السياحة اللبنانية في عيون سعودية: انزعاج من الفوضى والاستغلال والمبالغة في الحرية مقابل تقدير للأجواء الثقافية والخيرات الطبيعية

TT

انخفض وجود السعوديين في الدول الأوروبية هذا الصيف بشكل ملحوظ، مما استجوب سؤالاً عن وجهة العرب في هذه العطلة، ليأتي الجواب من بيروت التي ازدحمت شوارعها بالسيارات السعودية، وامتلأت أسواقها ومقاهيها بالرجال وهم يرتدون الجلابيب والنساء متدثرات بالعباءات. فما هو سر كثرة السعوديين في لبنان هذا الصيف؟ هل ان ارتفاع الأسعار في أوروبا عكس اتجاههم نحو العاصمة اللبنانية، أم أن لبنان يقدم ما لا يجده السائح العربي في الدول الأوروبية؟ وجهات النظر اختلفت. البعض أعلن حبه للمدينة وسيعاود الرجوع والبعض الآخر لن يأتي الصيف المقبل.

وتقول إحدى السيدات السعوديات لـ«الشرق الأوسط»:«اخترت الصيف في بيروت لان أجواءها مناسبة لي ولأولادي بوجود البحر والجبل، وفيها أنشطة وأماكن للأطفال وبرامج ترفيه ورياضة. فيها كل شيء من مطاعم جميلة وأسواق مختلفة. كنت في الماضي أذهب إلى جنوب فرنسا وماربيا في اسبانيا أما الآن فليس بإمكاني قضاء فترة طويلة مثل الماضي، لذا أكتفي بقضاء 15 يوما في أوروبا وباقي الإجازة في بيروت وذلك بسبب ارتفاع الأسعار. واشعر أن الخدمات السياحية هنا ممتازة جدا وكل شخص يحاول المساعدة لتقديم الأفضل».

لكن السيدة تستدرك موضحة «أما من ناحية الحرية فأنا أشعر بالخوف على اولادي لانعدام القيود في الأماكن العامة، ولقاء المال يمكن للمراهقين الحصول على المشروبات الكحولية والنرجيلة (أرجيلة) لكن في أوروبا لا أخاف عليهم لأن الأوروبيين يحترمون الأنظمة».

أما عن السلبيات فتقول السيدة إنها تعاني من زحمة المدينة والضجيج، «إضافة إلى أساليب غير نزيهة للحصول على المال ولو بالاحتيال من قبل البعض ناهيك من قلة الأقمشة على الأجساد. ما ترتديه النساء هنا لم أره حتى في أوروبا وهذا ليس جيدا، لأن الزائر يعتقد أن أغلب اللبنانيات بهذا الشكل ويذهب الصالح ضحية غير الصالح».

كذلك لفتت السيدة الى أزمة الشقق المفروشة، حيث لاحظت وجود مبان كثيرة مهدمة بإمكانها أن تصبح شققا جميلة للسياح في الصيف، كما لاحظت أن مستوى الشقق المفروشة غير مناسب وإذا كان مناسبا فان الأسعار خيالية». لكنها استدركت قائلة:«بالطبع سآتي الصيف المقبل. من الناحية الاقتصادية تبقى بيروت معقولة جدا بالمقارنة بأوروبا. فنجان القهوة هناك بسعر غداء هنا».

وقالت سيدة أخرى «هذه أول وآخر مرة أقضي عطلة الصيف هنا في بيروت، عادة كنت أسافر إلى أوروبا وبسبب الأوضاع الاقتصادية والأمنية غيرت مخططاتي لكن لم أرتح في لبنان. أشعر أن خطأ ما يسيطر على إقامتي، لا أدري ما هو؟ ربما التأقلم في المعيشة صعب، أم أنني لم أتعود بعد على النظام هنا. كل يوم أفكر بمليون طريقة كي أقرر نشاطي يومي ونشاط أطفالي. حتى المنزل الذي استأجرته لقضاء عام كامل، حولت إيجاره إلى شهرين فقط. لكن إن كنت سأعود، لن آتي في الصيف بل في الشتاء هربا من زحمة السياحة. وزوجي لم يجد الراحة أيضا ربما بسبب كثرة الخليجيين. عندما كنا نذهب إلى أوروبا، كنا نشعر أننا في إجازة لا نرى نفس الوجوه التي نراها في السعودية، وفي لبنان عندما ندخل مطعما يجب أن نلقي التحية على كل شخص فيه».

وأقرت السيدة أن «الخدمة ممتازة، وهناك قصة لرجل سعودي طلب صحن فاكهة في مطعم وكان سعره في الفاتورة 200 دولار وقدم شكوى الى السفارة السعودية» واعتبرت أن «سر وجود السعوديين كلهم في منطقة وسط بيروت (السوليدير) يعود إلى كونها أصبحت نقطة التقاء والعرب يحبون مشاهدة بعضهم البعض وهذا يحدث في أي بلد في العالم». وشبهت الوسط التجاري بحديقة «هايد بارك» في لندن وشارع الشانزليزيه في باريس وله خصوصيته، وقد تعود المصطافون على الاجتماع في مقاهيه من الساعة الثامنة إلى بعد منتصف الليل وقبل ذلك أي من الساعة الخامسة تجدهم في مركز «الديون» غرب بيروت فهذه هي الفرصة الوحيدة التي تمكنهم من الشعور بالحرية ولقاء الأصدقاء وممارسة رياضة المشي».

ولا تشعر السيدة ان لبنان اعد عدته مائة في المائة للسياحة لكنها تقر بوجود تحسن وتتوقع ان تكون السنة المقبلة أفضل على الصعيد السياحي، وهي ايضاً تخاف من الحرية اللبنانية وتحديدا على ابنتها المراهقة.

