السياحة في لبنان.. إمكانات مميزة وجهود رسمية متواضعة

TT

هل يُعقل ان تعاني السياحة في بلد رائد في مجال الاعلان مثل لبنان من ضعف تسويقي رغم ميزاته وتسهيلاته وحركته الثقافية النشيطة، وإن كنا نجد رقعة جغرافية تتمتع ببحر يعانق الجبل وبمواسم مهرجانات وحفلات فنية، لا تنقصها وسائل التسلية واللهو. ورغم كل التسهيلات التي تقدمها الحكومة لجذب المزيد من السياح تبقى بعض المشاكل والعقبات التي تعيق لبنان عن تصدر قائمة دول المنطقة في المجال السياحي.

وبغية استعراض «الشرق الأوسط» وجهات نظر المختصين في هذا المجال توجهنا بالسؤال عن الخطط الذي يضعها اصحاب وكالات السفر لجلب السياح الى لبنان. جورج باتركيان (مالك ومدير عام شركة تانيا ترافل) قال: «الدعاية هي اهم عنصر لجلب السياح الى لبنان، وربما ينبغي لوزارة السياحة والحكومة القيام بحملات دعائية اقوى في سبيل تحسين صورة لبنان في الخارج، ليعرف العالم انه يعتبر من اكثر البلدان أمناً في العالم، كما ان نسبة الحوادث والجرائم فيه تعدّ اقل من غيرها بكثير، مقارنة بالدول الاخرى، لذا من المؤسف الا نجتهد لكي نبرزه في احلى صورة، وان نهمل الدعاية القوية التي تفسّر طبيعة لبنان وتبرر اهم خصائصه ومزاياه وجماله، وبأنه يتمتع بأهم الخدمات في العالم حيث اننا شعب مضياف ونحب المساعدة، اضافة الى ان اسعارنا مقبولة بالنسبة لاوروبا كما ان فنادقنا تعد اهم من غيرها».

ويضيف باتركيان: «وكالات السفر عاجزة وحدها عن جلب السياح، فهي تقدم الاسعار والعروض المقبولة التي ترضي السائح لكن إذا كان البعض منهم لا يعرف ما هو لبنان وما اذا كان موجوداً على الخريطة فما عساها تفعل؟ وكيف يمكنها ان تغري الناس لتجلبهم الى لبنان اذا كانوا هم غير راغبين في المجيء لعدم معرفتهم بما يحتويه من امكانات سياحية ومناطق جميلة واثرية.. فاللبناني طالما تميز بحسن الضيافة وتعدد الثقافات واللغات التي تخوله التفاهم والاتصال مع مختلف الشعوب. لذا ما ينقصنا هو جهد اكبر لتقديم دعاية اقوى واشمل تسترعي انتباه الراغبين في السياحة وتغريهم بالمجيء الى لبنان».

وعن وكالات السفر ومحاولاتها المستمرة لتنشيط السياحة، قال حسان هارون (مدير عام وكالة ناسيونال للسفر والسياحة) «العقبات كثيرة رغم ان الدولة قامت ببعض الاجراءات المشكورة وسمحت لعدد كبير من رعايا الدول بالدخول الى لبنان من دون تأشيرة مسبقة، لكن هذا لا يكفي. مع العلم أن جميع الشركات تتصل وتقوم بكل ما بوسعها لجلب السياح إلاّ أن الشركة هي قطاع خاص مستفيد وتجاري، ومع غياب بعض التسهيلات من قبل الحكومة يخفّ اندفاعها لأنها لا تحصل على مردود يمكنها من خلاله المثابرة أو الأمل في الافضل كون الضرائب مرتفعة جداً مقارنة مع الدول المجاورة، فلبنان يُعتبر أغلى البلاد من حيث ضرائب المطار، وهذا يعدّ من أحد وأهمّ الاسباب عدم وجود عدد اكبر من السياح، كما ان رسوم الدخول إلى الاماكن السياحية مرتفعة ايضاً وغياب الاعفاءات الضريبية المؤمنة للمشاريع السياحية خففت من الاستثمار فيها والمشاكل كثيرة يطول شرحها». وفيما يخصّ الخطط التي تقوم بها وكالات السفر لاستقطاب السياح يضيف هارون: «نتصل بعدد كبير من المكاتب في الخارج ونرسل لهم عروضاً ونتفق مع مجموعة من الفنادق كذلك مع شركات الطيران لنقلهم لكن حتى اليوم لم نلمس شيئاً جاهزاً، والسبب في ذلك أن السائح الأوروبي بشكل عام يجهّز سفرته قبل 12 شهراً، بينما نحن في لبنان يأتينا السائح من دون أن ندرك ماذا سنقدم له من برامج سياحية لعدم معرفتنا بكيفية النظام السائد، بالاضافة الى اننا لا نستطيع أخذ اسعار الفنادق قبل ثمانية اشهر من الموعد المحدد ولا حتى أسعار التذاكر، فكل شيء قابل للتغيير. وهذه المشكلة التي نواجهها في لبنان، هي مشكلة «التوقيت»، التي تتعارض مع عادات السائح الاوروبي بالإجمال، فعادة الذي يتأخر في حجزه يأتي الى لبنان، نحن نأخذ فضلات الدول. والاعتماد الأساسي عندنا يقتصر على السائح الخليجي، ومن المعروف انه خلال فصل الصيف تحجز كلياً جميع فنادق العاصمة من قبل المصطافين العرب وبالاخص الخليجيين»، مضيفاً «في مطلع يناير (كانون الثاني) الى اواخر سبتمبر (ايلول) يكتظ لبنان بالمصطافين والسياح من مختلف البلدان واكثر المناطق التي يحب السياح زيارتها هي العاصمة بيروت ثم بعلبك في البقاع وجبيل وبيت الدين في جبل لبنان، حيث يبقى السائح الخليجي معظم اوقاته في الشوف ومنطقة صوفر وبحمدون وعاليه، ويبقى حوالي اربعة اشهر، والمدة تتراوح حسب ارتباطات العمل او المدارس. يمضي السائح الغربي في لبنان بالاجمال حوالي عشرة ايام او اسبوعين.

