المغاربة يشقون للحصول على زيوتهم والإسبان ينعمون بها

الوسطاء والتجار المحليون يبيعونها إلى الدول الأوروبية

TT

مثلما يعيش المغاربة مشاكل مع بحارهم، التي تمتد على مسافة آلاف الكيلومترات، فإنهم يعيشون أيضا مشاكل مع أشجار الزيتون، التي على الرغم من كثرتها شمالا وجنوبا، إلا أن زيتها صار أشبه بعملة نادرة، على المغاربة أن يضحوا كثيرا من أجل الحصول عليه.

وأصبح الحديث عن زيت الزيتون الشغل الشاغل للمغاربة، الذين لم يعودوا يفهمون كيف أن بلدا تنتشر فيه أشجار الزيتون في كل مكان، يصل فيه سعر اللتر الواحد إلى خمسين درهما (حوالي خمسة دولارات)، في بلد لا يتعدى فيه الدخل الفردي للعامل العادي خمسة دولارات يوميا، أي أن سعر لتر واحد من هذا الزيت يتطلب يوما كاملا من العمل، بينما يزداد السعر ارتفاعا كلما ازدادت الجودة.

وفي الوقت الذي تتحدث فيه وزارة الفلاحة في المغرب عن ارتفاع محصول الزيتون هذا العام والعام الذي مضى، إلا أن المغاربة يمسكون برؤوسهم من فرط الحيرة، وهم يبحثون عن هذه الوفرة المفترضة، وحين لا يجدون لحيرتهم حلاّ، فإن الأجوبة تأتي ملتبسة من مسؤولين يقولون إن إسبانيا استوردت الكثير من الزيتون المغربي، وحولته إلى مصانعها، وبذلك صار المغاربة ملزمين بشراء زيت الزيتون الإسباني الذي صنع من زيتونهم «المهرب».

ولم تعرف أسعار زيت الزيتون في الماضي ارتفاعا مشابها للذي عرفته هذه السنة، وأصبح الكثير من المغاربة يكتفون بشراء نصف لتر ويجهدون أنفسهم في التقتير في تناوله، كأنهم خرجوا من كتاب «البخلاء» للجاحظ، بينما لا يتوقف الوسطاء والفلاحون الكبار الجشعون عن توجيه زيتونهم نحو التصدير، كما يفعل آخرون مع السمك.

وفي بعض مناطق المغرب التي تعرف غزارة في الزيتون، تتساقط حباته من الأشجار وتصل الطرقات، فتتكفل عجلات السيارات بعصره ويسيل الزيت مدرارا على جوانب الطرق، إلى درجة أنه يتسبب في حوادث سير مميتة بسبب الانزلاقات، غير أنها انزلاقات لا ترقى إلى درجة الانزلاق الاقتصادي الذي جعل كبار المنتجين والوسطاء يبيعون زيتون البلاد عن بكرة أبيه إلى بلدان أوروبية، تاركين المغاربة يصارعون جيوبهم من أجل الحصول على لتر واحد من زيت مفيد لصحتهم.وينظر المغاربة إلى زيت الزيتون بكثير من التقدير من الناحية الغذائية، بل حتى من الناحية الروحية، على اعتبار ان شجرة الزيتون مباركة وطيبة، غير أن هذه الشجرة ازدادت هيبتها بعد أن حولها التجار الذين يصدّرون كل شيء إلى شجرة شبيهة بالدجاجة التي تبيض ذهبا، غير أنها شجرة أصيبت بإنفلونزا أطماع البشر. ويعرف المغرب كونه واحدا من المنتجين المهمين لزيت الزيتون في العالم، إلى جانب إسبانيا وتركيا وسورية وتونس. وفي هذه البلدان يطلق على زيت الزيتون لقب «الذهب الأخضر»، وهو لقب يطلق في المغرب فقط على منتجات القنب الهندي (الحشيش)، الذي ينتج منه المغرب كميات كبيرة، توجه غالبيتها للتصدير نحو البلدان الأوروبية ويدرّ ملايين الدولارات على شبكات المافيات المتاجرة به. الإنتاج الكبير للزيتون في المغرب يتحول إلى أضغاث أحلام ويكتفي الناس بشم رائحته في الأسواق الممتازة، أو التملي بطلعته البهية على شاشات التلفزيون في وصلات الإعلان، كما يفعلون تماما وهم يبلعون ريقهم حينما يشاهدون الكثير من أنواع السمك التي لم يسبق لهم تذوقها، مع أن المسؤولين المغاربة لا يفوّتون فرصة من دون أن يشكروا الله العلي القدير، الذي حبا المغرب ببحرين طويلين عريضين، البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، مع أنهم ينسون أو يتناسون التذكير بأن الثروة السمكية فيهما يتم تصديرها نحو مختلف بلدان العالم، وعلى الخصوص إسبانيا، بينما يكتفي الكثير من المغاربة بالتصدي لأكثر أنواع السمك رخصا في السوق، وهو السردين، داعين الله جل وعلا أن يطيل عمرهم حتى يتمكنوا في العقود المقبلة من تذوق أنواع أخرى من الأسماك التي تعيش بين جنبات بحارهم، لكنها لا تدخل أسواقهم إلا وهي مدججة بأغلى الأسعار، وأحيانا لا تدخلها إطلاقا ويتم تصديرها مباشرة من البحر الى الأسواق الأجنبية كما تهرّب العملة الصعبة.

وكان المغاربة يتحدثون منذ غابر الأزمان عن «بيع السمك في الماء»، في إشارة إلى الصياد الغبي الذي يبيع السمكة قبل صيدها، لكن اليوم تقوم سفن صيد مغربية عملاقة يمتلكها بعض ابناء البلد بالعملية نفسها ويتم بيع الأسماك في الماء إلى بلدان أجنبية خارج القوانين مع التهرب من الضرائب، التي تخضع لها عادة عمليات البيع والشراء، بحيث تتحول كل القوانين إلى «أوراق مبلّلة» بكل ما في الكلمة من معنى. وكان المغرب أوقف اتفاقية الصيد البحري مع الاتحاد الأوروبي عام 1999، التي كانت تتيح لمئات مراكب الصيد الأوروبية، خصوصا الإسبانية الصيد في مياهه الإقليمية، وعلى الرغم من ذلك فإن الأحلام التاريخية للمغاربة البسطاء لم تتحقق في الوصول إلى أنواع جيدة من السمك، أو على الأقل انخفاض مهم في سعر بعضها.

وستعود بعض من هذه المراكب قريبا إلى المياه المغربية بعد تجديد جزئي للاتفاقية من دون أن يطرأ على موائد المغاربة أي تغيير. ومن غريب الصدف أن هناك وزارة في المغرب تجمع بين البر والبحر، وبين أشجار الزيتون والسمك، وهي وزارة الفلاحة والصيد البحري، ويمكن للمغاربة بعد الارتفاع الصاروخي في أسعار وزيت الزيتون والسمك أن يدعوها من قبيل الدعابة وزارة السمك والزيتون.