المسؤولون عن دفع أموال لصحافيين عراقيين: البروباغاندا.. غير التأثير

«لينكولن غروب» حصلت على عقود بأكثر من 130 مليون دولار ونشاطها يمتد لبلدان عربية

TT

تعرضت مؤسسة «لينكولن غروب» لانتقادات في الكونغرس الأميركي، وذلك بعد كشف فضيحة دفعها أموال لصحافيين عراقيين كي ينشروا مئات التقارير كتبها أفراد ينتمون إلى وحدات أميركية عاملة في العراق. وشملت المقالات والموضوعات التى كان هدفها تبيض صفحة الوجود الاميركي، والتركيز على ايجابيات الغزو، والتقليل من الانتقادات الموجهة الى السياسات الأميركية فى العراق الإعلام ووزارة الدفاع أيضا.

لكن بيج كريغ، خبير الاستخبارات السابق والذي يرأس حاليا «لينكولن غروب» دافع عن الشركة وأهدافها، وقال إن تلك الممارسة هي ليست دعاية «بروباغاندا»، ولكنها وبحسب ما قال «نحن نسميها: تأثير». وكانت شركته قد حصلت على 12 عقدا من الحكومة الأميركية قيمتها أكثر من 130 مليون دولار، للقيام بعمليات تأثير سيكولوجى ايجابي عبر الصحافة لنقل الجانب الآخر الخفي الايجابي فى عراق اليوم. ولـ «لينكولن غروب» أيضا «مدير للتبصر والتأثير» واسمه أندرو غارفيلد. وأثناء وجبة غداء بالقرب من مكاتب الشركة الواقعة في مدينة بنسلفانيا حاول أن يشرح ما يعنيه بحرفة «التأثير». فقد تم مع التعاقد الشركة من قبل وحدة متخصصة في «العمليات السيكولوجية»، تابعة للجيش الأميركية، لكن غارفيلد يصر على أن عمل «لينكولن غروب» لا يمكن اعتباره سيكولوجيا. واعترض غارفيلد محتجا على تلك الكلمة. وغارفيلد على اطلاع كبير بالنشاط السيكولوجي العسكرية، إذ أنه كان مسؤول استخبارات في الجيش البريطاني وهو يدرس بانتظام فصلا في قاعدة أميركية عن «العمليات السيكولوجية». وإذا كانت القنابل تتفجر في بغداد، والحرب تملأ الجو، فإنها تملأ الذبذبات الهوائية هنا. لكنها حرب أهدأ. إنها حرب المعلومات التي يتم شنها بأسلوب تسللي وباستخدام الكلمات والصور التي يبثها الخبراء المؤيدون وصانعو السياسات وخبراء الدعاية «البروباغاندا»، ومنفذي العمليات السيكولوجية وخبراء التأثير وكل هؤلاء هم ما بين مدني وعسكري. وتسبب الكشف عن نشاط «لينكولن غروب» في ديسمبر (كانون الاول) الماضي داخل العراق في ردود فعل ساخطة مما دفع وزارة الدفاع (البنتاغون) إلى فتح تحقيق. وأعلن الجنرال جورج كيسي في أوائل هذا الشهر أن التحقيق وجد أن عمل «لينكولن غروب» لم يخرق أي قانون أو سياسة. لكن التقرير النهائي ما زال موضوع دراسة. ولم تكشف حتى الآن أي تفاصيل إضافية حوله.

وحتى الآن فان عمل «لينكولن غروب» في العراق ما زال مستمرا. التقينا بصانعي التأثير: كريغ، 31 سنة، وهو واحد من العقول وراء المشروع وهو مولع كثيرا بالثقافات الأجنبية وجذب إلى حقل الجيوبوليتكس (الجيو ـ سياسي)، وهناك غارفيلد، 45 سنة، محلل الاستخبارات السابق، وهناك سكوت فيلدماير، 29 سنة، الضابط السابق في القوات البرية ووصل إلى رتبة نقيب في العراق قبل أن يصبح مديرا عن حقل التأثير في «لينكولن غروب». ووافق هؤلاء على الكلام بشرط عدم الدخول بالتفاصيل بسبب أن عقودهم تمنعهم عن القيام بذلك. وتعمل «لينكولن غروب» في العراق وأفغانستان والإمارات العربية المتحدة والأردن وتشغّل حوالي 200 شخصا حسبما قال كريغ الذي كان المبادر إلى تأسيس «لينكولن غروب» مع كريستيان بيلي رجل المشاريع البريطاني. وبيلي لم يكن حاضرا في جلسة الغداء بسبب تواجده في مكان آخر من العالم.

