المخبرون يزاحمون الصحافيين في المؤتمرات

يشتركون في البحث عن المعلومة.. ويختلفون في طريقة التصرف بها

TT

في مؤتمر صحافي عقد في العاصمة المغربية الرباط، كان رئيس حزب ناشئ يجلس في المنصة وهو ينظر إلى الصحافيين الحاضرين واحدا واحدا، ويبتسم لهم. كان يعرفهم جميعا إلا واحدا جلس في الخلف وهو يسجل شيئا ما على ورقة.

وعندما بدأ الصحافيون في توجيه أسئلة، تجرأ ذلك الجالس في الخلف لإلقاء سؤال رأى أنه سيعزز به معلوماته، غير أن رئيس الحزب الحديث سأله عن الصحيفة التي يعمل بها، فارتبك الرجل وقال إنه من وزارة الداخلية، وهو ما حول المؤتمر الصحافي على مؤتمر للضحك.

رئيس الحزب نصح «مبعوث وزارة الداخلية» ألا يلقي في المستقبل أسئلة مباشرة في مؤتمرات مخصصة للصحافيين، وقال إنه عرفه منذ البداية، وكان عليه فقط أن يسجل معلوماته ثم ينصرف، من دون أن يحشر نفسه في الحديث عن موضوعات لم يوجه الحزب في شأنها دعوة خاصة لوزارة الداخلية.

المخبرون عادة ما يختلطون مع الصحافيين، وربما يبدو الصحافي في كثير من الأحيان وكأنه يمارس عمل المخبر إلى حد يثير الشبهات. فخلال المظاهرات أو المسيرات الاحتجاجية أو الاضطرابات الاجتماعية، يسجل المخبر والصحافي المعلومات نفسها تقريبا. وفي تظاهرات مثل يوم العمال في اول مايو (أيار) يقف المخبرون والصحافيون جنبا إلى جنب وهم يسجلون الشعارات المكتوبة على اللافتات، ويراقبون المشاركين والمتحمسين والخطباء الأكثر حدة والتصريحات الأكثر إثارة. غير أن مصير تلك المعلومات والأخبار يكون مختلفا. تذهب معلومات المخبر إلى الدهاليز وظلمات المخافر، وتذهب معلومات الصحافي إلى صفحات الجرائد تحت ضوء الشمس.

وفي مظاهرة احتجاجية نظمت أخيرا في الرباط، كان متظاهرون يقفون أمام مقر البرلمان وهم يهتفون ضد أميركا وإسرائيل، بينما وقف صحافيون قربهم يسجلون كل شيء، ووقف المخبرون أيضا وهم يسجلون الأشياء نفسها، غير أنهم وقفوا بعيدين بحوالي 10 أمتار، وكأنهم قطط سرقت أسماكا من المطبخ وخافت أن ترميهم صاحبة المنزل بمقلاة على رؤوسهم.

في أحيان كثيرة يثير المخبرون المغاربة السخرية. يرتدون بذلات وربطات عنق تشي بهم قبل أن تشي بهم أفعالهم. بذلات ذابلة بربطات عنق منحرفة. أحذية قديمة وأكبر من الحجم الحقيقي لأرجلهم وكأنهم يبحثون في قرارة أنفسهم عن حجم أكبر لأنفسهم ومهامهم. نظارات سوداء من صنع صيني لا يتعدى سعرها ثلاثة دولارات تباع على الأرصفة في شوارع الرباط أو أية مدينة أخرى. تظاهر فج بالذكاء والأهمية وهم يتكلمون في هواتفهم النقالة بتصنع مثير للاستهزاء. وفي مظاهرة نظمتها أحزاب مغربية ضد اجتماع الحلف الأطلسي في الرباط، ظل مخبر يتكلم في هاتفه النقال أزيد من نصف ساعة وهو يشرح لرؤسائه ما يحدث وكأنه يصف لهم وقائع اجتياح القوات العراقية للكويت. فاتورة الهاتف يؤديها بسطاء المغاربة من الضرائب الكثيرة التي يؤدونها، بينما المظاهرة لا تستحق الوصف أكثر من بضعة أسطر على ورقة. المخبرون الأغبياء يكلفون الكثير. ورؤساءهم يكلفون أكثر. في المظاهرة وقف مخبر مبتدئ خلف نخلة مثل سارق دجاج، وهو يسجل ما يجري على ورقة حمراء. ربما المخبرون وحدهم يفضلون الكتابة على أوراق حمراء، وكأنهم يتذكرون الأوراق الحمراء التي سيرفعها رؤساءهم في وجوههم إذا لم يأتوا بالمعلومات اللازمة.

