إسلاميو الأردن يطمحون في تشكيل الحكومة المقبلة

بعد تقدم الإخوان في مصر وفوز حماس وازدهار الأحزاب الإسلامية في العراق

TT

تماشيا مع التطورات السريعة في ثلاث دول مجاورة، يتقدم الاسلام كقوة سياسية الى قلب الاحداث في الاردن، حيث تعتبر حكومته حليفا متعاونا مع الولايات المتحدة، غير ان النشطاء الاسلاميين يحتفظون بمشاعر سلبية تجاه واشنطن واسرائيل.

والطريق نحو مزيد من النفوذ، وربما سلطة سياسية مسيطرة، من الممكن أن يتم هذا العام عبر الانتخابات البلدية المفترض ان تجري في نهاية العام الحالي، وانتخابات البرلمان في عام 2007، طبقا لما ذكره المراقبون السياسيون. ولم تتحدد بعد قوانين الانتخابات البلدية والبرلمانية، وسيكون من شأن القواعد والشروط التي ستعلن الكشف عن المدى الذي سيذهب اليه الاردن في نشر الديمقراطية في مواجهة مد الاسلام الاسلامي.

وكانت الشرطة قد اعتقلت يوم الأحد الماضي، ولفترة قصيرة، عشرات من النشطاء في الحزب الاسلامي القانوني الوحيد في الاردن، وهو جبهة العمل الاسلامي، كانوا يوزعون منشورات للاحتجاج على ارتفاع اسعار النفط. ودعت المنشورات الى اغلاق المحلات، ولكن رد الفعل كان ضعيفا.

وكان ازدهار الاحزاب الاسلامية في العراق، ونجاح الاخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية في مصر في العام الماضي، واخيرا انتصار حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية قد اقنع قادة جبهة العمل الاسلامية بإمكانية تطلعهم للسلطة هنا. وقال زكي سعد، زعيم الحزب «ليس لدينا فقط الحق في المشاركة في الانتخابات، ولكن تشكيل الحكومة اذا ما فزنا. الاسلام السياسي هو جزء كبير من الشعب العربي، ونحن نمثل قطاعا كبيرا من الاردنيين».

وتكهن سعد انه إذا ما كان على حزبه تحقيق مكانة مسيطرة في الحكومة، فإن علاقات الاردن مع كل من الولايات المتحدة وإسرائيل ستتغير. وكان الاردن قد وقع معاهدة سلام مع اسرائيل في عام 1994. وأوضح سعد: «موقفنا واضح. نرفض هذه المعاهدة لأنها ضد مصالح الاردن الوطنية. ولكن سنتحرك بحذر. سنطالب بإجراء استفتاء عليها». وبالنسبة لواشنطن قال: «ليست لدينا أية مشكلة لفتح حوار، ولكن لمصلحة الاردن».

ومثل هذه التوجهات متماشية مع باقي الحركات الاسلامية الناشئة في الشرق الاوسط وتعكس واحدة من المخاطر في حملة الرئيس الأميركي جورج بوش لنشر الديمقراطية في المنطقة فكلما زادت قوة الاحزاب الاسلامية، كلما زاد التهديد بإنهاء التحالفات الموالية لاميركا. وسيخسر الأردن كثيرا اذا ما أبعد نفسه عن واشنطن. فهو يتلقى مساعدات اقتصادية اميركية ووقع اتفاقية تجارة حرة في عام 2000 ادت الى تنشيط الاقتصاد والاستثمارات. ولكن العديد من الاردنيين عانوا من جوانب اخرى من السياسة الاميركية، كما أشار المحللون.

وقد أدت الحرب في العراق الى مشاكل في العلاقات التجارية بين العراق والاردن، ولا سيما النفط الذي كان يحصل عليه بأسعار مخفضة كثيرا خلال حكم صدام حسين. والتصور بأن المسلمين السنة في العراق، قد خسروا في الغزو الاميركي لبلادهم، قد أثر على الرأي العام هنا، حيث ينتمي معظم الاردنيين الى نفس المذهب.

والأكثر من ذلك، يمثل الفلسطينيون نصف سكان الاردن البالغ عددهم 6 ملايين شخص تقريبا، وهم ممثلون بمعدلات كبيرة في جبهة العمل الاسلامي. وبصفة عامة يعتبرون السياسة الاميركية تجاه اسرائيل مضرة للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة. ويتعاطف الحزب مع حماس، التي تعتبرها الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي منظمة إرهابية. وقال سعد: «لدينا مشاعر خاصة تجاه حماس في مواجهة المشروع الصهيوني».

ومن الصعب تحديد قوة الحزب بالضبط، بالرغم من انه يمثل أكبر قوة في البرلمان حيث يحتفظ بـ 17 مقعدا من بين 110. ويتفق المحللون على انه اكثر احزاب الاردن تنظيما، ومن المحتمل ان يصبح عملاقا انتخابيا، لأن احزاب الاردن الاخرى، وعددها 32 حزبا، تنتشر بها الفوضى. وقال نبيل قمحاوي، وهو محلل سياسي وناشط في مجال حقوق الانسان: «هذا هو النموذج التقليدي في الشرق الاوسط. الاسلاميون أقوياء بسبب ضعف الطرف الآخر».

ومن المقرر أن يدرس البرلمان التغييرات في قوانين الانتخابات المحلية هذا الربيع، وهي التغييرات التي ستجعل جميع المناصب البلدية عن طريق الانتخاب. كما ان تغيير قانون الانتخابات البرلمانية، المقررة في العام الماضي، الذي يجري دراسته الان سيلغي المقاعد المخصصة لجماعات مثل المسيحيين والقبائل ويسمح للمقترعين بالاختيار من قائمة من المرشحين طبقا لنظام وصفه الاردنيون بأنه «صوت واحد لكل شخص».

