مصادر: سيناريوهان عسكريان لضرب إيران.. وجمع المعلومات على قدم وساق

إدارة بوش تتجاوز مرحلة التهديد وتضع خطط الضربات

TT

قال مسؤولون ومحللون مستقلون أميركيون إن ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش تدرس خيارات توجيه ضربات عسكرية الى ايران كجزء من استراتيجية القوة من أجل الضغط على طهران بغية تخليها عن برنامجها لتطوير التكنولوجيا النووية، موضحين ان توجيه هذه الضربات العسكرية ليس قريبا جدا. ويشعر كثير من الأخصائيين داخل وخارج الحكومة الأميركية بشكوك جدية بشأن ما اذا كان رد الفعل العسكري يمكن أن يكون فعالا. ولكن مسؤولي الادارة يعدون لذلك كخيار محتمل ويستخدمون التهديد «لاقناع» الايرانيين بأن هذا موقف جاد اكثر فأكثر، كما قال احد كبار المسؤولين.

ووفقا لمسؤولين حاليين وسابقين فان مخططي وزارة الدفاع (البنتاغون) ووكالة المخابرات المركزية (سي آي ايه) يدرسون الاهداف المحتملة مثل مشروع تخصيب اليورانيوم فى منشأة «ناتنز» ومنشأة تحويل اليورانيوم في أصفهان. وعلى الرغم من أن الغزو البري غير وارد فان ضباط الجيش يفكرون ببدائل تمتد من ضربة جوية محدودة في مواقع نووية أساسية، الى حملة قصف أوسع بهدف تدمير طائفة من الأهداف العسكرية والسياسية.

وتؤكد الاستعدادات للمواجهة العسكرية مع ايران كيف ان القضية تقدمت الى طليعة أجندة بوش وهو يصارع في حرب شاقة في العراق. ويصور بوش طهران باعتبارها خطرا جديا يجب التعامل معه قبل ان تنتهي فترة ولايته، وفقا لما قاله مساعدون، كما اعتبر البيت الأبيض، باستراتيجيته الجديدة للأمن القومي، الشهر الماضي ايران التحدي الأكثر خطورة الذي يطرحه بلد معين على الولايات المتحدة.

غير ان كثيرا من ضباط الجيش والأخصائيين ينظرون الى الحديث المتزايد عن استخدام القوة العسكرية بنوع من الاحتراس. ويحذرون من أن توجيه ضربة الى ايران يمكن أن تؤخر، في احسن الأحوال، برنامجها النووي سنوات قليلة ولكنها يمكن ايضا أن تثير مشاعر الرأي العام العالمي ضد الولايات المتحدة، خصوصا في العالم الاسلامي وداخل ايران بالذات، بينما تجعل من القوات الأميركية في العراق هدفا للانتقام. وقال كوري شيك الذي عمل في مكتب مجلس الأمن القومي للرئيس بوش ويقوم بالتدريس في الأكاديمية العسكرية في ويست بوينت بنيويورك «احساسي هو أن أي حديث عن ضربة جوية هو المناورة الدبلوماسية لمواصلة الضغط على الآخرين لانهم ما لم يساعدوا في حل المشكلة فان علينا أن نفعل ذلك».

ويعتقد آخرون ان الأمر أكثر من مجرد جعجعة وتهديد فارغ. وقال كورت كامبل المسؤول السابق عن القضايا السياسية في وزارة الدفاع ان «فريق بوش يتأمل الجانب العملي من الضربات الجوية ببساطة لأن كثيرا منهم يعتقدون أن الضربات الجوية هي الخيار الوحيد المطروح». وعلى الرغم من أن بوش يصر على انه يركز على الدبلوماسية في الوقت الحالي، فقد عبر في منتدى عام بكليفلاند الشهر الماضي عن استعداده لاستخدام القوة. ويتشاور بوش ايضا بصورة سرية مع أعضاء بارزين في مجلس الشيوخ حول الخيارات بشأن ايران كجزء من هدف اوسع لتغيير النظام، وفقا لتقرير سيمور هيرش المنشور في مجلة «نيويوركر».

