«السيناريوهات النووية الثلاثة»... العراق وإيران وكوريا الشمالية

TT

بين العراق ـ في عهد صدام حسين ـ وإيران وكوريا الشمالية، عدة قواسم مشتركة وأيضاً عدة نقاط اختلاف، ولا سيما على صعيد المناورة دولياً للاحتفاظ بالقدرة التقنية النووية.

أبرز القواسم المشتركة بين الدول الثلاث أن إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش «الإبن»، ذات القناعات الآيديولوجية الراسخة، اعتبرتها دول ذات أنظمة حكم مرفوضة وعدوانية وتشكل خطراً مباشراً على مصالحها الاستراتيجية. وبالتالي لحظت قيادات الدول الثلاث التي جعلتها واشنطن ضمن ما اسمته بـ«محور الشر» أنها في وضع صعب ومعقد إزاء الإدارة الأميركية المتشددة في مناوأتها.

> الحالة العراقية: الرئيس العراقي السابق صدام حسين كان لديه طموح نووي، وكان يسعى علناً لبناء قوى عسكرية ضاربة في منطقة الشرق الأوسط. وبالفعل أنفق أموالاً طائلة لبناء أرضية قدرات تقنية نووية بدعم أوروبي غربي. ولكن إسرائيل تنبهت بسرعة للأمر، وصبيحة يوم الأحد 7 يونيو (حزيران) 1981 نفذ الطيران الحربي الإسرائيلي عملية قصف تدميرية للمنشآت النووية العراقية على بعد عشرة أميال ونصف الميل جنوب شرقي بغداد. ووفق المعلومات أن العملية شاركت فيها 8 طائرات «إف 16» مقاتلة قاذفة تحمل كل منها 900 كلغ من القنابل الموجهة بالليزر، تغطيها 8 طائرات «إف 15» مزودة بصواريخ جو ـ جو من طرازي «سبارو» و«سايدوايندر». واستغرقت العملية 3 دقائق. بعد ذلك، خف الكلام عن الجهود النووية العراقية وتحول اللغط إلى السلاح الكيماوي، الذي أتلف الكثير منه بعد حرب تحرير الكويت. ولكن الدوائر الغربية ظلت تشك بنيات النظام العراقي، كما دأبت أوساط في المعارضة العراقية على الكلام عن قدرات نظام صدام الكيماوية وترسانة «أسلحة الدمار الشامل» التي يملكها. وفرض نظام التفتيش الدولي ومارس النظام العراقي «لعبة القط والفأر» مع المفتشين الدوليين متعاوناً تارة ومتمنعاً طوراً. كما صدرت عن أركان النظام مؤشرات متضاربة حول قدراته ومخزوناته العسكرية. واخيراً، بعد الحرب التي أسقطت النظام تبين أنه كانت ثمة مبالغات في الحديث عن قدرات العراق العسكرية، ولعلها كانت مبالغات تعمد النظام الترويج لها ردعاً لأي هجوم عليه.

> إيران وكوريا الجنوبية: الأسلوب الذي اعتمدته كوريا الشمالية وإيران أيضاً كان مختلفاً. فكل من البلدين نجح لفترة طويلة في المناورة مع المفاوضين الغربيين الدوليين في حالة إيران والأميركيين في حالة كوريا الجنوبية. كذلك كان هناك بضعة اختلافات أساسية بين وضعي ايران وكوريا الجنوبية من جهة والعراق من جهة ثانية.

منها مثلاً، الحجم الضخم لإيران نسبياً بالمقارنة مع العراق والطبيعة الدينية لنظامها الديني الذي يتمتع يتأييد شعبي أكبر من التأييد الذي كان يحظى به النظام العراقي، ذو القاعدة العائلية والعشائرية، شعبياً. أيضاً تحرك النظام الإيراني بذكاء بالغ عند أكثر من منعطف كان يواجه فيه منزلقات خطرة، لعل أهمها محاولة حركة طالبان ومن ورائها الاستخبارات الباكستانية والأميركية جره إلى المستنقع الأفغاني دفاعاً عن مصالح الهزارة الشيعة، لكن طهران سكتت عن قتل عدد من دبلوماسييها وسكتت عن ضرب ميليشيا الهزارة ومناطقهم، وفوتت على واشنطن وإسلام آباد فرصة توريطها. وبالنهاية وقعت أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001 وانقلب الوضع الأفغاني رأساً على عقب.

ولعبت إيران بذكاء ومكر في ملف العراق، وهي اليوم المستفيد الأكبر من إسقاط نظام صدام حسين ولمناصريها الأغلبية في البرلمان العراقي. وناورت مجدداً بمكر في موضوع ملفها النووي مستغلة اختلاف أولويات واشنطن ودول الاتحاد الأوروبي وموسكو إزاءها، واستفادت أيضاً من قنوات اتصال غير مباشرة مع واشنطن ومن بعض علاقاتها الإقليمية في المنطقة.

كوريا الشمالية، بدورها نجحت ـ مثل إيران ـ في كسب الوقت مستفيدة من تعقيدات الوضع الإقليمي في منطقة الشرق الأقصى رغم المجاعة التي عصفت بها لفترات غير قصيرة. فهي صعّدت واعتمدت استراتيجية «شفير الهاوية» لزرع القلق في نفوس اليابانيين، وتحييد الشارع بل كسب التعاطف القومي في كوريا الجنوبية، وإبقاء خطوط التفاهم التقليدي قائماً مع الصين. وخلال المسار التفاوضي الطويل سواء ضمن «مجموعة الست» (الكوريتان الجنوبية والشمالية والولايات المتحدة وروسيا والصين واليابان) أو في المفاوضات المباشرة مع المفاوضين الأميركيين والدوليين كان مفاوضو بيونغيانغ يرفعون السقف المطلبي مقابل التلميح تكراراً لاستعدادهم للتعاون وتقديم التنازلات، مما كان يؤدي إلى إضعاف الضغط الأميركي عليهم المرة تلو المرة.