أميركا: الميليشيات «الشيعية» التحدي الأخطر أمام الحكومة العراقية الجديدة

اغتالت 4 أضعاف ضحايا التفجيرات في مارس الماضي

TT

تقول معلومات عسكرية أميركية إن الميليشيات الشيعية تشكل خطرا على الأمن في الكثير من أجزاء العراق، إذ يقدر عدد من قتلتهم خلال الاشهر الاخيرة بأكثر من الذين قتلهم المتمردون. ويعتقد مسؤولون ودبلوماسيون اميركيون أن هذه الميليشيات ستشكل في الغالب اكبر تحد أمام الحكومة العراقية الجديدة. وتشير معلومات عسكرية الى ان عدد الاغتيالات، التي نفذ اكثرها مسلحون شيعة ضد عرب سنة في بغداد ومناطق اخرى، يصل الى أكثر من اربعة أضعاف خلال شهر مارس (آذار) الماضي، مقاربة بضحايا التفجيرات والهجمات التي أوقعت أعدادا كبيرة من الضحايا. ويقول غالبية المسؤولين ان ما يبلغ عنه من حوادث القتل بالرصاص لا يعدو ان يكون نسبة محدودة فقط. وكانت حدة عمليات القتل ذات الدوافع الطائفية، التي أثارها تفجير مرقد شيعي في سامراء اواخر فبراير(شباط) (الماضي)، قد تراجعت خلال الاسابيع الاخيرة. ولا يعرف ما اذا ستجدد الهجمات التي استهدفت مساجد شيعية معروفة، خلال يومي الخميس والجمعة، الاعتداءات الطائفية المتبادلة. وفيما اعترفوا بحالة عدم الاستقرار التي تسببت فيها الجماعات الشيعية المسلحة، التي يرتبط اكبرها بأبرز الأحزاب السياسية في البلاد وتعمل وسط قوات الشرطة والجيش العراقي، لم يتوصل المسؤولون الأميركيون والعراقيون الى تطبيق، او حتى إعلان، استراتيجية لمعالجة هذه المشكلة. وأكد الجنرال جوزيف بيترسون، كبير الضباط الاميركيين العاملين مع الشرطة العراقية التي يعمل بها عدد من أفراد الميليشيات الشيعية، انهم يدركون ان الميليشيات تشكل قضية، وأضاف انهم طلبوا من وزارتي الداخلية والدفاع العمل على حل هذه المشكلة. وأضاف قائلا ان الجهات المعنية تدرك هذه المشكلة، إلا انه لم يجر التوصل بعد الى قرار بشأن اتخاذ خطوة إزاءها. وقال مسؤول اميركي عمل مع مجلس الحكم العراقي السابق فيما يتعلق بمسألة الميليشيات «ان هذه المشكلة اكثر خطورة الآن مقارنة بما كانت عليه في السابق بسبب هوية من هو في السلطة». وأضاف قائلا «إنه اذا لم يكن هناك التزام واضح من جانب الحكومة، فلن يكون هناك حل لهذه المشكلة». من الناحية العملية، لدى كل الأحزاب الشيعية في العراق مجموعات مسلحة، ولدى بعضها جيوش تتكون من عدة آلاف من المقاتلين، ولدى بعض منها مجموعات مسلحة يعتقد بيترسون انها لا تزيد على حجم المجموعات التي يوكل اليها عادة حراسة ومراقبة الأحياء السكنية. لدى الفصائل العراقية الرئيسية الاخرى قوات مسلحة. فمجموعات مثل «القاعدة» و«جيش أنصار السنة»، تتشكل من السنة وتشن هجمات بصورة متكررة على القوات الاميركية والجنود العراقيين والمدنيين الشيعة، فيما تخضع قوات البشمركة، وهي ميليشيات كردية، لقيادة الجيش العراقي وتعمل في مناطق الشمال الكردي ولا تشكل خطرا امنيا رئيسيا. وتزعم كل الميليشيات ان وجودها تقتضيه ضرورة حماية المجموعات التي ينتمون اليها من العنف المنتشر في البلاد. ويعتقد ان عدد أفراد الميليشيات الشيعية بعشرات الآلاف. فقد قال الجنرال ريك لينش، المتحدث الرئيسي باسم الجيش الاميركي في العراق، خلال لقاء أجري معه في الآونة الاخيرة، ان عدد أفراد جيش المهدي يقدر بحوالي 10 آلاف شخص، فيما يقدر عدد أفراد منظمة بدر، وهي ميليشيات تشكلت في ايران خلال عقد الثمانينات لمحاربة نظام صدام حسين، بحوالي 5 آلاف شخص. وتقدر مصادر أخرى عدد أفراد المجموعتين بأكثر من هذا العدد. وكان الاهتمام قد تركز عقب تفجير المرقد الشيعي في سامراء في فبراير(شباط) الماضي على جيش المهدي. إذ بعد ساعات فقط من التفجير بدأت دوريات من أفراد جيش المهدي تجوب شوارع مدينة الصدر ببغداد. وقال بعضهم انه ترك عمله فورا استجابة لمناشدات القادة العسكريين ورجال الدين لحماية المساجد والسكان. وقال سكان عدة أحياء سنية في بغداد إن مجموعات من المسلحين الشيعة اخرجوا بعض السكان من المنازل والمساجد، التي احتل بعضها مسلحون شيعة، على الرغم من حظر التجول الذي فرضته السلطات. ونفي عضو في جيش المهدي، طلب عدم الكشف عن هويته، الاتهامات بأن الجيش قتل افرادا ينتمون للسنة بعدما وقعت تفجيرات سامراء، ووصف الادعاءات بأنها «شائعات من قوات الاحتلال لإدخال الشعب العراقي في حرب داخلية».

