أزمة الرسوم تنشط تجمعات إسلامية تسعى للحوار مع الآخرين في السعودية

بعضها يسعى لجمع مليون توقيع ويركز على الإنشاد الديني

TT

نشطت ازمة الرسوم الدنماركية المسيئة للإسلام تجمعات وحركات اسلامية لنصرة الرسول تبحث عن طريقة التعامل مع أحداث واختلافات في وجهات النظر مع أطراف غير اسلامية.

وفي رأي ناصر الحمام، المحاضر بجامعة الملك فيصل في الأحساء في السعودية (حاصل على درجة الماجستير ويحضر الآن للدكتوراه في الطب)، أن المسلمين الذين يتوزعون على جنسيات ومذاهب متباينة، يجتمعون اليوم على رأي واحد يتعلق بنصرة نبي الإسلام.

وعلى الطرف الآخر، يعتقد الدكتور عبد العزيز الحسين، أستاذ علم النفس بجامعة الملك سعود في الرياض، أن ما يجري حاليا قد يكون مؤشرا على تطور مذهل في تعاطي المسلمين مع ما يدور حولهم من دون تشنج، معتبرا أن جماعات سلمية منظمة، باشرت فعليا إدارة الأزمة بالعقل والمنطق، بعيدا عن التصرفات المبنية على شحن الشارع وتهييج المجتمع، وهو أمر من شأنه إحداث نتائج ظل الكثير من المسلمين بعيدين عنها لسنين طويلة.

ويعود الحمام ليلتقط أطراف الحديث قائلاً، اننا بالنظر الى ما يجري حالياً، فان الأمر يبدو أعمق من ظاهره، فالمسألة ليست مجرد احتجاج على رسوم كاريكاتورية، بل تجاوزت ذلك لتظهر تطور شباب أمة الإسلام من حيث التعامل مع الأزمات وطريقة إدارة التخلص من المشاكل. ويضيف أن التعامل الحالي مع ازمة الرسوم كشف أن التعاطي مع أي أزمة تخص ثوابت الإسلام ورموزه، يمكن أن تحل بعيدا عن العنف والقرارات المبنية على عواطف لا تستند إلى العقل والمنطق.

هذا النقاش قد يجد انعكاساً في لقاء لنحو عشر نساء اجتمعن في غرفة الطعام بعد صلاة المغرب، بمدينة جدة. جلسن حول طاولة عليها أوراق وأقلام وترامس قهوة عربية، وكانت على الجانب الآخر من الغرفة مجموعة صغيرة من الرجال ضمنهم ضيف الأمسية صادق المالكي. كانت النساء اللواتي يشغل بعضهن مهنا مثل الطب وبعضهن طالبات، قد طلبن قدوم المالكي المستشار في مؤسسة التعليم الإسلامي، لأنهن أردن مساعدة تتعلق بمشروع يسعين للبدء فيه، ويتعلق بالكيفية التي يجب التحدث وفقها مع العاملين والمعارف من غير المسلمين حول الإسلام والنبي محمد صلى الله عليه وسلم.

وكانت النساء قد عملن دورات قصيرة مع المالكي لمناقشة كيفية الحديث مع غير المسلمين عن دينهن، وهن جزء من حركة بدأت تتسع منذ فبراير (شباط) الماضي، في السعودية وظهرت في خضم الغضب على الرسوم المسيئة للاسلام. وتتكون الحركة من عدد كبير من النساء، بينهن طالبات ونساء أعمال ومحاميات وتعمل هذه الحركة تحت شعار «نصرة الرسول».