اما عن اللبنانيين والبلدان التي يسافر اليها عامة المواطن اللبناني فهي: سورية ومصر وتركيا واليونان وقبرص بنسبة كبيرة، تليها بعض العواصم الاوروبية ثم ماليزيا وسنغافورة. ويعقب هارون: «ان الوضع سيتحسن تلقائياً بعد اربع او خمس سنوت عندما يدخل لبنان اتفاقية الغات، فعندها فقط تصبح لدينا انظمة جديدة للتأشيرات، وهذه الخطوة ستكون حتماً ايجابية لتطور السياحة في لبنان». وعن السياحة وكيفية تطويرها نحو الافضل، يقول عبد الجوني: مدير عام لمؤسسة سياحية «قمنا بدراسة اقتصادية على نطاق لبنان فلاحظنا حاجات القطاع السياحي; السياحة ليست فقط ملاهي ليلية انما ايضاً معالم ثقافية. وبعد البحث ارتأينا ان السياحة البحرية فيها شيء من الثقافة، بالاضافة الى اننا نملك شاطئاً من اجمل الشواطئ الموجودة في المنطقة، لكن لسوء الحظ ما زلنا نعاني من قلة وعي لدى المواطنين، فلو كان بحرنا نظيفاً لكنا نملك أهم سياحة بحرية في المنطقة. وكمحاولة لتشجيع السياح لقضاء بعض الوقت الممتع في نوع آخر من السياحة بدأنا نؤجر يخوتاً مع الطاقم الخاص بها. أسطولنا متنوع، واليخوت لا تقتصر على الاغنياء بل اردنا ان نشمل جميع انواع السياح، لذا أتينا بعدد كبير من اليخوت، بمختلف الاحجام لتناسب كل زبون واحتياجاته وامكاناته المادية. الجدير بالذكر ان لبنان يحتوي على العديد من الاماكن التي يمكن زيارتها من خلال السياحة البحرية، فمثلاً لدينا شواطئ الارانب في الميناء ـ طرابلس. بالاضافة الى العديد من الجزر الاخرى، كما ان مدينة صور تحتوي مياهها ما يمكن رؤيته بالعين المجردة واذا كان البحر صافياً. وبفضل السياحة البحرية بات السائحون ينوّعون مشاريعهم، فهناك نسبة كبيرة تمضي نهاراتها في البحر، وتتوقف عند مختلف المنتجعات، تقصدها لتناول الطعام فيها او لممارسة نشاطات اخرى، فنحن نؤمن كل مستلزمات الراحة لهم، وهدفنا تشجيع السياحة في لبنان واعطاء فكرة عنه وعن ميزات هذا البلد. ومنذ بدأنا بهذا المشروع لدينا نسبة عالية تتخذ البحار منفذاً لها لتمضية نهارها. وبعد الاحصاءات التي اجريناها تبيّن لنا ان 15 في المائة من الخليجيين يقصدون هذه السياحة فيما يقصدها 80 في المائة من الاوروبيين و10 في المائة من اللبنانيين».

تبعا لكل ما سبق من آراء المختصين لا يقلل هذا من كون لبنان طليعيا في مجال السياحة منذ أواخر القرن التاسع عشر، حيث كان وما زال مقصداً للراغبين في اعتصار عبق التاريخ وفنونه متمثلة في آثاره الضاربة في القدم والتمتع بمشاهده الخلابة وكرم أهله وحسن ضيافتهم. ويبدو ان لبنان استعد هذا العام لاستقبال زواره كما يليق بهم وبسمعته، وذلك بإعداد البرامج الترفيهية المختلفة في قراه ومدنه من عروض فلكلورية ومهرجانات وتسهيلات وخدمات عالية الجودة.