وتجدر الاشارة الى ان مشكلة الميليشيات كانت متناقضة دائما.فالأمر رقم 91 الذي اصدرته قوات الائتلاف المؤقت يحظر الميليشيات. وكان المفروض ان يسلم اعضاء 9 ميليشيات من بينهم منظمة بدر، وليس جيش المهدي، اسلحتهم وعرضت عليهم وظائف في قوات الأمن العراقية. ولكن لم يتم أبدا تسليم الأسلحة.

وفي شهر ديسمبر(كانون الاول) الماضي تم تسريح 160 عضوا في فرقة النظام العام الثانية، التابعة لوزارة الدفاع التي تضم 2000 ضابط، لاتهامهم بالتورط مع جيش المهدي. كما تم اغلاق فرقة الشؤون الداخلية التابعة للشرطة في مدينة البصرة في أواخر العام الماضي وسط اتهامات بأنها تدير فرقا للموت.

وكانت الميليشيات الشيعية المتنافسة ـ بما فيها جيش المهدي والقوات التابعة لحزب الفضيلة ـ قد تقاتلت علنا في شوارع البصرة، مما ادي الى مضاعفة معدلات القتل في المدينة في الشهور القليلة الماضية.

ويشير بعض المسؤولين الاميركيين والقادة العسكريين الى ضرورة مواجهة الجماعات. وذكر مسؤول اميركي عمل من قبل في قضية الميليشيات «يوجد قانون يشير الى ان هذه الامور غير قانونية، ويجب مواجهتها».

وقال الكولونيل جيفري سنو، قائد الكتيبة الاولى التابعة للفرقة العاشرة ومقرها غرب بغداد المضطرب، انه اتخذ موقفا متشددا تجاه ميليشيا، ولا سيما جيش المهدي، الذي يحمله مسؤولية الانفجار الذي وقع في شهر فبراير(شباط) وأدى الى مقتل جنديين أميركيين. وأضاف «ان الأمر الذي يحتل المرتبة الثانية بعد تشكيل الحكومة، هو التعامل مع تلك الميليشيات. ووجهة نظري الشخصية هي، انهم يشكلون أكبر المخاطر على تطوير قوات جيش وشرطة محترفة».

وأشار سنو الى سلسلة من الاجتماعات الحامية التي عقدها مع ممثلي جيش المهدي في الشهور الأخيرة. وأوضح «لقد قلنا لهم اننا لن نتساهل مع حملكم السلاح. ويمكنكم حماية أملاككم ولكن لا يمكنك مغادرة تلك الاملاك وانتم تحملون السلاح. وقدمنا لهم مثلا واضحا على الاشخاص الذين اعتقلناهم وهم يزرعون القنابل ويحملون اشارة جيش المهدي».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)