جدل حول جدوى باروكات المحامين في بريطانيا

تقليدية ومسببة للحكة.. أم علامة على الوقار والحياد؟

TT

وقف المحامي جون بالدوين في القاعة رقم 61 من مبنى «محاكم العدل الملكية» بلندن الأسبوع الماضي، وهو يحمل باروكته البيضاء المجعدة بيديه. وقال بالدوين عن قطعة الشعر التقليدية التي يتعين على المحامين ارتداؤها اثناء المحاكمات في قاعات المحاكم البريطانية ان «بعض الناس يعتقدون انها تمنحهم سلطة اكبر، لكن معظمنا يعتقد انها تسبب الحكة».

وتثير الباروكات نقدا متزايدا من قبل المحامين الذين يقولون انها غريبة وقديمة الطراز، كما هو حال اقلام الريش وبدلات الدروع. واذ يواجه النظام القانوني في بريطانيا طائفة من التغييرات، بما في ذلك تأسيس محكمة عليا على غرار المحكمة العليا في الولايات المتحدة، فإن الدعوة الى التخلص من الباروكات تتعالى في أروقة المحاكم وغرف المحامين.

وقال كيفن مارتن، رئيس الجمعية القانونية، وهي منظمة تمثل 120 ألف محام «انها ممارسة قديمة يعتقد كثير منا ان لا مكان لها في العالم الحديث». واضاف مارتن انه يشعر بالأمل في أن التغيير قريب لأن القضاء يرأسه شخص جديد هو نيكولاس فيليبس الذي يعتبر حداثيا وغير ميال الى زخرفة القرن السابع عشر. وفيليب ليس مستعدا للتعليق على القضية، وفقا لما قاله متحدث بمكتبه، لكن في عام 2003 نقل عنه قوله انه في القضايا المدنية «أود أن أرى غيابا للباروكات».

وقبل أكثر من 300 سنة، كانت الباروكات ترتدى من قبل المتعلمين في مختلف مناحي الحياة. لكن بعد ان خرجت عن الموضة السائدة بين الجمهور العام احتفظت بها الجهات القضائية، بحجة ان الباروكات تضفي طابعا من الوقار والحياد والمجهولية. ويقول المنتقدون ان الباروكات قديمة الطراز ان لم تكن مضحكة.

وفي العقود الأخيرة، توصلت دراسات مختلفة الى استنتاجات متناقضة بشأن رأي المختصين والجمهور بالباروكات. وقال توم ليتل، رئيس «لجنة المحامين الشباب» التابعة لـ «مجلس نقابة المحامين»، انه «إذا كان عليك أن تتخذ قرارا هاما للتخلص منها فإنني أود ان أرى أغلبية ساحقة من الجمهور تدعم ذلك».

وقال ليتل ان الكثير من المحامين الشباب يرغبون في الباروكات لأنها تؤدي دور «الداعي الى المساواة»، مقابل أولئك الذين يتمتعون بخبرة أكبر. وينبغي على المهنة أن تركز على «قضايا أكثر اهمية»، مثل المساعدة القانونية للمدعى عليهم الفقراء، وفقا لما قاله، بدلا من الشعور بالقلق حول الباروكات، مضيفا ان «كون الشيء قديما، لا يوجب عليك التخلص منه. واذا كان الأمر كذلك فإن علينا ان نهدم جميع بناياتنا القديمة».

واذ يستمر الجدال، تستمر أيضا المهنة التقليدية لتحويل شعر الحصان الى قطعة شعر للرأس. وتبيع «إيد أند ريفنزكروفت»، وهي شركة يعود تاريخها الى 1689، «باروكة المحامين» التقليدية بقيمة تزيد على 800 دولار. ويمكن ان تكلف الباروكة الأفضل لقضاة المحكمة العليا، حيث تزيد كمية الشعر في المقدمة، مبلغ الفي دولار، بينما تكلف «الباروكة» الاحتفالية ذات الخصلات الطويلة التي تصل الى الكتفين مبلغا يزيد على أربعة آلاف دولار.

