الأمير سلطان يبدأ جولة آسيوية تشمل اليابان وسنغافورة وباكستان

ولي العهد سيلتقي إمبراطور اليابان ورئيس وزرائها

TT

يبدأ الأمير سلطان بن عبد العزيز، ولي العهد السعودي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام زيارة رسمية لليابان، تستمر ثلاثة أيام، يتوج خلالها مسيرة العلاقات السعودية اليابانية، التي تمتد لأكثر من خمسين عاماً، ويستكمل منظومة العلاقات السعودية مع الدول الآسيوية، التي بدأها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في يناير (كانون الثاني) الماضي، وشملت زيارة كل من الصين والهند وهونغ كونغ وماليزيا وباكستان.

ويزور ولي العهد الأمير سلطان، اليابان للمرة الثانية، بعد زيارة رسمية في عام 1960، هي اول زيارة لمسؤول سعودي رفيع المستوى الى اليابان، كما يزور الأمير سلطان خلال جولته الحالية سنغافورة. وفي بيان للديوان الملكي السعودي، نقلته وكالة الأنباء السعودية أمس، أعلن فيه رسميا عن بدء جولة الأمير سلطان لعدد من الدول الآسيوية، والتي تشمل إلى جانب اليابان، كلا من سنغافورة وباكستان، موضحا أن الجولة تأتي ضمن «توطيد أواصر الصداقة وتعزيز العلاقات التي تجمع السعودية مع تلك الدول». وأكد عدد من المحللين السياسيين السعوديين لـ«الشرق الأوسط»، أن زيارة الأمير سلطان، تفتح آفاقاً مهمة في العلاقات السعودية مع الدول الرئيسية في آسيا، في وقت تبرز فيه هذه الدول كقوة اقتصادية وسياسية مهمة على المسرح الدولي.

فيما نوه السفير السعودي لدى اليابان فيصل بن حسن طراد، أمس، بالعلاقات السعودية ـ اليابانية، مضيفاً أن العلاقات بين البلدين، شهدت تطورا على الصعيدين الدبلوماسي والاقتصادي خلال الخمسين عاما على انشائها، حيث تعتمد اليابان على المملكة في تأمين حوالي ثلث احتياجاتها من الطاقة سنويا، في حين تعد اليابان الشريك التجاري الثامن للسعودية.

ونقلت وكالة الأنباء السعودية أمس، عن السفير طراد قوله إن زيارة الأمير سلطان بن عبد العزيز لليابان، تعد الأولى للأمير سلطان، بصفته وليا للعهد منذ زيارته التي قام بها عام 1960. مضيفاً أن ولي العهد السعودي، سيلتقى ضمن برنامج حافل، امبراطور اليابان، الذي سيقيم حفل غداء تكريما للأمير سلطان، وسيجتمع برئيس الوزراء الياباني، كما يقام حفل عشاء تكريما لولي العهد، وستقيم المؤسسات الاقتصادية في اليابان حفل غداء تكريما لولي العهد والوفد المرافق.

وقال السفير طراد، إن السعودية واليابان «تتبوآن موقعا مهما في قارة آسيا، خاصة وفي العالم أجمع، وتتمتعان باحترام وتقدير دولي على جهودهما لاحلال السلام والتعايش السلمي بين الحضارات»، متوقعاً ان تفتح الزيارة «فصلا جديدا ومهما في علاقات البلدين، تقوم على الاحترام المشترك للقيم، التي يعتز بها البلدان وتلبي المصالح المشتركة، والعمل نحو أمن واستقرار العالم أجمع، فضلا عن أنها تعود بالنفع والخير والرفاهية على العالم بشكل عام، وعلى شعبي البلدين بشكل خاص». وقال نائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشورى السعودي الدكتور عبد الله بن يحيى بخاري، إن زيارة ولي العهد الأمير سلطان بن عبد العزيز تتوج الدور الريادي، الذي تلعبه السعودية على الصعيد الدولي، وخاصة دورها في حفظ الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الاوسط، ودورها القيادي على صعيد العالم الاسلامي.