وتدعو الحملة الى الإبقاء على مقاطعة المنتجات الدنماركية، على اعتبار ان اول رسم مسيء كان صدر من هذا البلد، إضافة إلى إعداد إعلانات تلفزيونية حول النبي بهدف بثها في أوروبا. ويسعى طلبة الكليات إلى جمع توقيع مليون شخص لتسليمها إلى السفارة الدنماركية. ويدرس المحامون أفكاراً تجعل من الإساءة للإسلام والنبي محمد أمراً محظوراً قانونياً. كذلك بادر عدد من رجال الأعمال بإطلاق مسابقات تصل قيمة جوائزها إلى 50 ألف دولار، لأفضل دراسات حول نبي الإسلام. وسيسافر عدد من رجال الدين البارزين هذا الشهر إلى الكويت والبحرين لتبادل الآراء مع آخرين هناك حول الموضوع.

ولا يزال هذا النشاط في بداياته، إلا انه تعبير عن الكيفية التي يستثمرها الناشطون ضمن السياق الديني ليحفزوا جزءا كبيرا من المجتمع، بطريقة لا يتمكن السياسيون من تحقيقها.

ويرى محمد كوثر، أن منظمة «الشباب معا من أجل نهضة إسلامية»، التي يرأسها تحاول استثمار الجدل الذي أثارته أزمة الرسوم. فقد بدأ الناشطون بالمنظمة، عقب تفجر الأزمة، مشروع توزيع أقراص مدمجة تحث الشبان على أداء الصلوات الخمس، ثم توقفوا عن كل الامور التي كانت تشغلهم وبدأوا حملة لجمع مليون توقيع نصرة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم. طلبوا من عدة مراكز للتسوق في بداية الأمر السماح لهم بإقامة أكشاك صغيرة. ونظرا لإدراكهم المزاج والشعور العام وافق مسؤولو مراكز التسوق وسمحوا لهم بحرية الدخول والحركة والإعلان، كما سمحوا لهم أيضا بإحضار منشدين لمدح النبي. وعقب مرور حوالي ثلاثة اسابيع على الحملة تمكنت منظمة «الشباب معاً من أجل نهضة إسلامية» من جمع 70 ألف توقيع واستقطاب عشرات المؤيدين وقدر كبير من الخبرة في العمل.

يقول ريان الخليوي، مسؤول المجموعة عن «مسابقة الأطفال حول حقائق وصفات النبي»، انه تعلم كيفية التعامل مع الناس من مختلف الأعمار والمستويات الاجتماعية والتعامل مع وسائل الإعلام والتصريح للتلفزيون. كان الخليوي، 20 سنة، يتجول في مركز التسوق مع أسرته عندما سمع نشيداً لمدح النبي عبر مكبرات الصوت، فتوجه إلى مصدر الصوت من الكشك الذي تعمل فيه المجموعة وانضم اليها فورا. ويقول الخليوي انه ظل على مدى سنوات يبحث عن مجال يمارس فيه نشاطا ويسعى لعمل شيء له قيمة ومعنى، وهذه هي اول مرة يعثر على ما يبحث عنه. وأضاف معلقا انه يشكر الدنمارك على ذلك.

وعبر كثير من الذين انخرطوا في مثل هذا النشاط منذ ظهور الرسوم الكاريكاتورية عن مشاعر مشابهة لتلك التي عبر عنها الخليوي، وقالوا ان الرسوم الكاريكاتورية اظهرت لهم مدى حبهم للرسول الكريم ودفعتهم الى فعل شيء إزاء ما حدث.

ويقول مالكي، وهو مستشار بقطاع التعليم وواحد من مؤسسيFaith in Diversity Institute في ولاية ميريلاند الاميركية، ان الرسوم الكاريكاتورية تسببت في بروز نوع جديد من النشاط. وأضاف ان الناس لم يعبروا فقط عن رغبتهم في الحديث وإنما أبدوا حرصا شديدا على اتخاذ خطوة عملية. ويعتقد مالكي انه لا توجد دولة يمكن ان توقف هذا النوع من النشاط او مجرد التفكير في ذلك، وقال معلقا: «النشاط كان واسعا وقويا وبسبب حب الناس للنبي اكتسبت المسألة جانبا عاطفيا قويا». ساد صمت تام في القاعة التي ألقى فيها مالكي محاضرته بعد ان قال في نهاية محاضرته انه يريد ان يقرأ آيات من القرآن الكريم، وبالفعل تلا آيات عن بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

ويقول سليمان البطحي، المتحدث في الرياض باسم «اللجنة الدولية للدفاع عن خاتم الأنبياء»، ان هذا النشاط الديني ولكن السلمي يمكن ان يضع حدا للعنف ويدفع جماعات مثل «القاعدة» بعيدا عن المشهد.

