البروفسور والت لـ«الشرق الأوسط»: لا علاقة للتقرير بترك منصبي

أحد كتاب تقرير «اللوبي الإسرائيلي» يغادر موقعه كعميد كلية في هارفارد

TT

مكالمة هاتفية واحدة كانت كفيلة بإنهاء خدمات عميد كلية جون كينيدي للدراسات الحكومية في جامعة هارفارد الأميركية العريقة، ستيفن والت، بعد مشاركته مع استاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو، جون ميرشايمر في إصدار التقرير الذي حمل اسم: «اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأميركية». هذا ما نشرته جريدة «ذا نيويورك صن» في عددها الصادر يوم 28 مارس (آذار) الماضي مضيفة أن والت سوف يغادر منصبه نهاية يونيو (حزيران) القادم، ولكنه سيبقى كأستاذ في الجامعة. وقد كان هذا الإجراء حسب الجريدة النيويوركية، نتيجة موجة الضغط الثانية بعدما أسفرت الأولى عن رفع جامعة هارفارد اسمها وشعارها من صفحات التقرير. مصدر المعلومات عن المكالمة الهاتفية هذه، حسب ما نشرته الجريدة هو «مراقب» قريب من جامعة هارفارد، اما صاحب المكالمة الهاتفية لجامعة هارفارد فهو روبرت بلفر، وهو مدير سابق لشركة إينرون، وقد تبرع بمبلغ 7.5 مليون دولار عام 1997 لمركز كينيدي للعلوم والعلاقات الدولية التابع لكلية كينيدي للدراسات الحكومية الذي كان يرأسه والت حتى إصدار تقريره عن جماعات الضغط الإسرائيلية. وتذكر جريدة «ذا نيويورك صن» نقلا عن مصدرها أن هذه المكالمة جاءت ضمن سلسلة من المكالمات أجراها كبار المتبرعين للجامعة المساندين لإسرائيل وعلى رأسهم بلفر.

ولكن البروفسور والت نفسه نفى في اتصال مع الـ«الشرق الأوسط» أن تكون هناك أي علاقة بين انتهاء خدمته كعميد لكلية كينيدي وبين التقرير الذي أصدره بالمشاركة مع جون ميرشايمر من جامعة شيكاغو. وقال والت الموجود خارج الولايات المتحدة حالياً: «لا توجد أي علاقة بين قرار نهاية خدمتي كعميد أكاديمي وبين التقرير. قرار نهاية خدمتي كان قد عرض على هيئة الكلية قبل أسابيع من ظهور التقرير، وتم وقتها بدء عملية إيجاد خليفة لي قبل صدوره ولا علاقة بين هذه الأحداث». ولكن والت اعتذر عن إعطاء رأيه في الطريقة التي تصرفت بها جماعات الضغط ضده شخصياً وحرفياً وإن كان قد توقع ردد الفعل التي تعرض لها. ولكن جريدة الـ«واشنطن بوست» أوردت عنه في قصة نشرت الاثنين الماضي أنه قال: «نحن نجادل بأنه من الصعب ان نفسر بشكل كامل المستوى المذهل والمستوى غير المشروط من الدعم الأميركي لاسرائيل، بالاشارة الى المصالح الاستراتيجية أو مجرد المصالح الأخلاقية. وكنا نعرف أن بعض ردود الفعل لن تكون شفافة أو نزيهة».

ولم يتسن الاتصال بشريكه في كتابة التقرير، جون ميرشايمر للحصول على رأيه.

وقد عرضت الـ«واشنطن بوست» في المقال الذي كتبه مايكل باول وجهات نظر نقدية عدة للتقرير في إطار قراءتها لما احتوى عليه. فيقول كاتب المقال إن والت وميرشايمر يميزان بين الجماعات اليهودية، التي غالبا ما ايدت الحرب على العراق، واليهود الأميركيين الذين عارضوا الحرب على العراق بنسبة أكبر من معظم الأميركيين.

وقد تلقى كاتبو التقرير ترحيبا من جانب بعض النقاد اليهود الليبراليين. ولكن المفكر اليهودي اليساري نعوم تشومسكي، الأستاذ في معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا، كتب ان الأستاذين اتخذا موقفا ساذجا من السياسة الخارجية للولايات المتحدة. وعلى الرغم من أنه اثنى على شجاعتهما في الوقوف أمام «رد فعل هستيري متوقع». وقال تشومسكي انه خلال القرن العشرين فضل جزء واسع من طبقة المفكرين السياسيين ممارسة القوة الامبريالية بقوة ودون الاستناد الى القانون في الشرق الأوسط وفي مختلف أنحاء العالم. وقال تشومسكي متسائلا «هل كان فشلا بالنسبة لاستراتيجية الولايات المتحدة الكبرى المعتمدة على الهيمنة على نفط الشرق الأوسط والثروة الهائلة من هذه المكافأة التي لا تضارع ؟».

ويصف شبلي تلحمي الأستاذ في جامعة ميريلاند والباحث في مؤسسة بروكينغز الأستاذين باعتبارهما «جريئين على نحو مذهل» في اثارة النقاشات بشأن السياسة والقضايا النظرية. ولكن على الرغم من ان تلحمي ناقد للحرب فانه لا يعتقد ان المحافظين الجدد من اليهود ومؤيديهم المسيحيين دفعوا الولايات المتحدة الى الحرب. وقال تلحمي «لا شك ان المحافظين الجدد كانوا يريدون الحرب منذ أمد بعيد. ولكن القرار في خاتمة المطاف هو قرار رئيس بات يتمتع بسلطات استثنائية بعد الحادي عشر من سبتمبر وكان بوسعه ان يتجاهلهم».

