9 أبريل اليوم الذي احتفل فيه العراقيون بدخول القوات الأميركية

«الشرق الأوسط» أول مطبوعة عربية ودولية دخلت إلى عمق المدن العراقية لتواكب تفاصيل الحرب

TT

في بداية ابريل (نيسان) 2003 كانت القوات الاميركية تزحف باتجاه مدن الوسط العراقية، التي كانت ما تزال تحت سيطرة القوات العراقية وميليشيات فدائيي صدام وميليشيات حزب البعث (الجيش الشعبي). في تلك الظروف دخلت «الشرق الأوسط» الاراضي العراقية عن طريق قاعدة (طليلة) في الناصرية (جنوب)، ومن ثم مدينة النجف التي كانت تشهد قتالا محموما بين القوات الاميركية من جهة والقوات العراقية وفدائيي صدام من جهة ثانية.

وقد فوجئ الوسط الاعلامي والقارئ العربي بوصول «الشرق الأوسط» الى هذا العمق في الاراضي العراقية، بينما كان مراسلو وسائل الاعلام العربية والعالمية يصلون فقط الى نقطة الحدود العراقية الكويتية في صفوان، معتبرين انهم دخلوا الاراضي العراقية، ويجرون هناك بعض اللقاءات مع السكان المحليين.

كانت وسائل الاعلام قد ركزت كثيرا على ما حملته الصفحة الاولى من «الشرق الاوسط»، التي صدرت يوم الجمعة 4 أبريل 2003، اذ كان العنوان الرئيسي على الصفحة الاولى يقول: («الشرق الأوسط» في النجف: الخوئي يظهر فجأة وتضارب حول فتوى السيستاني بعدم قتال الأميركيين)، وجاء في مقدمة الخبر المنقول من مدينة النجف «دخلت «الشرق الأوسط» الى مدينة النجف امس برفقة مجموعة من الشخصيات الدينية والمدنية العراقية المنفية، وفي مقدمتها عبد المجيد الخوئي، رئيس مؤسسة الخوئي الخيرية الشيعية، ومقرها في لندن، ونجل المرجع الأعلى للشيعة، الراحل أبو القاسم الخوئي. وسهلت القوات الأميركية لهذه الشخصيات العودة من الخارج الى النجف بالذات، للمساعدة فى الحصول على تأييد السكان والحوزة الدينية للعملية العسكرية او عدم الوقوف ضدها في الاقل».

وعلى مدى الايام التي بقي فيها مراسل «الشرق الأوسط» في العراق نشرت الصحيفة تقارير وقصصا حية عن المعارك التي كانت تدور هناك، والمدن التي تتحرر من سيطرة قوات نظام صدام حسين، الذي اختفى مع دخول القوات الاميركية الى العاصمة بغداد وتهديم تماثيله وتشويه صوره التي كانت تنتشر في كل مكان من جغرافيا العراق.

وفي عدد الصحيفة الصادر يوم 8 ابريل 2003، أي قبل سقوط بغداد بيوم واحد، وبينما كان وزير الاعلام العراقي وقتذاك محمد سعيد الصحاف يعلن عن صمود بغداد بوجه القوات الاميركية التي كانت قد وصلت الى ميدان الباب الشرقي، أي الوسط التجاري لبغداد، ظهرالخبر التالي «القوات الأميركية تدخل 3 قصور رئاسية و«البنتاغون» يتوقع احتلال بغداد خلال يومين»، وجاء في مقدمته «استمر تبادل اطلاق النار بكثافة طوال امس في بغداد بين القوات الاميركية، التي اجتاحت المدينة فجرا من الجنوب، وقالت انها سيطرت على ثلاثة قصور رئاسية، بما فيها القصر الجمهوري، وبين المقاومين العراقيين، فيما اعلنت اميركا انها اكتشفت «خليطا» من الاسلحة الكيماوية في موقع عسكري قرب كربلاء. من جهتها اعلنت القيادة العراقية انها تسيطر على بغداد. في الوقت نفسه قام قائد الحملة الاميركية الجنرال تومي فرانكس بزيارة قواته في ثلاثة مواقع في العراق منها النجف. وتوقع القادة العسكريون في وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) سقوط بغداد في أيدي قوات التحالف خلال اليومين او الثلاثة المقبلة».

