فرنسا: بدايات تفسخ في الحكومة .. وعزلة دو فيلبان إلى تزايد

مع عودة الطلاب إلى الشارع والتحضير للإضراب العام لسحب قانون العمل الجديد

TT

دخلت أزمة قانون العمل موضع التنازع في فرنسا بين الحكومة من جهة، والطلاب والنقابات من جهة أخرى، منعطفا جديدا مع تواتر معلومات عن خلافات داخل الحكومة حول كيفية التعاطي معها. واعترف الناطق باسم الحكومة جان فرنسوا كوبيه بأن جو الاجتماع الأخير لمجلس الوزراء «كان خاصا» ما يعني بداية التشقق في التضامن الحكومي مع رئيس الوزراء دومينيك دو فيلبان.

وتتساءل الأوساط الحكومية وأوساط الأكثرية اليمينية التي تدعم دو فيلبان في المجلس النيابي عن «الاستراتيجية» السياسية الخاصة التي يسير عليها رئيس الحكومة في مواجهته الحركة الطلابية والنقابية. ووصل الأمر ببعض نواب اليمين الى وصفها بـ«الانتحارية» في إشارة الى «تشنج» دو فيلبان ورفضه القاطع حتى الآن الاستجابة للشرط الرئيس الذي يرفعه الطلاب وهو «سحب» أو «تعليق» القانون الجديد تمهيدا للعودة الى طاولة الحوار.

وأمس حرص الناطق باسم الحكومة على القول إن دو فيلبان «سمع» الرسالة التي نقلها الشارع عبر مظاهرات الطلاب والتلامذة والنقابات وأهمها يوم السبت الماضي والتي ضمت ما يزيد على 1.5 مليون شخص وفق تقديرات الأوساط النقابية والطلابية. غير أن رئيس الحكومة أبلغ نواب الأكثرية الذين التقاهم عصر الأربعاء أنه يرفض سحب القانون، كما يرفض تعليقه وكذلك التخلي عن المادة الأكثر جدلا فيه التي تتيح لرب العمل صرف موظف شاب من غير تبرير أو تفسير خلال العامين الأولين من تشغيله. ويرى الطلاب أن العمل بهذه المادة يعني وضع الموظف تحت «رحمة» رب العمل وجعله في موقف «دوني وهش». ويبرر دو فيلبان تمسكه بهذه المادة بأن التخلي عنها يفقد القانون فحواه ويجعله غير فاعل لجهة المساهمة في محاربة البطالة وحث أرباب العمل على توظيف الشباب. غير أن الخطر الذي يهدد دو فيلبان يأتي من نيكولا سركوزي، منافسه المحتمل في الانتخابات الرئاسية المقبلة ووزير الداخلية ورئيس حزب التجمع من أجل حركة شعبية. فقد سربت مصادر سياسية أخبارا تفيد بأن سركوزي آخذ بالتخلي عن تضامنه مع رئيس الحكومة، لا بل انه أخذ يفكر بالخروج من الحكومة لخوفه من أن ينسحب فشل دو فيلبان على حظوظه الرئاسية المستقبلية.

وأعلن ايف جيغو وهو نائب مقرب من سركوزي أن بين الأخير ودو فيلبان «اختلافا في الرؤيا» على طريقة التعاطي مع الأزمة الراهنة التي تهدد بالتحول الى إضراب عام يوم الثلاثاء المقبل. وسيؤكد الطلاب والنقابيون أنه إذا لم يكن تحذير يوم الثلاثاء كافيا، فإنهم لا يستبعدون إعلان الإضراب المفتوح حتى يتم التراجع عن القانون. وقال جيغو في ما يبدو أنه رسالة واضحة لدو فيلبان إنه «لا شيء اسوأ من إعطاء الانطباع بأن الأمور متروكة على عواهنها والاستمرار في المواجهة».

وقالت صحيفة «لو باريزيان» في عددها ليوم أمس إن سركوزي «اصبح مستعدا للتخلي» عن دو فيلبان وهو ينظر في كل السيناريوهات الممكنة بما فيها التخلي المبكر عن حقيبته الحكومية. وترى الصحيفة أن رئيس الجمهورية قد يضطر، في حال بقي رئيس الحكومة متمسكا بنهجه، إما الطلب اليه تغيير سياسته أو التخلي عن منصبه. لكن الموقف «الرسمي» لشيراك حتى اليوم هو الدعم الكامل لدو فيلبان مع حثه على فتح حوار مع الطلاب والقطاعات الاجتماعية.

ومن الحجج التي يلجأ اليها سركوزي قوله إن استمرار التوتر والمظاهرات قد يفضي الى العودة الى انتفاضة الضواحي ما يرتب الإسراع في العثور على مخرج مناسب. وفي حديث تنشره اليوم مجلة «باري ماتش» قال سركوزي إن ثمة «خطرا من أن يوقظ التحرك الطلابي التهيج في الضواحي حيث الأوضاع ما زالت متوترة». ونبه وزير الداخلية لـ«الظروف الخاصة» التي تعاني منها قوى الأمن في محاولتها المحافظة على النظام العام ومنع تحول المظاهرات المتكررة الى أحداث شغب عامة.

في موازاة ذلك ومع عودة الطلاب والتلامذة الى الشارع اليوم والتحضير ليوم الإضراب العام والمسيرات الحاشدة في الثامن والعشرين من الشهر الجاري، استمرت أحزاب اليسار في صب حممها على دو فيلبان من دون أن توفر شيراك أو سركوزي. ويجد الحزب الاشتراكي وكافة قوى اليسار في الأزمة الراهنة فرصة للتعتيم على خلافاته ولإعادة بناء وحدته «على ظهر» الحكومة. لكن المشكلة أن التعبئة الطلابية ما زالت موجودة ومتزايدة. ومع بدايات التفسخ في المعسكر الحكومي واليميني سيجد الطلاب ومعهم النقابات أنهم على قاب قوسين او أدنى من «الانتصار» على الحكومة وعلى دو فيلبان، ما سيشجعهم على المضي في التعبئة.