صبية غزة يحولون قذائف المدفعية الإسرائيلية الفارغة إلى مصدر للرزق

TT

في مشهد سريالي، يكمن عدد من الصبية خلف الكثبان الرملية، التي تقع في المنطقة الواقعة شرق بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، ينتظرون بدء المدفعية الاسرائيلية المتمركزة على الخط الفاصل بين قطاع غزة واسرائيل، على بعد خمسة كيلومترات من هذه الكثبان، عملية قصف المنطقة، ثم يندفعون بسرعة فائقة نحو القذائف المتساقطة، لالتقاطها رغم ارتفاع درجة حرارتها. ويحرص كل واحد من هؤلاء الصبية على الوصول الى القذيفة، قبل أن يصل إليها بقية الصبية. والدافع وراء حرص هؤلاء الصبية على اقتناء هذه القذائف، ليس مجرد الاحتفاظ بها كمقتنيات للذكرى، بل لبيع الاطار المعدني الخارجي الذي يحيط بالعبوة المتفجرة لهذه القذائف لتجار الخردة، حيث إن هذا الاطار مصنوع من الألمونيوم، ويبلغ ثمن الاطار الواحد عشرة شواكل (اكثر من دولارين)، وهو مبلغ كبير جدا في ظل الظروف والاوضاع الاقتصادية السيئة للغاية الناجمة عن الحصار الاقتصادي المفروض على حكومة حركة «حماس». والامر الذي يصعب تصديقه، هو أن هؤلاء الصبية يتحركون وسط الكثبان الرملية، رغم تواصل سقوط القذائف على المنطقة، بلا مبالاة واضحة، ليس هذا فحسب، بل انهم لا يتوقفون عن اطلاق النكات. وما يثير الاستهجان في جرأتهم، هو أن هؤلاء الصبية يحاولون استدراج طائرات جيش الاحتلال من دون طيار، لكي تقوم بإطلاق الصواريخ في المناطق التي يختارونها هم، حيث أن هذه الطائرات تطلق صواريخها بناء على المؤثرات الحرارية الصادرة عن الهدف المنوي اصابته. ويقوم الاطفال بإطلاق كلاب في مناطق التماس لتقوم طائرات الاستطلاع بإطلاق صواريخها على هذه الكلاب، وذلك من اجل الحصول على الصاروخ الفارغة وبيعها في سوق الخردة بسعر اكبر. والواضح تماماً أن الذي يدفع هؤلاء الصبية للقيام بمثل هذا العمل، ومواجهة كل هذه المخاطر الكفيلة بارجاعهم الى منازلهم في أكفان، هو الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، التي تفاقمت بعد قرار دول الاتحاد الاوروبي بقطع المساعدات المالية عن السلطة الفلسطينية عقب تشكيل حكومة «حماس».

الى جانب هذا الشكل غير المألوف من المخاطرة الذي يقدم عليه هؤلاء الصبية، فإن هناك من الصبية الذين تتراوح أعمارهم بين السادسة عشرة والثامنة عشرة من يخاطر بمحاولة التسلل الى داخل اسرائيل للعثور على عمل هناك، ومنهم من ينجح في التسلل الى داخل اسرائيل، ومنهم من يلقى حتفه عندما تعاجله طائرات الاستطلاع بصاروخ ذكي، أو تتم اصابته بقذيفة مدفعية، أو يعتقل بعد تجاوزه الخط الفاصل بين القطاع واسرائيل. لكن رغم تحمله من أشكال المخاطرة، إلا أن هذا يدل على التأثير المحدود لاطلاق القذائف والمدفعيات على معنويات الفلسطينيين، وهذا تحديداً ما دفع العديد من جنرالات جيش الاحتلال الى المطالبة بإعادة تقييم سياسة القصف المتواصل على شمال قطاع غزة ضمن حملة «السهم الجنوبي»، التي صادق على تنفيذها رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود اولمرت لوقف اطلاق الصواريخ من قطاع غزة على البلدات اليهودية في منطقة النقب الغربي.