المباحث الأميركية : موساوي كان يمكن أن يقود للعثور على مهاجمي 11 سبتمبر

متهم بملامح جامدة يأكله القلق في فرجينيا ومقهى قرب المحكمة استفاد من «البزنس»

TT

يتصرف زكريا موساوي داخل قاعة المحكمة بكيفية تلقي ظلالاً من الشك حول حالته العقلية والنفسية. المؤكد أن تصرفاته ليست عادية. موساوي، الفرنسي الجنسية، المغربي الأصل، هو المتهم الوحيد في قضية «تفجيرات 11 سبتمبر» الحادث الذي هز أميركا وحبس أنفاس العالم.

يجلس موساوي مسترخياً في القاعة رقم 701 في مقعد جلدي أخضر اللون بدون قيود في يديه أو رجليه. قاعة أنيقة جدرانها من خشب فاخر، طليت بلون بني ناصع. تبدو مثل قاعة شيدت للتو نظيفة ومرتبة..لا وجه للمقارنة بينها وبين قاعات المحاكم في العالم العربي.

تبلغ مساحة القاعة في حدود 150 متراً مربعاً. تتدلى من سقفها ست ثريات بيضاء ضخمة. ثمة إضاءة جانبية كذلك. هناك باب ضخم يقود الى القاعة. على المنصة الرئيسية تجلس القاضية ليوني برينكيما. سيدة تبدو في عقدها السادس وربما اكثر قليلاً. شعر رأسها خط فيه الشيب خطوطاً، تداخل أبيضه مع أصفره. فوق رأس القاضية برينكيما علقت لوحة لـ«النسر» شعار اميركا. نسر رسم على لوحة نحاسية. قتلُ هذا «النسر» او اصطيادُه جريمة يعاقب عليها القانون الاميركي بالسجن، عقوبة قد تصل في بعض الحالات الى ما يشبه المؤبد. إذا تصادف أن وجد شخص يحمل ريشة من النسر فإنه يعاقب أيضاً بالسجن.

على يمين القاضية برينكيما، العلم الاميركي وعلى يسارها علم ولاية فرجينيا. تحت المنصة الرئيسية جلس موظفو كتابة المحاضر. كانت هناك موظفة تكتب الوقائع بسرعة قياسية، تكتب كل كلمة او حرف ينطق على جهاز كومبيوتر. مايكرفونات القاعة واضحة جداً. كأنها في ستديو إذاعي حديث التجهيز.

أمام القاضية المحامون ومعهم مساعدوهم يضعون على الطاولات وثائق وأجهزة كومبيوتر. هناك جهاز لعرض جميع الوثائق على شاشات بلازما. وفي الصف نفسه هيئة الادعاء. المحامون وهيئة الادعاء يرتدون بذلات عادية، إذ لا توجد بذلات خاصة للمحامين أو القضاة أو ممثلي الادعاء. على يسار القاضية توجد هيئة المحلفين (أي ممثلي الشعب) ويختارون عادة من عامة الناس. في هذا الصدد يقال إن اختيار اميركي مسلم من أصول إيرانية ضمن المحلفين في محكمة موساوي، أثار جدلاً.

على يمين القاضية بعض موظفي المحكمة، وفي ركن قصي قرب السياج الذي يفصل حضوراً قليلاً يسمح له بمتابعة الوقائع (صحافيون وأقارب الضحايا) يجلس زكريا موساوي.

قرب السقف توجد كاميرا صغيرة تصور الجلسة. وفي الجهة المقابلة ساعة حائط. هناك شباكان كبيران وباب على يسار القاضية يدخل منه موساوي ويقتاده حراسه عند رفع الجلسة الى ما خلف الابواب الموصدة. وايضاً ثلاثة أبواب على يسار القاضية. جدران القاعة من الخشب والمرمر. السقف ابيض نصف دائري تتدلى منه الثريات.

إجراءات الدخول الى المحكمة الفيدرالية في فرجينيا، التي تقع على مقربة من محطة لقطارات الانفاق تسمى «إيزنهاور»، غاية في التشدد.

منذ الصباح الباكر تغلق شرطة مدينة «الكسندريا» جميع الطرق المؤدية الى مبنى المحكمة الفيدرالية التي وضع على مدخلها مجسم ضخم لرجل يحمل ميزاناً في إشارة الى العدالة. يمنع منعاً كلياً إدخال الاجهزة الإلكترونية سواء تعلق الامر باجهزة هاتف أو كومبيوترات او آلات تصوير وما الى ذلك. في اميركا تسمع كثيراً كلمة «بزنس».

ثمة مقهى يوجد قرب المحكمة يستفيد من محاكمة موساوي. أصحاب المقهى يبدو من سحناتهم أنهم من أصول آسيوية (معظم الآسيويين في اميركا من فيتنام وهونغ كونغ وكوريا). هذا المقهى يحفظ أجهزة الهاتف المحمول (النقال) أو أي أمتعة شخصية لقاء دولارين. المقهى يعرف رواجاً حيث تقدم مشروبات ساخنة وباردة ووجبات خفيفة. إنه «البزنس».

أمام قاعة المحكمة توجد حديقة صغيرة، وسطها ممر يصطف فيه المصورون بكاميراتهم يتعايشون مع الضجر في انتظار لقطة تلفزيونية أو صورة فوتوغرافية، وهو ثمن انتظارهم ساعات مملة أمام المحكمة.