وفي الفترة السابقة على الانتخابات البلدية، ابتعدت جبهة العمل الاسلامي عن النظريات الاجتماعية المسببة للخلافات، مثل ارتداء المرأة للحجاب، ومنع الخمور، وتغيير مناهج الدراسة لتعكس المعتقدات الاسلامية أكثر من ذلك. وبدلا من ذلك تستغل الادراك بأن الحكومة الاردنية والدائرة المحيط بالملك فاسدة. ولعبت معاداة الفساد دورا اساسيا في جاذبية حماس بالنسبة للناخب الفلسطيني.

وتجدر الاشارة الى ان الحزب هو جناح من الاخوان المسلمين في الاردن، وهي حركة بدأت في مصر قبل 80 سنة، وألهمت الجماعات السياسية الاسلامية عبر الشرق الاوسط. وبما ان الجبهة الاسلامية كانت قانونية هنا منذ فترة طويلة، فإنه من السهل مراقبة كيف تعمل لتوسيع دائرة جاذبيتها. وهي تجند نشطاء شبابا وتدربهم على المعتقدات الاسلامية والانجازات الحرفية.

فمصطفى مبارك مثلا، ناشط من الاخوان المسلمين تدرب لمدة خمس سنوات «لم يكن الامر صدمة بالنسبة لي. الامر الذي تدعونا اليه الجبهة للقيام به هو تطبيق القرآن الكريم. ليس عن طريق القوة ولكن عبر الحوار.» ومن وجهة نظر مبارك، الفرق بين الحزب الاسلامي والجماعات العلمانية، هو ان اعضاء الاخوان والجبهة يعيشون برنامج العمل الاخلاقي والسياسي طبقا للشريعة الاسلامية. واوضح مبارك الذي اعلن بفخر انه أقنع أمه بتغطية رأسها «نحن لا نعيش حياة متناقضات».

وبدأ مبارك، وهو شاب في الثالثة والعشرين من عمره، أسرته من جذور فلسطينية، الدراسة في مراكز تحفيظ القرآن ثم انضم الي جماعة الكشافة الاسلامية. واوضح لقد «علموني المساواة الاجتماعية وانه يمكن ان اصبح شيئا ما في يوم من الايام».

ويعمل مبارك على تجنيد شباب آخرين في الجامعة، ومستعد للمشاركة في حملة الانتخابات البلدية والبرلمانية لصالح المرشحين المسلمين. وقد جذب نشاطه انتباه الشرطة، وقال ان الشرطة استدعته في الاونة الاخيرة، وسألوه عن اشخاص قابلهم، ونصحوه بالتوقف. وقال: «موقفنا قانوني. الحدود مفتوحة أمامنا».

وتستفيد الجبهة من ارتباطه بالمنظمات الخيرية والتعليمية التابعة للاخوان المسلمين، الممولة عبر التبرعات.

وفي مدرسة اركام، وهي مؤسسة تعليمية تقبل التلاميذ من الابتدائية حتى انتهاء المرحلة الثانوية، كان خليل عسكر، ناظر المدرسة، حذرا بخصوص ربط النشاطات الاجتماعية للاخوان بالطموحات السياسية. وقال: «نبقى بعيدا عن السياسية. هذا الامر تتولاه جبهة العمل الاسلامي. بالطبع المدارس مثل مدرستنا. تشجع الناس علي التصويت للسياسيين الاسلاميين. ان الايديولوجيات الاخرى جربت حظها في الشرق الاوسط وفشلت. الاسلام هو الحل».

وتصل أسعار التعليم في المدرسة الى 700 دولار في العام، وهو عشر ما يمكن ان يدفعه الاباء لتعليم اولادهم في مدارس مشابهة غير دينية. وقال عسكر ان المدرسة تقدم «تعليما اسلاميا وتربية. لا توجد لدينا فضائح هنا».

وبعد انتهاء المرحلة الابتدائية، ترتدي الفتيات الحجاب والقفطان، بالرغم من ان عسكر قال ان هذا الزي اختياري، ويجري فصل البنات عن الاولاد. وقال نعتقد ان ذلك احتراما للمرأة. يمكنهن الحديث مثلما يريدن ويتصرفن كما يرغبن».

وقال ان الدروس الاكاديمية تتماشى مع الفكر الاسلامي. ففي فصل لدراسة العلوم كانت الفتيات يناقش الاحياء في اطار التعليم الاسلامي. وقلنا «نرفض نظرية النشوء والتطور. الله خلق الانسان وبدأ الناس كبشر من البداية»، كما اوضحت بتول احمد علي.

وتدير الجمعيات الخيرية للاخوان عيادات طبية في الاحياء الفقيرة التي تقدم علاجا وادوية وتوسعت في تقديم الطعام والوظائف والملابس المدرسية.

ويدير فواز مزراوي، وهو ناشط في الاخوان، عيادة طبية في حي جبل نصر العمالي. وهو مكان نظيف تنتشر على حوائطه الايات القرآنية والنصائح الصحية. وقال ان الهدف هو دعم وليس التنافس مع خدمات الدولة. وأوضح: «يجب علينا ان نكون عادلين. يمكن للحكومة تقديم المزيد من الرعاية الشاملة. ولكن نعبئ الفراغ».

وقال في رده على سؤال لم يسأله أحد: «لسنا إرهابيين. نحن هنا لتقديم خدمات».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»