تشاد : الرئيس ديبي يؤكد إحباط هجوم المتمردين على نجامينا

المتمردون لـ«الشرق الأوسط»: انسحابنا مؤقت للتفاوض مع الفرنسيين

TT

اكدت السلطات التشادية أمس انها احبطت هجوما لمتمردي الجبهة الموحدة للتغيير على العاصمة نجامينا التي استعادت هدوءها بعد معارك عنيفة استمرت ساعات. وقال الرئيس ديبي، متحدثا عبر الإذاعة التشادية وإذاعة فرنسا الدولية: «تم القضاء كلياً على أرتال المتمردين .. الوضع تحت السيطرة تماماً» ووعد أن تجري الانتخابات الرئاسية في موعدها المقرر الشهر المقبل. وأوضح مؤكدا انه مازال في قصره في نجامينا «ليس هناك شيء، ليس هناك شيء اطلاقا (..) حصل اطلاق نار بالاسلحة الخفيفة قرب الجمعية الوطنية، هذا كل شيء (..) رصدت ثلاث آليات ودمرت على الفور». وتابع ديبي «هناك فارون سيرا على الاقدام دخلوا (الى نجامينا) وتم القبض عليهم (..) لم يعد هناك ارتال (من المتمردين)، الرتل دمر كليا».

إلى ذلك قال مستشار إعلامي ضمن الائتلاف الذي يشكل حركة التمرد التشادية، امتنع عن ذكر اسمه، في حديث هاتفي لـ«الشرق الأوسط» إن قوات التمرد أسقطت مروحية تشادية خلال الاشتباكات التي وقعت صباح أمس في العاصمة التشادية نجامينا بين قوات التمرد والجيش الحكومي. وقال المصدر إن القوات والطائرات الفرنسية تدخلت في القتال الذي دار بشكل مباشر، مشيراً إلى أن «الطائرات الفرنسية قصفت مواقع أمام تقدم القوات بشكل يبدو تحذيريا بدون إيقاع إصابات في صفوف قوات التمرد» وقال المستشار إن المتمردين دخلوا في مفاوضات مع الجيش الفرنسي «لإيجاد حل سلمي للأزمة .. ولإبعاد الاقتتال عن العاصمة» ولكنه أصر على أن المتمردين لن يرضوا بحل لا يتضمن اسقاط الرئيس التشادي الحالي إدريس ديبي. وقال إن الزحف سوف يتجدد على العاصمة «بشكل مؤكد» في حال فشل المفاوضات مع الفرنسيين. وقال إن فرنسا تعلن رسمياً أنها تدافع عن الرئيس، ولكنها في الحقيقة تفاوض للدفاع عن مصالحها في المنطقة بغض النظر عمن يصل إلى الحكم، «إنهم يلعبون على الجهتين لضمان الحصول على دعم الجهة الأقوى» ونفى المستشار أن تكون حركة التمرد تتلقى أي دعم من الجانب السوداني، مشيراً إلى التسليح الخفيف الذي صاحب الهجوم على العاصمة. وأشار إلى أن قوات التمرد كان بإمكانها السيطرة على العاصمة لو أنها مدعومة أو مسلحة من قبل الخرطوم. وذكر المستشار أن قوات التمرد انسحبت مؤقتاً على بعد 15 إلى 20 كيلومتراً خارج العاصمة في انتظار ما تسفر عنه المفاوضات. ويبدو بناء على تصريحات الجانبين أن الوضع المتأزم في محيط العاصمة التشادية نجامينا عاد إلى الهدوء ظهر أمس بعد أن اندلعت معارك عنيفة في الصباح بين الجيش التشادي ومتمردي الجبهة الموحدة للتغيير، حسب ما افادت مصادر متطابقة. وذكرت وكالة الصحافة الفرنسية عن شهادات حصلت عليها عبر الهاتف ان «الوضع هدأ». لكن المتمردين أصروا على أن زحفهم مستمر. وقد صرح متحدث باسم «الجبهة المتحدة للتغيير» في حديث للاذاعة الفرنسية من باريس بأن قواته تتقدم حاليا باتجاه القصر الرئاسي في نجامينا. وتردد أن ديبي ما زال في المدينة معتمدا أساسا على 1200 جندي فرنسي في المستعمرة الفرنسية السابقة. وكانت الحكومة الفرنسية قد عززت يوم الاربعاء قواتها في تشاد بنحو 150 رجلا إضافيا وست طائرات عسكرية من قواعدها في الغابون.

وقد افادت مصادر مفوضية الاتحاد الافريقي بان مجلس السلام والأمن في الاتحاد اجتمع بشكل «طارئ» بعد ظهر أمس «لمناقشة آخر المستجدات في تشاد». وقال مدير مركز ادارة الازمات في الاتحاد الافريقي، القاسم وان، لوكالة الصحافة الفرنسية «وجهت دعوة لعقد اجتماع طارئ لمجلس الامن والسلام لمناقشة الوضع وآخر المستجدات في تشاد».