واتخذت الحكومة الأميركية بعض الخطوات التمهيدية التي تتجاوز مرحلة التخطيط، وباتت مرحلة جمع المعلومات في ذروتها. وأشارت «واشنطن بوست» الى أن الجيش يرسل بصورة سرية طائرات استطلاع بدون طيار فوق ايران منذ عام 2004 ويستخدم الرادار والفيديو والتصوير الفوتوغرافي لتسجيل النشاطات النووية التي لا يمكن للأقمار الصناعية مراقبتها. وقال هيرش سابقا ان أوامر صدرت للقوات القتالية الأميركية للدخول الى ايران سرا لجمع المعلومات عن أهداف محددة، ولكن لم تؤكد مصادر ذلك للصحيفة.

كما بدأت الحكومة البريطانية تخطيطها الخاص لتوجيه ضربة جوية محتملة، دارسة الترتيبات الأمنية لسفارتها ومكاتبها القنصلية، والمواطنين البريطانيين ومصالح الشركات في ايران والسفن الموجودة في المنطقة والقوات البريطانية في العراق. ويشير المسؤولون البريطانيون الى أنه من غير المحتمل أن تشارك الحكومة البريطانية مباشرة في أية هجمات.

كذلك فإن إسرائيل تتهيأ لضربة عسكرية محتملة، فقد سربت الحكومة مؤخرا خطة طوارئ تقوم بموجبها بالهجوم لوحدها على ايران في حالة لم تبادر الولايات المتحدة بالقيام بذلك. وهي تشتمل على ضربات جوية وفرق كوماندو واحتمال استخدام صورايخ بل حتى كلاب تحمل متفجرات. وإسرائيل التي سبق لها أن ضربت مفاعل العراق النووي أوزيراك عام 1981 لمنعه من تطوير أسلحة نووية هيأت نسخة مطابقة للخطة السابقة للهجوم على المفاعل ناتانز حسبما قال الإعلام الإسرائيلي. لكن الاستراتيجيين الأميركيين يقولون إن إسرائيل لا تمتلك القدرة لتنفيذ المهمة بالكامل بدون استخدام أسلحة نووية.

ويبدو أن إيران أخذت التهديد بشكل جدي، إذ أطلقت الحكومة برنامجا لحماية مواقع أساسية مثل ناتنز وأصفهان وذلك من خلال بناء سقوف كونكريتية وأنفاق في الجبال ومواقع تمويه. وكانت إيران قد جربت في الفترة الأخيرة عددا من الصواريخ من نوع استعراض القوة.

أما رويل مارك غيرشت أحد خبراء «سي آي إيه» السابقين في شؤون الشرق الأوسط فقال إن «البنتاغون مقيد حاليا في العراق وأفغانستان. وأنا لا أظن أن أي شخص مستعد لاستخدام الخيار العسكري في هذه المرحلة».

ومع تدارس الإدارة الأميركية لهذا المسائل، يقوم المخططون بدراسة احتمال القيام بهجمات جوية محدود ضد المرافق التي لها علاقة بالنشاطات النووية بالترافق مع تهديد بضرب إيران في حالة ما إذا ردت على ذلك بهجمات إرهابية في العراق أو في أي مكان آخر. لكن هناك دعوات أخرى للقيام بحملة أقوى باستخدام صواريخ كروز تستهدف مقرات الاستخبارات الإيرانية والحرس الثوري وبعض المواقع الحكومية.

وأي هجوم واسع يتطلب من القوات الأميركية أن تشل النظام الدفاعي والقوة الجوية الإيرانيين وأن تتهيأ للدفاع عن قواتها البرية في العراق وأفغانستان وأن تحرك سفنها البحرية في الخليج حماية لحركة السفن. ويمكن للقوات الأميركية أن تطلق طائراتها من على ظهر حاملات طائراتها من قاعدة جزيرة دييغو غارسيا في المحيط الهندي وفي حالة استخدام طائرات الشبح فإنها ستأتي من أراضي الولايات المتحدة لكن إذا أراد الجنرالات استخدام مطارات في الشرق الأوسط فإنهم سيواجهون مصاعب كبيرة لإقناع تركيا كي تسمح قاعدتها في «أنجيرلك».

