الأمير عبد الرحمن .. آخر أخوال الملك فهد وأشقائه

تولى إمارة منطقة الجوف 48 عاما.. وله ديوان شعري وكتاب تاريخي

TT

«لا مت في راس الشعيب ادفنوني بالرجم فوق المالحة والبديـعة اضفـوا علي تـرابـها واحـفظـونـي وحطوا على قبري حصاة رفيعة» هذا جزء من الوصية الشعرية للأمير عبد الرحمن بن أحمد السديري، الذي رحل فجر أمس (الأحد)، بعد معاناة طويلة من مرض عضال ألم به منذ ابريل (نيسان) 1991، حيث دفن في مسقط رأسه مدينة الغاط.

ولد الأمير عبد الرحمن بن أحمد السديري، الذي يعد آخر أخوال الراحل الملك فهد بن عبد العزيز وأشقائه وشقيقاته، في 1918 (العام نفسه الذي انتهت فيه الحرب العالمية الأولى)، وكانت ولادته في مدينة الغاط التي تربى فيها وتعلم على يد عدد من الشيوخ، أبرزهم الشيخ عبد المحسن بن عبد العزيز بن منيع، ثم الشيخ سلمان بن عبد الله بن اسماعيل. نهل من علوم الدين والتاريخ والأدب، واكتسب الفروسية ومهارة الشعر، وسط أسرة وبيئة تهتم بالعلم والشعر والفروسية.

وعندما بلغ الأمير عبد الرحمن، الرابعة والعشرين من عمره، اختاره الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود في الخامس من سبتمبر (أيلول) 1943، أميرا لمنطقة الجوف (منطقة إدارية تتوسط شمال السعودية)، حيث ساهم في مفاوضات الحدود الشمالية الغربية للمملكة مع الدول المجاورة، من خلال تمثيل السعودية في اللجان التي شكلت لمعالجة مسائل الحدود، ومشاكل القبائل السعودية والعراقية، كما أدار مفتشية الحدود الغربية وامارة القريات بالوكالة.

وعرف الأمير عبد الرحمن ابّان توليه إمارة منطقة الجوف بحنكة وحلم وتواضع جم، إلى جانب العمل الدؤوب لتطوير المنطقة وتنميتها في شتى المجالات، حيث اهتم بالعلم والتراث والزراعة والرياضة، ومن ذلك إنشاء مؤسسة خيرية تحمل اسمه، والتي صدر بشأنها أمر ملكي في 20 يونيو (حزيران) 1983، وقد ساهمت بنشر العلم والثقافة في منطقة الجوف، من خلال إدارة وتمويل (دار الجوف للعلوم) التي تأسست في 1963، واشتملت على مجموعة من الكتب والمخطوطات الخاصة والعامة، موزعة على مكتبتين عامتين، واحدة للرجال وأخرى للنساء، كأول مكتبة نسائية عامة، هدفت إلى نشر الثقافة في أرجاء المنطقة، والمحافظة على تراث الجوف الأدبي والأثري، إضافة إلى نشر الدراسات المتعلقة بالمنطقة.

وقامت مؤسسة عبد الرحمن السديري الخيرية بنشر العديد من الدراسات المتعلقة بمنطقة الجوف، مثل ترجمة كتاب الرحالة النمساوي الويس موسيل (الصحراء العربية)، كذلك دراسة معمارية أثرية (حي الدرع بدومة الجندل) للباحثة حصة الشمري، ومجموعة قصصية للأديب عبد الرحمن الدرعان، ودراسات عن نقوش قرية (قارا) الثمودية للدكتور سليمان الذييب، ويجري حاليا استكمال ترجمة كتب الرحالة الأجانب الذين مروا بالجوف إلى اللغة العربية.

وتقدم المؤسسة جائزة الأمير عبد الرحمن بن أحمد السديري للتفوق العلمي، على هيئة بعثة دراسية إلى الولايات المتحدة الأميركية سنويا، لأحد المتفوقين في الثانوية العامة من أبناء المنطقة. وتتيح المؤسسة لأبناء وبنات المنطقة العديد من الأنشطة الثقافية المتنوعة، من خلال المحاضرات والندوات التي تقام على مدار العام، إلى جانب عقد الدورات المتخصصة في شتى المجالات التي يستفيد منها الزوار والزائرات مثل تعليم اللغة الإنجليزية والحاسب الآلي.

وعلى صعيد التعليم، تابع الأمير عبد الرحمن السديري افتتاح المدارس الحكومية في الجوف، ودفع المواطنين من البادية والحضر لتعليم أبنائهم وبناتهم.

وساهم الأمير عبد الرحمن في تشجيع البدو للاستيطان، من خلال المشاركة في اقتراح مشروع توطين البادية في وادي السرحان، وكذلك نظم مسابقة المزارعين في 1965، التي تعد أول برنامج منظم للمسابقات الزراعية في المملكة، والتي هدفت لخلق وعي لدى المزارعين بأهمية الزراعة والتقنيات الحديثة المستخدمة في حراثة الأراضي وريها، وقبل ذلك إنشائه لمزرعة نموذجية، طبق فيها تجارب زراعية تلائم منطقة الجوف. كذلك نظم الأمير عبد الرحمن السديري في العام نفسه، سباقا للهجن، يعتبر الأول من نوعه في تاريخ السعودية، قصد منه المحافظة على تربية الإبل والاهتمام بسلالتها، وكذلك المحافظة على رياضة ركوب الهجن، والتعريف بالمنسوجات المحلية والصناعات الحرفية التي يقوم بها رجال ونساء البادية في الجوف، من خلال معرض وسوق مصاحب لسباق الهجن.

واعتمد الأمير عبد الرحمن بن أحمد السديري ـ في علاقته بأبناء المنطقة ـ على فتح مكتبه ومجلسه للجميع، وحرصه على تلمس حاجاتهم ومعرفة شؤونهم واحترامهم، فكسب بذلك قلوبهم وعقولهم، مؤسسا لعلاقة متينة جعلته مرتبطا بالمنطقة بشكل يجعله يشتاق إليها كلما غاب عنها، وسجلت بينه وبين أعيان المنطقة مساجلات ورسائل شعرية، أكدت على متانة العلاقة التي تربط الأمير بأهالي منطقة الجوف، والذين أقاموا له حفلا تكريميا في 24 مايو (ايار) 1990، وكان الأمير عبد الرحمن بن أحمد السديري قد تقاعد من منصبه كأمير لمنطقة الجوف في 28 يناير (كانون الثاني) 1990، بعد قرابة نصف قرن، قضاه في خدمة المنطقة وتنميتها في شتى الأصعدة. وعرفه الكثيرون ممن عملوا مع الأمير الراحل، بـ «الشاعر المرهف» الذي يحب الأدب والتاريخ والتراث والفروسية، حيث صدر له ديوان اسمه «ديوان قصائد»، صدر في 1983، حفظ كتابة وتسجيلا، تنوع بين الشوارد والوجدانيات والغزل والرثائيات والعرضات والردود، كما أرخ الأمير لمنطقة الجوف، حيث ألف في 1986 كتابا عنوانه «الجوف.. وادي النفاخ»، ترجم إلى اللغة الإنجليزية، وقد صدرت طبعة ثانية في العام الماضي.

وأنجب الأمير عبد الرحمن بن أحمد السديري خمسة من الذكور هم: فيصل وسلطان وزياد وعبد العزيز وسلمان، وثمانيا من الإناث هنّ: دليّل وحصة وجهيّر ولطيفة وشيخة وجواهر ومشاعل وريم.