ويتساءل كاتب مقال على موقع معارض للحرب في العراق هو جوستين رايموندو في مقال له عن الموضوع: «هل لأحد الآن أن يتساءل إن كان كاتبا التقرير قد بالغا في وصف حجم التأثير الذي يتمتع به اللوبي الإسرائيلي في صنع السياسة الأميركية؟» خاصة بعد حملة الكراهية التي تعرض لها الاثنان في الإعلام الأميركي. كثير من النقاد الموضوعيين أثارهم رد الفعل العنيف ضد التقرير، ليس لكونهم يوافقون على ما جاء فيه من معلومات ولكن من مبدأ إتاحة الفرصة للحوار الحر والمفتوح على الطريقة الديمقراطية دون التعرض لإرهاب فكري من تناول موضوع معين يمكن أن يؤدي إبداء الرأي فيه إلى عواقب وخيمة على صاحب ذلك الرأي. ويبدي كاتب آخر على نفس الموقع رأيه في الأسلوب الذي تعامل به اللوبي الإسرائيلي مع التقرير منذ صدوره، أولاً بالسكوت التام وتغييب التعريف بالتقرير في وسائل الإعلام الأميركية المتداولة شعبياً، وثانياً عبر الهجوم الشخصي الموجه ضد كاتبيه. ويقول الكاتب إن منظمة معاداة التشهير قالت لإحدى المطبوعات اليهودية أن التقرير كان سيتعرض لهجوم أكثر عنفاً لو أنه وصل إلى وسائل الإعلام الرئيسية في الولايات المتحدة.

ويشير التقرير الذي صدر إلى وجود قوة كبيرة يمتلكها لوبي مكون من جماعات ضغط مؤيدة لإسرائيل وتؤثر بشكل فعال في رسم السياسة الخارجية الأميركية حسب استنتاج التقرير. ويفصّل التقرير أسلوب هذه الجماعات ونفوذها وأدوات عملها في كافة مجالات الحياة السياسية والإعلامية والأكاديمية في الولايات المتحدة. وينتقد التقرير هذه الجماعات في عدة نقاط منها مهاجمتها لمنتقديها ومحاولة إسكاتهم في تعارض مع أساسيات الحوار الحر، وعملها لمصلحة دولة أجنبية هي إسرائيل بطريقة لا تخدم المصالح الأميركية بالضرورة، وتعطل مجهود الولايات المتحدة لحل مشاكلها في الشرق الأوسط وفي حربها على الإرهاب.

واتهم محافظون ونقاد أكاديميون وكتاب في صفحات رأي في الصحف وأصحاب مواقع شخصية على الانترنت، الأستاذين بتشويه التاريخ والتوجه نحو قضايا تقليدية مناهضة للسامية. ويقول أستاذ القانون في هارفارد ألن ديرشوفيتز ان الأستاذين «دمرا سمعتهما المهنية».

وقال ديرشوفيتز في مقابلة معه «سمعنا كل هذا سابقا، الحديث عن جماعات ضغط يهودية قوية واللغة التي يسمعها المرء حول العرب ومواقع اليمين المتطرف على الانترنت. هذا جزء من جنون الاضطهاد ونظرية المؤامرة».

فيما قال مارفن كالب، الباحث في معهد كينيدي ذاته، ان التقرير مليء بالأخطاء وليس اقلها بأن القوات الاسرائيلية كانت افضل تسليحا وموقفا من الجيوش العربية في حرب عامي 1947 ـ 1948. وقال كالب ان «هذا لعب على الحجة القائلة بأن اليهود يهيمنون على الاعلام وعلى سياستنا الخارجية».

ولكن باول يشير إلى أن كاتبي التقرير ليسا بدون دعم أكاديمي. ويشير جوان كول، أستاذ الدراسات الشرق أوسطية في جامعة مشيغان، الى ان الأكاديميين طرحا قضايا مألوفة من أن سياسة الولايات المتحدة بشأن الشرق الأوسط يدفعها اولئك الذين يقفون الى جانب اسرائيل، وان هذا اللوبي يلجأ الى كل الاتهامات الشريرة من اجل تشويه سمعة الخصوم. وقال كول انه «ليس هناك خطأ من الناحية الفكرية في القول ان سياسة الولايات المتحدة تحركها قوة الناخبين في الداخل. ولكن معظم الناس خائفون، ولا يريدون المخاطرة بتعريض حياتهم الى أضرار».

وكان والت وميرشايمر، وهما شخصان بارزان في ما يعرف بالمدرسة «الواقعية» في السياسة الخارجية وناقدان شديدان للحرب في العراق، قد شرعا في دراستهما عام 2002 في اعقاب الهجمات الارهابية، حين كانت الطبول تقرع بقوة لصالح القيام بغزو للعراق. ووصفا تشكيلة من الانجيليين المسيحيين والمثقفين المحافظين الجدد، بمن فيهم مسؤولون سابقون في وزارة الدفاع مثل بول وولفوفيتز ودوغلاس فيث، المؤيدين بقوة لاسرائيل والمدافعين عن توسع قسري للقوة الأميركية في الشرق الأوسط.