايا المتعلقة بأمن البلدين وقضاياهما المشتركة.

اما السؤال عن قدرة الجيش العسكرية على نزع سلاح المقاومة، فهو سؤال مرفوض لدى العماد سليمان «فالقضية ليست قضية معادلات عسكرية، والكلام هنا هو عن مقاومة كان لها دور في تحرير الجنوب من الاحتلال الاسرائيلي، والجيش هو منفذ الارادة الوطنية الجامعة، واذا كانت هذه الارادة متوفرة، فقد تتم ترجمة القرار قبل تنفيذه»، كون المقاومة هي جزء فاعل من هذه الارادة.

اما السبب الذي دفع الجيش الى «مخالفة» توجهات السلطة القائمة في 14 مارس (اذار) 2005، فسؤال له جواب بسيط عند العماد سليمان: «الجيش نفذ القرار السياسي بمفهومه الوطني والدستوري، فلا يمكن للقرار السياسي بمنع تظاهرة ما، ان يكون هدفه منع حرية التعبير لأنها مصانة بالدستور، وقرار منعها هو خرق للدستور. اتخذت قيادة الجيش القرارات الصائبة، ليس فقط منذ اغتيال الرئيس الحريري، ولذلك لم تحصل اية حالة تمرد او رفض للاوامر من قبل العسكريين او الضباط الذين نفذوا هذه الاوامر من دون تقاعس او تردد. فالقرار الصحيح ـ برأي العماد سليمان ـ هو القرار الذي يتوقعه كل جندي في قرارة نفسه، وخصوصا عندما يصوب البندقية ضد عدو الوطن ولحماية المواطن والمقاومة.

المعادلة بسيطة بنظر العماد سليمان «فالجيش يلتزم قرار السلطة السياسية، وبقدر ما يكون هذا القرار وطنيا جامعا فهو يتجسد دورا وطنيا للجيش» وهو يرى ان هناك «علاقة تبادلية بين وحدة الجيش ودوره الوطني ولأن الجيش موحد فلا يستطيع ان يمارس دورا متحيزا». اما عندما يسأل العماد سليمان عما اذا كان يخاف على الجيش من الانقسام في ظل التجاذبات الكبيرة، فهو يقول: «نستطيع التأكيد على ان الجيش لن ينقسم، لكن دوره الوطني يضعف عندما يكون القرار السياسي منقسما وغير موحد وغير وطني».

القرار في الجيش هو قرار مؤسساتي، فقد انتهى عهد القرارات المتفردة، والديمقراطية في الجيش تطبق عبر تطبيق مبادئ العمل المؤسساتي. وهكذا يستند القرار الى فريق العمل وهو في الجيش قيادة الاركان وضباطها متنوعون في انتمائهم الطائفي، وهذا الاسلوب يصبح ضروريا اكثر عندما يشتد الخطر على الاوطان خصوصا عندما تكون فيها تعددية طائفية كما في لبنان، فعندها يصبح من الضرورة القصوى ان يكون القرار نابعا من استشارات معمقة. والخلاصة هي ان «القرار الناجح يصنع ولا يتخذ، والمصنع هو فريق العمل».

النظرية هذه منبعها ان الجيش «مكون من تركيبة مشابهة لتركيبة لبنان رغم ابتعاده الكبير عن الطائفية والمذهبية، لكن العسكري يكلف احيانا بمهمات قد لا تنسجم مع تطلعات بيئته الطائفية، ولذا يجب الاعتماد على مبادئ المؤسسات في الادارة وهذا يترجم بالوقوف على مسافة واحدة من التجاذبات السياسية والابتعاد عن الطائفية وارساء العدالة بين العسكريين في الحقوق والواجبات والدليل انه «عندما حاول البعض اخذ الجيش في اتجاهات لا تحظى بهذه المواصفات خلال الحرب الاهلية بمراحلها كافة، تراجع دور الجيش الى ان انعدم».

وينظر الجيش بارتياح بالغ الى الايجابيات التي نجمت عن مؤتمر الحوار لأنه اراح الشارع وخفف الضغط عن الجيش. اما استعمال الكلمات فهو يخص المتحاورين الذين اختاروا مثلا استعمال كلمة «التحديد» بدلا من الترسيم في ما خص اثبات لبنانية مزارع شبعا «فنحن نحب الكلمة التي تريح الجميع».

قد لا يصل المتحاورون الى نتيجة كاملة، لكن المهم بالنسبة الى الجيش ان القيادات اختارت طريق الحوار والجلوس حول الطاولة للوصول الى قواسم مشتركة، مع الاشارة الى ان ما تم اقراره حتى الان «جيد جدا»، لكنه يحتاج الى متابعة.