والفلسفة وراء عمل الشركة هو ان للكلمات القدرة على تغيير قناعات الناس. فعن طريق إضافة صور مثيرة للعاطفة إليها تصبح الكلمات قادرة على تغيير سلوك الناس. ومع تكرار هذه الكلمات والصور كثيرا تصبح قادرة على تحديد الثقافة.

وهذه هي حرب المعلومات وهي قد بدأت في الولايات المتحدة منذ إطلاق كلمات «الحرب على الإرهاب» علنا وظلت تتكرر على المستوى القومي بحيث أصبحت عنصرا من عناصر الخوف الحالي. وقالت نانسي سْنو المسؤولة السابقة في وزارة الخارجية الأميركية ومؤلفة كتاب «حرب المعلومات»: «نحن ندرس كل الصياغات الخاصة بالبروباغاندا».

انظروا إلى كل القضايا الكبيرة التي ما زالت موضوع خلاف: أسلحة الدمار الشامل، أنابيب الألومنيوم، اليورانيوم، وهذه هي العناصر التي استخدمت لربط صدام حسين بهجمات 11 سبتمبر (ايلول)، ثم هناك الحديث عن العراقيين الذين سيحيون القوات الأميركية كمحررين حسبما ظل المسؤولون الأميركيون يرددون، ثم هناك الأخبار السعيدة التي زعم أنها أهمِلت من قبل أولئك الصحافيين الذين يبقون يكتبون حول القنابل التي تنفجر والأشخاص الذين يقتلون بسببها. وجاءت الاتهامات ضد «لينكولن غروب» مع تصاعد المخاوف من المعلومات المضللة والحرب، حيث وجه لها اتهام بأن ما تقوم به من تعليب لوجهة النظر الأميركية هو ليس سوى بروباغاندا.

والعودة إلى كلمة بروباغاندا التي تعني «نشر معلومات بطريقة نظامية من أجل الترويج إلى أفكار أو نظريات أو ممارسات محددة لتعزيز قضية شخص ما أو لتدمير قضية خصم» وهذا هو التعريف المطروح في قاموس «ويبستر». لكن سنو، الباحثة في مركز الدبلوماسية الشعبية في جامعة جنوب كاليفورنيا، تقول إن الكلمة في العالم الحقيقي «مختلَف حولها وهي تستند إلى معنى آيديولوجي».

أما بالنسبة لكريغ رئيس «لينكولن غروب» فإن كلمة «بروباغاندا» جاءت من الحرب العالمية الثانية «حيث كان كل أميركي يظن ان الألمان جميعهم يطعنون الأطفال أو أن اليابانيين هم جمع من المجانين». وقال غارفيلد «ما يقوم به المنتقدون من خلال نشر كلمة بروباغاندا هو السعي لخنق أي حوار».

ثم انتقل إلى تقديم محاضرة مملة «إنه شبيه بإخبار الشعب العراقي عن الجوانب الإيجابية في ظهور الديمقراطية في بلده، والجهود المهمة التي بذلتها قوات التحالف لحمايته، لضمان الأمن لكل شخص والذي يعترف الجميع بأهميته كذلك حث الشعب على الالتفاف حول حكومته وحول جيشه الجديد. وكأن كل هذا سيئ. إنه من الضروري مواجهة الاستخدام السلبي للمعلومات من قبل خصومنا». اذن كيف تحاول «لنكولن غروب» أن تأسر قلوب وعقول العراقيين؟ يقول غارفيلد «نحن نستخدم اية وسائل يمكن أن يوظفها المرء للتأثير على الجمهور». ولتحقيق اهدافهم قدموا تلك المقالات الاخبارية الملفقة التي تقرع الطبول للقصص المؤيدة لأميركا. وأعدوا ووزعوا كراسات ومواد مضحكة مناهضة للإرهاب. وأداروا حملة وزعوا فيها قناني الماء التي تحمل رقم هاتف يمكن أن يستخدمه العراقيون لابلاغ السلطات الأميركية بمعلومات عن النشاط الإرهابي. وهم يقومون بأبحاث وتحليلات إعلامية واستطلاعات للرأي. ويسعون الى التوصل الى استيعاب كامل للثقافية المحلية حتى يتمكنوا من التأثير عليها بصورة أفضل. وقال مسؤولو «لنكولن غروب» ان برامج التسلية والموسيقى والكوميديا والأفلام الوثائقية والتعليم والاعلان يمكن استخدامها ايضا لممارسة التأثير. لكن هل يمكن لزائر ان يلخص عمل «لنكولن غروب» في العراق؟ يقول غارفيلد «يجب أن لا تتعثر وأنت تمر على عملنا. أعني انه يجب عليك ان لا تعرف بأنه عملنا».