ورأى أن الزيارة تأتي امتدادا لزيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للدول الآسيوية، لتأسيس شراكات دولية استراتيجية مع كل الاطراف ومنها الدول الآسيوية البارزة، وأكد بخاري، أن العلاقات السعودية اليابانية، تمتد لأكثر من خمسين سنة، وشهدت نمواً مضطرداً في جميع المجالات. أما الدكتور محمد الحلوة، عضو مجلس الشورى، فأكد أن زيارة ولي العهد الأمير سلطان بن عبد العزيز، تمثل مواصلة للمنظور الاستراتيجي، الذي قامت عليه زيارة خادم الحرمين الملك عبد الله بن عبد العزيز في يناير (كانون الثاني) الماضي، الى الدول الآسيوية، الصين والهند، وماليزيا، وهونغ كونغ، وباكستان.

ويضيف الحلوة، أن اليابان تعتبر ثقلاً اقتصادياً وسياسياً داخل آسيا، وفي المنظومة الدولية بشكل عام، وتكمن أهمية الزيارة في أنها تعمق أواصر التواصل المحورية في آسيا، خاصة أن المسرح الدولي يمر الآن بمرحلة تغير، خصوصاً بعد غياب الاتحاد السوفياتي، وبقاء الولايات المتحدة كقوى عظمى على المسرح الدولي، مما أسهم في غياب مفهوم القطبية، مما يتطلب بروز قوى أخرى لإحداث التوازن، وتعبر آسيا المرشج الأوفر حظاً لملأ هذا الفراغ.

وبرأي الحلوة، فإن الدول الآسيوية الرئيسية التي شملتها زيارة خادم الحرمين، بالاضافة لليابان التي يزورها ولي العهد، تتوفر فيها العناصر الرئيسية التي تؤهلها لأن تلعب دوراً بارزاً على المسرح الدولي، تلك العناصر هي، النمو السكاني، والنمو الاقتصادي، والاستقرار السياسي، والتقدم التقني.

وبالنسبة لليابان، فإنها تلعب دوراً كبيراً داخل القارة الآسيوية، خاصة باعتبارها الثقل التقني الأبرز هناك، وبالاضافة للنمو الإقتصادي البارز، فإن اليابان مرشحة خلال السنوات الخمس القادمة، لتسجيل معدل نمو مرتفع يؤهلها للبروز كقوة آسيوية رئيسية. وقال الحلوة، إن زيارة ولي العهد ستضيف بعداً جديداً للعلاقات الاقتصادية والسياسية السعودية، وستفتح آفاقاً جديدة للدعم الخارجي والدبلوماسي. المحلل السياسي الدكتور عثمان الرواف، قال لـ«الشرق الأوسط» إن زيارة ولي العهد تضيف بعداً نوعياً للعلاقات السعودية اليابانية، التي تعتبر من أوثق العلاقات وأقدمها، وبرأي الرواف، فإن العلاقات السعودية اليابانية هي استكمال لدور اليابان كلاعب رئيسي في المسرح السياسي الدولي، وليست بديلاً عن العلاقات التقليدية بين السعودية ودول غربية أخرى، مضيفاً أن اليابان ساهمت مساهمة فاعلة في الحرب التي قادتها الولايات المتحدة لتحرير الكويت، وساهمت في المجهود الحربي بتمويل قوات التحالف، ولذلك فإن العلاقات مع اليابان تنسجم مع المنظمة الدولية. ورأى الرواف أن تطوير العلاقات السعودية ـ اليابان يمثل أهمية استراتيجية للبلدين كلاهما، خاصة أن الموقف السياسي الياباني كان ولا يزال منسجماً مع القضايا العربية، ومنسجماً مع الموقف السعودي الى حد كبير. وأضاف الرواف، أن زيارة الأمير سلطان ولي العهد، تكمل مشوار توطيد العلاقات بين المملكة ودول آسيا، الذي بدأه خادم الحرمين الملك عبد الله، وتضيف عمقاً استراتيجياً جديداً لمنظومة العلاقات السعودية الآسيوية. وكانت السعودية واليابان قد أجرتا اتصالات مشتركة منذ عام 1938، توجت رسمياً بتدشين العلاقات الدبلوماسية في العام 1955.

وفي عام 1960 قام الأمير سلطان بزيارة رسمية لليابان، أعقبتها زيارة للملك فيصل بن عبد العزيز في عام 1971، وفي عام 1998 قام خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله (عندما كان ولياً للعهد) بزيارة لليابان، وقع خلالها مع رئيس الوزراء الياباني الراحل كيزو أوبوتشي على بيان مشترك يتعلق بتعزيز التعاون بين البلدين، ليشكل اتجاها جديدا لتعزيز علاقات التعاون الثنائي، بين المملكة واليابان في القرن الحادي والعشرين في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والتعليمية والرياضية.

