نهر أبي رقراق في الرباط يطوي سنوات الإهمال

TT

تزيد الأنهر التي تمر بالمدن وتشطرها نصفين من جمالية ووداعة تلك الحواضر باعتبارها متنفسا طبيعيا ومنظرا جماليا يخفف من طابعها المدني، وهناك أنهر اشتهرت شهرة المدن التي أقيمت عليها، وتعدّت دورها الجغرافي كمنبع مائي لتتغلغل في التاريخ والشعوب ونمط الحياة، فما يعنيه النيل للمصريين يتعدى كونه نهرا عظيما يُعتمد عليه في الزراعة والصناعة بل هو ملهم الشعراء والكتاب ورفيق الباعة المتجولين والمزارعين الكادحين وأصحاب العمارات الفارعة، ومؤنس العشاق في نزهاتهم.

أما نهر أبي رقراق الذي يفصل مدينة الرباط عن ضاحيتها، سلا، فقد كان مصيره الإهمال بأقصى درجاته، تعدى كونه إهمالا لنهر يمر بعاصمة البلاد ولم ينل نصيبا من التخطيط والتشييد على ضفتيه، بل عكست حالته وجها غير حضاري لمنبع طبيعي يعد معلمة من معالم البلاد. وبعد طول انتظار أعلن عن مشروع تنموي ضخم يخص منطقة النهر تقدر موازنته بـ10 مليارات درهم مغربي «أكثر من مليار دولار» ينجز على مدى أربع سنوات.

وهذا المشروع العمراني والتنموي الكبير مدين بالفضل في انجازه للعاهل المغربي الملك محمد السادس، الذي لم يكن راضيا عن حالة النهر المزرية.

ولأن النهر عانى من الإهمال لسنوات وعقود فقد ارتأى الملك محمد السادس أن تعوض تلك الفترة بمشروع تنموي هائل كالذي أُعلن عنه أخيرا.

يعي المغاربة أهمية هذا النهر الذي اختلطت مياهه بدماء أسلافهم حين اضطروا لرد العدوان الأوروبي الذي كان موجها بصفة خاصة نحو مصب أبي رقراق، في وقت نشطت حركة القرصنة، وهو ما جعل جل آثار مدينة الرباط، والتي أنشئت بالأساس لمواجهة البواخر الأوروبية مثل قصر الأوداية ومدافعه وسور المدينة، تشيد على ضفة النهر العتيق لتأتي بعدها الآثار ذات الطابع الحضاري، كصومعة حسان، والضريح المجاور له.

وقد سمي بأبي رقراق نسبة لدويلة أبي رقراق التي وحدت عدوتي الرباط وسلا. وإذا كانت دينامية الحياة وصخبها لم تتوقفا في الرباط يوما، فإن النهر ظل بعيدا عن ضجيج المدينتين المطلتين عليه وبقي يراقب حركة السير الخانقة على القناطر المقامة فوقه، متحديا إياها بزوارق صغيرة تتحرك بالمجداف اليدوي تنقل الناس من ضفة لأخرى، بأسعار زهيدة أغلبهم جاء للنزهة على ضفاف تحمل عبق الماضي. والنزهات على ضفة النهر تتخللها وجبات السمك وجلسات نقش الحناء وقراءة الطالع، وبين الحين والآخر تهب نسمات باردة من البحر تختلط بنسمات النهر.