وكان محللون قد قالوا منذ زمن بعيد ان الافتقار الى الديمقراطية والمؤسسات المدنية في منطقة الشرق الأوسط جزء مما يروق للجماعات المتطرفة، التي توفر واحدا من الخيارات الوحيدة للشباب المستائين. ولكن البطحي قال انه «متفائل جدا بشأن هذه الحركة». مضيفاً ان «انتفاضة الرسوم الكاريكاتورية منحت الناس فرصا ليأخذوا الأمور بأيديهم ويقوموا بشيء ايجابي في سبيل دينهم. انها تعزز شعورا قويا مقنعا، وهي قادرة على تحطيم نفوذ جماعات مثل القاعدة».

أما المحامي والكاتب باسم عليم فيقول انه يعتقد ان الرسوم الكاريكاتورية لم تكن سوى محفز في سياق انبعاث اسلامي يزدهر الآن على نطاق المنطقة. وقال مشيرا الى الانتخابات الاخيرة في عدد من الدول العربية، ان الناس ينظرون حولهم فيجدون الاسلاميين وقد حققوا الفوز في مصر وفلسطين والمغرب. انهن يشعرون بامتلاك القوة، وذلك ليس سوى تجسيد آخر للوضع. ويقول عليم ايضا ان هذه اللجان ذات الغرض المحدد ستخلق مؤسسات مدنية على الطراز الغربي. وتابع قائلاً: «ان مناهج اقامة مؤسسات مدنية هنا اخفقت لأنها نموذج غربي. وهذه الحركات الأهلية الطبيعية ستمد جذورها لأنها تعتمد على معتقداتنا وحاجاتنا الفعلية».

وكان محمد كوثر، الذي عاد الى مكتب والده، الذي يعتبر مقرا لمنظمة «الشباب معا»، أكثر صدقا. وقال الشاب، الذي يحمل أثر السجود على جبهته بسبب مواظبته على الصلاة، ان الاسلام مر بمراحل كثيرة، صعودا وهبوطا. ومن أجل ان يكون قويا ثانية، ومن أجل نهضة اسلامية جديدة، يتعين اشراك الشباب وهذا هو سبب قيامنا بهذا العمل.

وفي مجمع الصيرفي الكبير للتسوق، أقامت منظمة «الشباب معا» نوافذ للتوقيع وعددا من الكومبيوترات وساعدت المارين على ارسال أكثر من 5 آلاف رسالة بريد الكتروني الى الدنمارك. كان فتيان يبلغان من العمر 12 عاما يوزعان المنشورات التي تلقي الأضواء على الحملة وتحث الناس على اتباع سيرة الرسوم الكريم. اخذ احد أفراد المجموعة، وهو طالب القانون عبد الاله باوزير، الميكرفون ليخاطب مئات من المتسوقين، فوقف الرجال في جانب والنساء المحجبات في جانب آخر. توقفوا جميعهم لمشاهدة الاداء في تلك الأمسية لـ «فرقة حراء» للانشاد الديني. وقال المتحدث للحشد: «نحن جميعا هنا من أجل سبب واحد: الإعراب عن الرغبة في نصرة الرسول. لقد استمتعتم بالعرض فنرجوكم ان تخصصوا دقيقة من وقتكم لتوقعوا دعما لخاتم الرسل النبي محمد. نريد ان يعرف العالم الى أي مدى نحب نبينا والى أي مدى نحن مستعدون للتضحية من اجله».

* خدمة: «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»