لكن البعض ينصف أجواء بيروت وحريتها فيقول: بيروت مدينة فيها أنشطة كثيرة للشاب والشابات، رغم ان معظم الأهالي يشتكون من عجزهم عن أقناع أولادهم بممارسة نشاط رياضي أو ثقافي وكأن هناك سحرا في «السوليدير» يدفعهم إلى التسكع في طرقاته والذوبان في زحمته عوضا عن القيام بأي نشاط آخر».

وتبقى فئة ثالثة متأرجحة بين قبول المدينة ورفضها، وتقول إحدى المصطافات «كنت اقضي إجازة الصيف في بريطانيا واسبانيا لكن بسبب ارتفاع الأسعار في أوروبا قررت أن اقضي إجازة الصيف في لبنان لأن كل صديقاتي يأتين إليه كل صيف مما شجعني على الحضور. لكنني أصبت بخيبة أمل عندما أتيت إلى بيروت، الوضع في المدينة لم يناسبني، النشاطات اليومية ضعيفة جدا والشيء الوحيد الذي وجدته هنا هو السهرات الليلية، لكني لا أريد ان أقضي إجازتي كلها في السهر. وأنا أحب السير كثيرا والشوارع ليست مهيأة لذلك، كل النزهات تحتاج إلى سيارة. وشكل المدينة أزعجني، فيها مبان كثيرة قديمة ومهدمة. وزحمة الشوارع أيضا مزعجة جدا. أظن أن بيروت تحتاج إلى المزيد من الوقت لتهيئ نفسها لهذا الكم الكبير من السياح».

ولأن وسط بيروت هو الأكثر جذبا للمصطافين بدأ يشكل مصدر إزعاج لمن تعود هدوء أوروبا.. تقول إحدى المصطافات «منطقة السوليدير مزعجة، فيها كمية هائلة من الناس ومن كل المستويات ولا يمكن التنزه في شوارعها بسبب الزحمة، إضافة إلى خطر التعرض لمضايقات من الشباب. وأولادي لا يشعرون بالراحة كثيرا، فهم تعودوا نمط حياة أكثر نظاما. وهذه آخر مرة أقضي إجازة الصيف هنا».

وتضيف: «من ناحية السكن كان من المستحيل أن أجد بيتا للإيجار بسعر معقول. هذه أيضا مشكلة لأن السياحة هنا كثرت وغالبية السعوديين يريدون تأجير شقق مفروشة لأنها أرخص من الفنادق. والشقق المفروشة التي وجدتها كان مستوى الخدمات فيها ضعيفا جدا. لكن الأسعار معقولة جدا مقارنة بأوروبا».

عبد الله، 16 سنة، يفضل أيضا أن يقضي إجازة الصيف في أوروبا أكثر من بيروت، لكنه وجد الحل وأعلن انه يحب الذهاب إلى الجبل لأن الجو أجمل وأقل زحمة من العاصمة.

لكن محمد وهو سعودي وعمره 22 سنة يقضي كل صيف في بيروت ويحبها كثيرا ويقول «ان فيها سراً وجاذبية» لكنه يشتكي من «الفساد والتفلت من ناحية اللبس والتصرفات، الى درجة ان مثل هذا السلوك اصبح عاديا في كل مكان» ويضيف: «لا يمكن أن يصبح التفلت عادياً، ونحن سواء في لبنان او في السعودية ابناء مجتمع عربي وشرقي، فمن الصعب علينا أن نتقبل هذا. ومن السهل أن ينجرف أي شخص الى هذا الجو ويتأثر سلبيا».

ويبدي محمد انزعاجه من المعاملة في بيروت، إذ يناديه الجميع «يا شيخنا» لكنه يوضح «هي غلطة السعوديين وليس اللبنانيين، لأنهم يأتون هنا ويبذخون بأموالهم بشكل غير معقول ولا يراجعِون الفواتير». ولا تقتصر رؤية السعوديين في لبنان على السلبيات، اذ تقول مصطافة سعودية: «كل صيف أقضيه في بيروت مع عائلتي وأحب لبنان كثيرا لأنه بلد عربي بطابع أجنبي، ويوجد فيه كل شيء، الجو يجمع الصيف والشتاء. الخدمات ممتازة الشعب يساعد ويلبي كل الطلبات. ومقارنة بأوروبا اجد لبنان أجمل كثيرا واقل كلفة، المناطق الجبلية أيضا جميلة لا أجد في أوروبا ما أجده هنا. وعندما أصرف فلوسي أشعر أن كل شيء له قيمته. هي أيضا مدينة فيها حياة ليلا ونهارا وفي نظري هي قطعة من الجنة لولا الدمار».

وتضيف: «بيروت من ناحية الثقافة ممتازة فيها معارض ثقافية كثيرة وجلسات شعرية وآثار ومن الممكن التنقل بين المناطق بسهولة مثل قضاء عطلة آخر الأسبوع في الجبل أو في منطقة الأرز وهي في غاية الجمال» مؤكدة ان «كل شيء موجود في أوروبا موجود في لبنان لكن هنا مع خدمات أفضل وجو أجمل، وللأطفال ايضاً هي ممتازة توجد فيها رحلات صيفية يستفيد منها أطفالي لأنهم يختلطون مع أشخاص مختلفين ويتعلمون لغات اجنبية بسهولة، وأشعر أن شخصيتهم كل صيف تنمو وتتقدم. فهي مدينة تجمع كل شيء وسرعة التغير والتقدم فيها قوية كل سنة تختلف عن قبلها وهذا يرجع إلى الشعب اللبناني الطموح والمثقف. ولا يوجد أي بلد عربي مثله».