وقالت كيرستي برايملو، محامية القضايا الجنائية بلندن، التي تعتقد انه آن الأوان للتخلص من الباروكة، انه «تعين علي أن أقدم على سلفة من البنك للحصول على باروكتي وبدلتي».

ومن المألوف أن يشتري المحامون باروكة واحدة لتبقى عندهم طيلة فترة عملهم في مهنتهم. ويشتكي كثيرون من انها تميل الى اللون الاصفر، وتصبح رائحتها عفنة بمرور الزمن.

وقالت برايملو انه في الوقت الذي يحاول فيه القضاء ان يظهر للجمهور انه «مواكب للحياة وحديث»، فإن افراد الجمهور يدخلون الى قاعات المحاكم فقط «ليعودوا الى القرن السابع عشر». كما أشارت الى «تأثير أكثر سلبية»، يتمثل في ان الباروكات يمكن ان تكون أكثر ترويعا للشهود. وأضافت ان القضاة الانجليز يمكن أن يكون مظهرهم سخيفا تماما في المحاكم الدولية في لاهاي عندما يصارعون، وهم يجلسون وسط زملائهم من الدول الأوروبية الأخرى، من أجل تثبيت سماعات الرأس فوق خصلات شعر مستعارة من اجل الاستماع الى الترجمات.

والنقد الآخر الذي يوجه الى الباروكات يتمثل في أن نمطا معينا من المحامين يمكنهم ارتداؤها، وهم محامو المرافعات، بينما محامو الاجراءات، الذين يؤدون وظائف مماثلة، لا يمكنهم ارتداؤها. ويجادل كثير من المنتقدين بأن هذا أدى الى عدم مساواة لا معنى لها في قاعة المحكمة. وقال مارتن في رسالة وجهها في الآونة الاخيرة الى فيليبس ان «المحلفين قد يأخذون انطباعا بأن المحامي الذي لا يرتدي الباروكة هو أقل مصداقية». ويعتقد مارتن، شأن منتقدين آخرين، ان الباروكات هي مسألة لا بد أن تخص الجميع، فإما أن يرتديها الجميع أو لا يرتديها أحد.

وبين المجموعة التي تريد الإبقاء على الباروكات، أشخاص أكثر تشددا في العادة حول الابقاء على الباروكات في المحاكمات الجنائية. ويقولون انها توفر للقضاة والمحامين درجة معقولة من المجهولية والابتعاد عن المدعى عليهم الذين قد يسعون الى الانتقام منهم خارج المحكمة.

وقد ارتدى بالدوين باروكته رغما عنه عندما كان القاضي يسير في قاعة المحكمة في أحد الأيام الأخيرة. ويمثل بالدوين دار نشر «راندوم هاوس» في قضية انتهاك قانون المطبوعات التي رفعها مؤلفان يزعمان ان كاتب «شيفرة دافنشي»، دان براون، سرق الأفكار الرئيسية منهما.

وقد لا يكون مثيرا للدهشة ان خصمه في القضية، جوناثان رينر جيمس، كانت لديه آراء مختلفة، حول المسائل المتعلقة بالقضية وغطاء الرأس. فحسب رأي جيمس يعتبر ارتداء الباروكات تقليدا بالنسبة للمحامين البريطانيين، وشيئا نادرا ما يفكرون به، لكنه وسيلة نافعة لإظهار مكانة المحامين والقضاة في قاعة المحكمة. وقال جيمس، المحامي المختص بقضايا حقوق النشر، وذو الشعر البني المرتب والظاهر من تحت الخصلات البيضاء المثالية، ان «كل نظام فيه هذه التقاليد سواء كانت بصيغة أزياء او صيغة اخرى. لكن الباروكات شيء فريد».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»