عند مدخل المحكمة يقف شرطي متجمد الملامح، لكنه يرد على تحيات الحضور. قرب المدخل يطلب من الصحافيين وضع جميع ما لديهم سواء كانت معاطف أو بذلات او اوراق هوية، دفاتر أو أقلاما أو حتى قطعاً نقدية داخل جهاز سكانر (ماسح). ثم المرور من باب إلكتروني، يطلق تنبيهاً في حالة وجود «جسم» ما. بعد ذلك يتجه الجميع نحو المصاعد للانتقال الى الطابق السابع حيث توجد «قاعة موساوي». ثم من جديد اجرءات أمنية وتنظيمية.

موظف مكلف بالصحافيين والزوار يوزع بطاقة لاصقة سوداء تمنح لمجموعة صغيرة، ثم بطاقة لاصقة حمراء لمتابعة الجلسة من قاعة تقع قبالة القاعة الرئيسية حيث تدور الجلسات. هذه القاعة زودت بشاشات بلازما كبيرة تتيح للذين يجلسون فيها متابعة وقائع الجلسات عبر دائرة فيديو داخلية بصوت وصورة واضحة.

ثم عليك من جديد أن تضع كل ما تحمله اضافة الى المعاطف في جهاز سكانر للفحص الأمني. ثمة مكان مخصص لتعليق المعاطف، بالقرب منه كنبات يمنع عليها الجلوس. وفي حالة الخروج من قاعة المحكمة الى الردهات لأي سبب فإن الشخص يخضع للاجراءات نفسها.

من الواضح ان وزن موساوي زاد كثيراً. شاب ،37 سنة، قصير القامة. بدين. مترهل. أسمر اللون بملامح جامدة. سنوات السجن بدلت شيئاً من لونه (معتقل منذ اغسطس 2001). لحية سوداء غير مشذبة. يرتدي سروالاً أزرق وقميصاً أزرق ايضاً. يعتمر قبعة بيضاء اقرب ما تكون الى القبعات الافغانية. لا يوجد قيد في يديه او أرجله. يجلس مسترخياً. يمدد رجليه. لا يصغي جيداً لما يدور حوله. ثمة كأس ماء بلاستيكي في طاولة الى جانبه يتناوله بيده اليسرى بين الفينة والاخرى ثم يمسكه بيده اليمنى ويشرب منه. ويعيده الى مكانه. ابتسم مرة واحدة وهو ينظر نحو هيئة الدفاع، واشار عليهم بيده مستفسراً.

تارة يشبك يديه، ويتمدد اكثر فوق الكرسي الاخضر. تارة أخرى يضع سماعة الترجمة على أذنيه، لكنه سرعان ما يضعها جانباً فوق الطاولة. يبدو واضحاً عليه القلق. توجد على الطاولة نفسها ورقة وقلم. مرة واحدة سجل ملاحظة حين كان محامي الدفاع يوجه أسئلة متلاحقة لأحد ضباط جهاز المباحث الفيدرالية (إف.بي.آي) حول ظروف دراسة موساوي للطيران في معهد متخصص.

والى ذلك قال مسؤول سابق في مكتب المباحث الاميركية انه لو كان زكريا موساوي قد أبلغ السلطات في اغسطس (اب) عام 2001 انه يجري الاعداد لمؤامرة خطف طائرات في الولايات المتحدة لعثر المكتب على سجلات تقود الى 11 من المهاجمين في 11 سبتمبر (ايلول). وادلى ارون زيبلي الضابط السابق بمكتب التحقيقات الاتحادي الذي يعمل مدعيا اتحاديا بأقواله في محاكمة موساوي قائلا ان تحقيقا كبيرا كان سيبدأ لو ان موساوي أبلغهم بشأن المؤامرة عندما اعتقل في اغسطس عام 2001.

وكان زيبلي الشاهد الاخير في قضية الحكومة الأميركية الوحيدة فيما يتعلق بهجمات 11 سبتمبر. وقدم الادعاء القضية بعد ان ادلى الضابط السابق بشهادته.

ونفى موساوي، الذي دفع بأنه مذنب في اتهامات بالتآمر، أي تورط في هجمات 11 سبتمبر لخطف طائرات لكنه قال انه كان من المقرر ان يشترك في موجة ثانية من الهجمات على البيت الابيض. وستقرر المحاكمة ان كان سيعدم على جرائمه. وبعد ان غادر القاضي واعضاء هيئة المحلفين قاعة المحكمة في استراحة قبل ان يبدأ الدفاع مرافعته قال موساوي الذي لم يجر اتصال يذكر بينه وبين محاميه الذين حاول عزلهم «سوف أدلي بأقوالي سواء اردتم أم لا. سوف أدلي بأقوالي». وقدم زيبلي تفسيرا مفصلا عن الكيفية التي كان سيحصل بها مكتب المباحث الاميركية على اسماء 11 من 19 مهاجما من خلال فحص سجلات المكالمات الهاتفية وفحص مدارس الطيران. وقال زيبلي «كان هناك 11 اسما مختلفا. كان يمكن للمرء ان يبدأ في العثور عليهم بالطبع وتبادل المعلومات مع جهاز المخابرات، والشرطة الاتحادية» مضيفا ان مكتب التحقيقات الاتحادي كان سيحذر ادارة الطيران الاتحادية وجهاز المخابرات.

واختلف ادوارد ماكماهون المحامي الذي عينته المحكمة لموساوي مع وجهة النظربأن تحقيقا كبيرا كان سيجري قائلا ان مكتب التحقيقات الاتحادي تجاهل التحذيرات الاخرى. وقال ان ضابط مكتب المباحث الاميركية الذي اعتقل موساوي يوم 16 اغسطس عام 2001 أرسل 70 رسالة الى مقر القيادة يحذر من انه يعتقد ان موساوي ارهابي لكن لم يستمع أحد اليه.