الناشطون الحقوقيون المغاربة يختلفون نسبيا في النظر إلى دور المخبر، أو تقارب مجال عمله مع عمل الصحافي في مجال جمع المعلومات، مع الاختلاف العميق في الجوهر طبعا. ويرى صلاح الوديع، الناشط الحقوقي المغربي، أن «المخبرين في جميع بلدان العالم يطلب منهم جمع المعلومات من دون تعسف على القانون. فالمخابرات تشتغل في العالم كله، لكن من المفروض أن يكون ذلك في إطار احترام القانون. أما الصحافي فدوره مختلف عبر احترام المهنة وأخلاقها، وتنوير الرأي العام عبر إعطاء أخبار موثوقة». ويضيف الوديع «في جميع الأحوال هناك أخلاقيات مفروضة على الصحافي والمخبر في آن، لكن لا يمكن أن نطلب من الصحافي أن يكون مخبرا، أو من المخبر أن يقوم بدور الصحافي».

وحول استخدام حاسته السادسة من أجل تمييزه بين مخبر وصحافي يجلسان في مكان واحد، قال الوديع إنه لا مشكلة لديه نهائيا من مسألة حضور مخبرين، وأنه يفضل أن يترك حاسته السادسة لأشياء أهم، والأهم هو أن يقوم كل منهما بدوره وباحترام ضميره المهني لكي يتوقف في عمله، إضافة إلى الاحترافية في العمل.

واعتبر الوديع أن مسألة التعاطف مع مخبر أو تفهم مجال عمله تتعلق بطبيعة البلد الذي ينتمي إليه المخبر. «إذا كان ينتمي إلى بلد ديمقراطي فإنه يقوم بعمله ولا يتطلب مني ذلك أدنى تعاطف، وإذا كان ينتمي إلى دولة مستبدة فلا يمكن أن أتعاطف معه إطلاقا»، يقول الوديع.

أما أمينة بوعياش، التي انتخبت أخيرا امينة عامة للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، فتستخدم حاستها القانونية أولا وليس حاستها السادسة في التمييز بين المخبر والصحافي، وتقول «لا مجال للحاسة السادسة هنا، بل للأوراق والقوانين. فالمخبر يجب أن يكشف عن نفسه في الندوات والاجتماعات على أوراق تخصص لذلك، والشيء نفسه بالنسبة للصحافي. لكن حين لا يحدث ذلك فإن البراءة هي الأصل، ولا يمكنني استخدام حاستي السادسة في أمور شخصية، أو مرتبطة بقضايا الشأن العام، لأن اعتمادها مسألة غير احترافية وتمس بمبدأ البراءة الذي هو الأصل في حقوق الإنسان».

وحول إمكانية تفهمها لعمل المخبر في المغرب تقول بوعياش إن القوانين تنظم المهن، والمخبر يزاول مهنة بقوانين واضحة.

وعلى الرغم من التشابه الكبير في المهنتين، إلا أن المفارقة هي أن التوجس كبير بين الطرفين. فالمخبر يحاول ما أمكن أن يبتعد عن الصحافي حتى لا يكشف سر مهنته، والصحافي يعتبر نفسه مستهدفا من طرف المخبر، غير أنهما يحومان معا حول نفس الفريسة: المعلومات والاخبار.