ويكمل عمل لنكولن العمليات السيكولوجية العسكرية. ففي العراق وأفغانستان قامت فرق العمليات السيكولوجية برمي كراسات ومنشورات من الجو تدعو فيها الناس الى عدم مقاومة القوات الأميركية. واستخدموا مكبرات الصوت لحث «العدو» على الاستسلام. وقاموا بالبث الإذاعي من طائرة اسمها «كوماندو سولو» ووزعوا أجهزة راديو يمكن سماع البث عبرها. واستخدم القادة العسكريون في بعض الأحيان معلومات ملفقة لتضليل العدو، مثل الاعلان في اكتوبر (تشرين الأول) 2004 عن أن معركة الفلوجة قد بدأت بينما في الواقع لم تكن قد بدأت إلا بعد ثلاثة اسابيع. واستخدمت معلومات من أجل تعزيز معنويات الجمهور الأميركي، مثل الرواية البطولية السابقة التي قدمت بشأن اعتقال وإنقاذ المجندة جسيكا لينش.

وكانت قصة لينش من بين القصص التي استشهد بها تحليل اعد عام 2003 تحت عنوان «الحقيقة من تلك المنصات» من جانب سام غاردنر، كولونيل سلاح الجو الأميركي المتقاعد والمدرس السابق في كلية الحرب القومية. ودرس غاردنر البيانات والتصريحات المتعلقة بالحرب العراقية التي اصدرها مسؤولون اميركيون وبريطانيون، ووجد أن «ما يزيد على 50 قصة معدة شوهت الصورة» لدى قراء الصحف الأميركية والبريطانية.

وهذه الأساليب المرتبطة بالإعلام ليست مقتصرة على زمن الحرب. هل تتذكرون تلك العمدة التي دفعت أجور لكتابتها دعما لمبادرات ادارة بوش في ما يتعلق بالتعليم والزواج؟ ونشر القصص الإخبارية الملفقة في التلفزيون لتعزيز خطة الادارة في ما يتعلق بوصفات الأدوية؟ والعروض التلفزيونية اليومية التي تروج لتلك الوسائل؟ ولكن الأميركيين لا يفهمون الأمر. فالثقافة لم تتوافق مع المعلومات كجزء من الحرب. ويقول غارفيلد حول الكيفية التي تغير بها مفهوم الحرب التقليدي حيث اعمال التمرد والنزاعات غير المتماثلة تكون أكثر سيادة، بمعنى أن القوة العسكرية وحدها لا يمكن أن تحقق النصر، ويقول «أعتقد أنه يتعين علينا ان نعود الى الوراء قليلا ونتأمل في الحرب». ان المعلومات واستخدامها الاستراتيجي يمكن أن يكون لها تأثير هام. ومع ذلك فان هذه الحقيقة لا تجد أصداءها في الثقافة الأميركية.

ويقول ان «الناس أكثر ارتياحا مع القتل من ممارسة التأثير والنفوذ. ويمكن اقناع الأغلبية بأن استخدام القوة العسكرية مقبول، ولكن كل امرئ يشعر بعدم الارتياح عندما يجري الحديث عن استخدام المعلومات». وليس مما يثير الدهشة، في ما يتعلق بمن هو أكبر زبون لمؤسسة «لنكولن غروب»، أن يبدو غارفيلد متوافقا الى حد كبير مع وزير الدفاع دونالد رامسفيلد. فقد كانت لدى رامسفيلد «خريطة طريق لعمليات معلوماتية» أقرها عام 2003 ولم تعد سرية منذ اوائل العام الحالي. ومن المفترض انها «تطرح هدف العمليات الإعلامية باعتباره جوهر الكفاءة العسكرية».

*خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»