كذلك ناقش المخططون الحربيون إطلاق هجمات من العراق باستخدام الفضاء العراقي لكن ذلك سيثير ردود فعل غاضبة في العالم المسلم الذي قد يراه دليلا على أن الولايات المتحدة قد غزت العراق كي تجعله قاعدة لها.

وعلى العكس من الهجوم الجوي الإسرائيلي على مفاعل أوزريك العراقى فإن الهجوم على إيران سيكون أكثر تعقيدا لأن إيران نشرت مرافقها على مساحة واسعة داخل البلد حيث تتم حمايتها من قبل بطاريات مضادة للجو متطورة.

ويتدارس مخططو البنتاغون الكيفية التي يمكن من خلالها اختراق أهداف تقع على عمق 8 أقدام. فموقع ناتنز يحتوي على أكثر من عشرين بناية بما فيها قاعتان تحت الأرض بنيتا مع جدران يبلغ سمكها 6 أقدام ومن المفترض أن تكون محمية بواسطة سقفين كونكريتيين مع رمل وصخور ما بينها حسبما قال ادوارد لتواك الخبير في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية.

وقال كينيث بولاك المحلل السابق في «سي آي إيه» «ظل المخططون يرددون أنهم بحاجة إلى قنابل نووية قادرة على الاختراق لتدمير الأنفاق. هل بإمكاننا أن نكتفي بالأسلحة التقليدية؟ ربما نعم. لكن سيكون تنفيذ ذلك صعبا جدا». ولخص الجنرال المتقاعد سام غاردينر الخبير الذي يدرّس في جامعة الدفاع القومي خلال مؤتمر جرى ببرلين خطة تستغرق 5 أيام وتضرب 400 هدف باستخدام أسلحة تقليدية ضد المرافق النووية التي هناك ما لا يقل عن 75 منها بحاجة إلى استخدام قنابل خارقة للسطوح العميقة. وافترض أيضا أن البنتاغون سيضرب مصنعين لإنتاج المواد الكيماوية وقواعد لإطلاق الصواريخ الباليستية مع ضرب 14 مطارا مغطى كذلك ستكون هناك حاجة لاستخدام قوات خاصة حسبما ذكر. واستنتج غاردينر أن هجوما عسكريا لن يكون فعالا لكنه قال إنه على قناعة بأن الولايات المتحدة تتحرك بدون رجعة صوبه. وقال «إدارة بوش أصبحت قريبة من الخيار العسكري».

ويتوقع آخرون هجمة جوية جراحية واحدة من أجل عرقلة البرنامج النووي الإيراني. وقال مسؤول رفيع في الإدارة الأميركية إن عملية التطوير النووي في إيران «قابلة للتعطيل في أي وقت. لكن جزءا من المخاطرة تكمن في أننا لا نعرف ما إذا كان مفاعل ناتنز هو موقع التخصيب الوحيد. نحن بإمكاننا أن نقصفه لكن حتى مع الثمن السياسي الذي سندفعه لن يؤدي ذلك إلى توقف الإيرانيين».

وقال جوزيف سيرينسيون من «معهد كارنيجي للسلام العالمي» إن الهدف الأكثر احتمالا للضرب هو مفاعل «أصفهان» الذي زاره في العام الماضي والذي يبدو أنه يمتلك دفاعا خفيفا ومبني فوق الأرض. لكنه حاجج بأن أي هجوم سيقوي من إرادة إيران كي تطور أسلحة نووية. وقال «بغض النظر عما تقوم به فإنه على الأغلب سيسرِّع من برنامج القنبلة النووية أكثر من تدميره».

*خدمة «واشنطن بوست»- خاص بـ«الشرق الأوسط»