عندما هوى (الصنم) تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس، في قلب بغداد، وفي مثل هذا اليوم 9 ابريل كانت «الشرق الاوسط» تستطلع آراء العراقيين في محافظات وسط العراق، حيث كان «سكان كربلاء والنجف يصرون على كلمة «تحرر» بدلا من «سقوط» لوصف حال المدينتين بعد دخول القوات الأميركية وانهيار نظام صدام فيهما».

وكان اهالي مدن النجف وكربلاء والحلة الشيعية يصفون القوات الاميركية بالصديقة، كما جاء في الخبر التالي «يصر اهالي المحافظات العراقية الجنوبية، التي تخلصت من سيطرة نظام الرئيس صدام حسين على استخدام مصطلح «تحرر» بدلا من« سقوط». ويقول عباس حمزة البهادلي، وهو صيدلي في مدينة كربلاء «نعم لقد تحررنا من ظلم النظام. عاقبنا واضطهدنا طوال اكثر من 35 عاماً ولنا الحق في ان نقول تحررنا، وقوات الحلفاء الصديقة هي التي ساعدتنا على احراز هذا التحرر، اذ اننا لم نستطع القضاء على نظام صدام حسين، الذي لم نعرف منه غير العذاب طوال هذه السنوات وكنا نتمنى ان تساعدنا الدول العربية والاسلامية للتخلص منه، لكنهم للأسف لم يفعلوا من اجلنا اي شيء».

وبينما كان عبد المجيد الخوئي الامين العام لمؤسسة الخوئي، يعيش مع مواطنيه في مدينة النجف نشوة النصر وهو يهيء لعودة الخدمات والحياة الى طبيعتها نابذا القتل المجاني والاخذ بالثأر، تصدت له قوة شريرة من اتباع مقتدى الصدر لترتكب واحدة من افظع الجرائم التي كلفت العراقيين الكثير.

فبعد يوم واحد من سقوط النظام في بغداد، تعرض الخوئي مع مجموعة من مرافقيه، بينهم مراسل «الشرق الاوسط» في داخل مرقد الامام علي في مدينة النجف لهجوم بالرصاص والسيوف والسكاكين، انتهى بعد اقل من ساعتين بمقتل الخوئي وحيدر الرفيعي، المسؤول عن ادارة مرقد الامام علي، وماهر الياسري، شاب عراقي جاء من الولايات المتحدة لمساعدة العراقيين، بأمر مباشر من الصدر لتتاح له الفرصة بالسيطرة على مدينة النجف.

وكانت «الشرق الاوسط»، اول مطبوعة تنشر بالتفاصيل خبر مقتل الخوئي، فقد نشرت في صدر صفحتها الاولى من العدد الصادر في 11 ابريل (نيسان) 2003 العناوين «اغتيال الزعيم الشيعي عبد المجيد الخوئي في النجف»، و«الشرق الأوسط» تشهد الهجوم عليه داخل مرقد الإمام علي بالسكاكين والسيوف والقنابل.

وجاء في مقدمة الخبر «لقي عبد المجيد الخوئي الأمين العام لمؤسسة الخوئي الخيرية في لندن مصرعه امس، داخل مرقد الامام علي في مدينة النجف العراقية، مع مرافق له عراقي يحمل الجنسية الاميركية، هو ماهر الياسري». وكان موفد «الشرق الاوسط» قد حوصر خلال مرافقته للخوئي في مرقد الامام علي وحتى مقتله على يد انصار مقتدى الصدر في حادثة ماثلت في بعض جوانبها حادثة مقتل الإمام الحسين بن علي قبل الف واربعمائة عام.

وبذلك المشهد الدموي، الذي استهل به اهالي النجف عصرا جديدا من القتال والاخذ بالثأر، كانت جولة «الشرق الاوسط» قد انتهت في العراق وقتذاك.