وتأتي هذه التطورات عقب اندلاع قتال عنيف عند الضواحي الشمال الشرقية من العاصمة التشادية (نجامينا) بين الجيش الحكومي وقوات المتمردين العازمة على الإطاحة بالرئيس إدريس ديبي. وذكر سكان في العاصمة ان القتال يدور حيث مقر البرلمان ومجمع فندقي يديره ليبيون. وقالت ستيفاني هانكوك، مراسلة «بي بي سي» في نجامينا، إن المباني في وسط العاصمة تعرضت للقصف.

ولاحظت مراسلة وكالة الصحافة الفرنسية ان مروحيات وطائرات حربية فرنسية من طراز ميراج اف ـ1 كانت تحلق في اجواء العاصمة. وكان متمردون قد توعدوا بالإطاحة بالرئيس إدريس ديبي قبل إجراء الانتخابات المزمع إجراؤها في غضون ثلاثة أسابيع. وتتهم حكومة تشاد السودان بدعم المتمردين، وهو ما تنفيه الخرطوم. وتقول مراسلة «بي بي سي» من وسط المدينة إن دوي القصف استمر طوال الصباح كما ترددت أصداء طلقات الأسلحة الآلية في ضواحي المدينة. وتفيد التقارير بأن رتلا من قوات المتمردين تمكن من دخول المدينة وواجه مقاومة من القوات الحكومية. وهرع حينها الرعايا الأجانب إلى مراكز الإجلاء في المدينة. كما اتخذت قوات فرنسية مواقع لها داخل العاصمة. وقال دبلوماسيون ان كلا من الامم المتحدة والسفارة الأميركية تعتزم اجلاء الموظفين غير الضروريين عندما يسمح الوضع. ولزم معظم السكان منازلهم وكانت حركة السيارات محدودة.

ودخلت نجامينا في حالة تأهب يوم الاربعاء حينما تقدم متمردون باتجاه العاصمة بعد موجة من هجمات الكر والفر خلال الايام الثلاثة الماضية. إلى ذلك أصدرت النمسا (الرئيس الحالي للاتحاد الاوروبي) بيانا أمس يدين أعمال العنف في جمهورية تشاد (وسط أفريقيا). وقالت النمسا إن «أي محاولة للاستيلاء على السلطة باللجوء إلى القوة مرفوضة» منددة بشكل خاص بدخول متمردين مسلحين مخيم اللاجئين «جوز أمير» الواقع على بعد 95 كيلومترا من الحدود السودانية. ودعا البيان جميع الدول في المنطقة لا سيما تشاد والسودان إلى اتخاذ الخطوات الضرورية لتهدئة الوضع. وأكد البيان أهمية مفاوضات السلام في أبوجا بنيجيريا «التي وصلت إلى مرحلة حاسمة حاليا».

وتزود فرنسا «الحكومة المنتخبة بطريقة شرعية» والتي يرأسها الرئيس إدريس ديبي بمعلومات ترسلها طائرات الاستطلاع الفرنسية التي تحلق فوق المنطقة التي يدور فيها القتال. وكانت مصادر عسكرية بارزة في باريس قد أفادت يوم الاربعاء بأنه في أعقاب هجمات جديدة شنها المتمردون في تشاد وضعت فرنسا قواتها في هذه الدولة الواقعة في وسط أفريقيا في حالة تأهب قصوى وأعلنت أن تعزيزات عسكرية في طريقها إلى هناك. وأعلنت وزارة الخارجية الفرنسية أن باريس تدين «كل محاولة للاستيلاء على السلطة من خلال العنف».

وفي الوقت الذي اندلعت فيه معركة نجامينا دارت معارك اخرى فجرا على بعد 800 كلم شرق العاصمة في مدينة ادريه عند الحدود مع السودان وفق مصادر من الوكالات الانسانية. واعلن مندوب الجبهة الموحدة للتغيير لوانا غونغ لوكالة الصحافة الفرنسية في باريس ان طائرات فرنسية قصفت أمس مدنا شرق تشاد يسيطر عليها المتمردون ما اسفر عن سقوط عدد غير محدد من الضحايا المدنيين.

من جهة أخرى نفى السودان دعم المتمردين في «الجبهة الموحدة للتغيير» الذين توعدوا باسقاط نظام الرئيس ادريس ديبي. واكد مسؤول في الجيش السوداني، رفض الكشف عن هويته، لوكالة الصحافة الفرنسية «لا ندعم اي طرف تشادي ضد آخر ولا علاقة لنا بما يجري في تشاد». وجدد القول ان الخرطوم لا تدعم المتمردين المعارضين للرئيس ديبي الذين يواجهون الجيش في ضاحية العاصمة. وعلى العكس، فان قوات الجيش السوداني، كما قال، ردت الى التشاد متمردين تشاديين كانوا على الاراضي السودانية. وقال «ان وحدة مشتركة من الشرطة والجيش طردت تشاديين من المعارضة المسلحة في غرب السودان الى تشاد قبل ثلاثة ايام».

ويتحدر ديبي من قبلية زاغاوا، احدى ابرز القوى داخل حركة التمرد في دارفور. وقد وقع السودان وتشاد اتفاق سلام في الثامن من فبراير (شباط) برعاية ليبيا والاتحاد الافريقي. وتعهد كل من الطرفين بعدم «استخدام اراضي الطرف الاخر لانشطة معادية» وبعدم «استقبال متمردين من كلا البلدين على اراضي البلد الاخر».