بعد فوز اليسار... إيطاليا إلى أين؟

TT

حكومة من اليسار أم حالة جمود سياسي: سيناريوهان يحددان مصير الوضع السياسي الإيطالي بعد فوز ائتلاف رومانو برودي في مجلسي النواب والشيوخ. غير ان الائتلاف اليميني الذي قاده سيلفيو برلسكوني لا يزال متردداً في الإقرار بهزيمته. ولا يستبعد ان تعيش البلاد ازمة دستورية على مدى اسابيع عدة يسودها الترقب وعدم الاستقرار وصولا الى تنظيم انتخابات جديدة.

والمثير في الانتخابات التي جاء الإعلان عن نتائجها بـ«التقسيط» إعلانا درامياً، هو انها تدل بقوة على تشابه شديد في توجهات الايطاليين وإخوانهم الالمان. فالشعبان رفضا اعطاء تخويل كامل لأحد الجناحين المتنافسين على القبض على السلطة، سواء كان هؤلاء من ممثلي اليسار او اليمين. وكأن الايطاليين والالمان قد تعبوا من انماط الحكم والحكومات ذاتها، وباتوا اكثر رغبة بالتحرر وعدم الخضوع الى ادارة يمينية او يسارية. والمفارقة انهم قريبون من اخوانهم الفرنسيين، الذين تذمروا اخيراً على طريقتهم وأعربوا عن عدم استعداداهم للخضوع الى ادارتهم. هكذا تبدو شعوب «أوروبا العتيقة» صعبة القياد تواجه ازمة حكم قد تطول. ومع فارق 25 ألف صوت تقريبا عن اليمين، حصل الائتلاف اليساري وفق قانون الانتخابات الإيطالي على 340 من اصل 630 مقعدا في مجلس النواب، وهي اكثرية مريحة. كما ان فوز برودي ورفاقه بأغلبية مقعدين في مجلس الشيوخ ، تعزز حظوظه بترؤس الحكومة المقبلة التي يعتقد انها ستكون هشة الى حد لن يكون من السهل ابقاءها متماسكة رغم العواصف السياسية التي ستهب عليها من هنا وهناك. يُذكر ان الفوز بالأغلبية في احد مجلسي البرلمان لا يتيح للمنتصر ان يشكل الحكومة، فلوا بقي برلسكوني متقدماً في مجلس الشيوخ كما بدا الأمر حتى فجر امس، لتحطمت احلام خصمه بالعودة الى السلطة. جدير بالذكر ان برلسكوني هو الذي كان وراء تمرير قانون جديد يتيح للفائز بأغلبية ضئيلة في مجلس النواب ان يشكل الحكومة. وكانت الانتخابات الأخيرة قد تمت على اساس اسلوب «التمثيل النسبي» الذي كانت اتبعته قبل سنوات عدة ثم كفت عن الأخذ به. واللافت ان هذه المرة الاولى ايضاً التي استطاع فيها المغتربون الايطاليون انتخاب ممثليهم فبي البرلمان. وينص جدول الاعمال السياسي على اجتماع مجلسي البرلمان الجديد اعتبارا من 28 ابريل (نيسان) لتحديد رئيسيهما وتشكيل الكتل البرلمانية. وخلال 15 يوما، اي قبل 13 مايو (أيار) يفترض ان ينتخب البرلمان رئيسا جديدا للجمهورية مع انتهاء ولاية كارلو تشامبي التي استمرت سبع سنوات في 18 مايو. ويشكل اختيار شخصية قادرة على الحصول على الأصوات اللازمة للفوز بالمنصب اول اختبار للقوى السياسية الممثلة. وفي غياب مرشح آخر، يمكن اعادة انتخاب تشامبي الذي يحظى برضى كافة الاطراف. ويلعب الرئيس الجديد دورا حاسما في الأحداث اللاحقة، فإليه يعود تكليف رئيس الوزراء.

ويصعب توقع ما سيكون عليه الوضع بعد فوز اليسار في مجلسي النواب والشيوخ. فقبل الانتخابات، اعلن برودي رفضه تشكيل «ائتلاف كبير» على الطريقة الالمانية. وقال حينها «اذا كانت النتائج متقاربة، ينبغي اعادة الانتخابات». وكان اليميني الوسطي بيار فرديناندو كاسينو رفض هو الآخر سيناريو تشكيل ائتلاف واسع. صحيح ان برودي اكد قدرته على تشكيل حكومة تدير البلاد لخمس سنوات، وهي مدة الولاية التي يحق للفائز بالانتخابات ان يبقى خلالها في السلطة. لكن لم يتأخر المراقبون في داخل ايطاليا وخراجها الى تسليط الضوء بعد دقائق من اعلان النتائج على احتمال تراجع الزعيم اليساري عن المضي بهذ الخيار الصعب وقبوله بتشكيل «الائتلاف الكبير» مع خصومه اليمنيين. ويمكن لرئيس الدولة ان يسعى قبل ذلك الى تشكيل حكومة تكنوقراط. لكن الأحزاب الرئيسية ترفض هذه الفكرة التي يؤيدها بعض كبار المسؤولين السياسيين. ويفترض خلال هذه الفترة تنظيم انتخابات بلدية في 28 و29 مايو في1267 بلدية، وتجديد السلطات في ثماني مقاطعات وفي جزيرة صقلية. وقبل نهاية يونيو (حزيران) يفترض تنظيم استفتاء حول التعديل الدستوري الذي يمنح مزيدا من الصلاحيات لرئيس الحكومة وبعض الصلاحيات الى المناطق.