وبالنسبة لزيارات المسؤولين اليابانيين، فقد قام امبراطور اليابان الحالي أكيهيتو (عندما كان وليا للعهد)، والامبراطورة ميتشيكو بزيارة الى السعودية في عام 1980، كما قام ولي العهد الامبراطوري الأمير ناروهيتو والأميرة ماساكو بزيارة مماثلة في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1994 تلتها في سبتمبر (أيلول) عام 1995 زيارة رئيس الوزراء الياباني توميئيتشي موراياما.

وفي سياق تطور العلاقات السعودية اليابانية، أعلن وزير الخارجية الياباني عام 2001 (يوهى كونو)، أثناء زيارته الى السعودية مبادرة اليابان في ثلاثة مجالات هي، تشجيع الحوارات مع العالم الاسلامي، وتنمية موارد المياه، والدخول في حوارات سياسية متنوعة. وفي عام 2003 قررت السعودية واليابان أثناء زيارة رئيس الوزراء الياباني الحالي جونيتشرو كويزومي الى الرياض، أن يستضيف البلدان مناسبات تذكارية في عام 2005 احتفالا بذكرى مرور خمسين عاما على انشاء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وكان آخر زيارة قام بها مسؤول ياباني رفيع المستوى الى السعودية في أغسطس (آب) عام 2005، حينما قدم ولي العهد الياباني هيرونوميا ناروهيتو واجب العزاء في وفاة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز.

اقتصادياً برز التعاون الاقتصادي بين السعودية واليابان، عندما حصلت شركة الزيت العربية/ اليابانية على حق امتياز التنقيب عن النفط عام 1957 في الجزء الساحلي للمنطقة المحايدة بين السعودية والكويت، واستمر التعاون مدة أربعين عاما حتى انتهى عقد الشركة عام 2000.

وفى عام 1975 أبرم البلدان اتفاقية تعاون اقتصادية وفنية، تشكلت على أثرها لجنة مشتركة لبحث سبل التعاون ومجالاته في مجال الطاقة امتلكت من خلالها شركة أرامكو السعودية أخيرا 15 في المائة من شركة شوا شيل اليابانية، الذي يؤمن نحو 300 الف برميل من البترول السعودي الخام لليابان، لسد حاجته من الزيت الخام والمنتجات البتروكيماوية. وفي اغسطس (آب) 2005 وقعت شركة سوميتومو اليابانية للبتروكيماويات، وشركة أرامكو السعودية، مشروعا مشتركا بقيمة 5.8 بليون دولار لإنشاء أكبر مجمع في العالم لتكرير الزيت الخام وانتاج البتروكيماويات، وذلك في مدينة رابغ على الساحل الغربي السعودي.وتعتبر اليابان الشريك التجاري الثاني للسعودية، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين عام 2004 نحو 1.22 بليون دولار أميركي، وبلغ فائض الميزان التجاري لصالح السعودية 8.14 بليون دولار أميركي، وتحتل السعودية المركز الاول في قائمة الدول المصدرة للبترول الى اليابان حيث تستورد اليابان نحو 30 في المائة من احتياجاتها للطاقة من النفط السعودي، في حين تصدر لها المنتجات الصناعية مثل المركبات بكافة أنوعها والمعدات والاجهزة الإلكترونية.

في مجال التنمية البشرية، فمنذ عام 1960 استفاد نحو 1560 متدربا سعوديا من برامج التدريب، التي نظمت في أنحاء اليابان في جميع القطاعات الفنية والتقنية، والتي تتركز في تنمية القوى البشرية، وحماية البيئة، وتطوير الرعاية الصحية وتقنيتها، وتطوير الصناعة، وادارة موارد المياه. في مجال التعليم، ففي الفترة من 1973 حتى عام 2000، حصل أكثر من 149 طالبا سعوديا على دراساتهم في الجامعات والمعاهد اليابانية، ضمن برنامج المنح الذي أشرفت عليه شركة الزيت العربية، وتابع نحو 63 طالبا دراستهم ضمن برنامج شركة أرامكو السعودية للمنح الخارجية، ولا يزال عدد منهم مستمرين في الدراسة الجامعية، حتى هذا العام، عدا العشرات من الطلاب الذين تخرجوا من الجامعات اليابانية، ضمن برنامج المنح الدراسية للدراسات الجامعية والدراسات العليا الخاص بوزارة التعليم اليابانية.