عاليه .. عروس المصايف اللبنانية أطلقت أضواءها

مدينة سياحية تجمع التراث بالحداثة وصخب الحياة وتستضيف خلال اشهر الصيف مايزيد على مئة الف سائح

TT

عادت عروس المصايف «عاليه» الى واجهة السياحة مع بدء موسم الحرّ، فافتتحت مقاهيها ومطاعمها على وهج الاسهم النارية واغاني المطربين وقرقعة مياه النراجيل والاضواء المرسلة من كل حدب وصوب. وغصت الطاولات المطلة على شارعها الطويل بالزائرين من اللبنانيين والسياح العرب. ويعتبر الشارع الممتد من مدخل منطقة عاليه الجبلية من اطول الشوارع في لبنان، فهو يبدأ مع مجموعة المقاهي الواقعة على جانبي الطريق ليمر بالسوق التجاري المتنوع. ولا ينفصل عنه على خط مواز الشارع الداخلي الذي يجمع المحلات القديمة. وقد اعيد ترميم واجهاتها الخشبية الموحدة، لاحياء التراث القديم والشكل الهندسي الذي يرجع الى فترة العشرينات من القرن الماضي. وتتوزع في عاليه عشرات المقاهي والمطاعم. وفيما ينضم عدد كبير منها الى قائمة المؤسسات العالمية التي بات اسمها معروفا في مناطق متنوعة من بيروت على غرار «Starbucks» و«kfc»، يبرز القسم اللبناني الذي باتت استراحاته معروفة لدى السياح الوافدين من الدول العربية اكثر منهم من ابناء لبنان انفسهم. وقد لا يختلف اثنان على جمال التصميم الهندسي لمطعم «الجنة» الذي حرص اصحابه على طابعه الشرقي القديم عند تزويده بقبب ذهبية وزوايا تشبه الخيم العربية. وفي حين يعود هذا الجو بمرتادي المطعم الى مجد الموسيقى والغناء وسط اغان كلاسيكية يؤديها عدد من المطربين الواعدين ويحمل مطعم « petit bateau » المحاذي له زائريه الى داخل البحر حيث يرتكز في هندسته على شكل الباخرة السياحية، وقد خصص لموظفيه لباس البحارة الموحد. الى غيرهما من مراكز السهر التي انشئت في السنوات الاخيرة مع عودة «عاليه» الى طابعها الاصطيافي بعد ان نفضت عنها غبار الحرب اللبنانية.

وقد يلاحظ مرتادها ازدياد عدد مطاعمها سنة بعد اخرى، حتى ان الموقف الذي كان يتسع منذ سنوات لمئات من السيارات تحول الى مقهى واسع عند مدخل المدينة. وفي حين تعبق هذه الاماكن بدخان النراجيل الاّ انها تجمع بين دورها كمقهى وتقديمها لاشهى المأكولات اللبنانية. وبينما يبلغ ارتفاع «عاليه» عن سطح البحر 850 م معدلا وسطيا، فهي تتمتع خلال فصل الحر بجو ليلي مميز يخلو من رطوبة العاصمة بيروت، وهو ما يدفع عشرات الالاف اليها من دون اي منطقة اخرى .

واذا اتسعت المقاهي لعدد كبير من الناس فتبقى للرصيف الواسع حصة مضاعفة من المشاة، وتتوفر لهؤلاء محلات الارصفة لبيع المثلجات والعصائر، الى اخرى تقدم طابعاً تراثياً خاصاً عبر توزيعها صواني الصاج لخبز المناقيش اللبنانية.

وتبلغ المساحة الفاصلة بين عاليه وبيروت حوالي 15 كلم، مما لا يحتاج الى اكثر من ربع ساعة لبلوغها. وقد يدفع ازدحام السير عند مدخلها الى المكوث اطول من هذه المدة في السيارة، الاّ ان كثيرين من يركنون سياراتهم خارجها قبل ولوج المدينة لكسب الوقت. وقد وفر المجلس البلدي لعروس المصايف وسائل لتسهيل التنقل، منها عربات الكهرباء وعربات الخيل، اضافة الى الدراجات الهوائية. ويتخذ الكثيرون من هذه الوسائل اسلوبا للتمتع بضوضاء الشارع السياحي قبل الوصول الى مقهاهم المفضل او ذلك الذي يجدون مكاناً شاغرا فيه.

وقد عرفت «عاليه» السنوات الماضية مواسم سياحية مزدهرة بحسب امين سر المجلس البلدي عصام عبيد، وهو يستند في ذلك الى الحجوزات الكاملة في فنادقها وشققها المفروشة، اضافة الى انتعاش عامل الاستثمار على اراضيها، خصوصاً ان غالبية المصطافين العرب باتوا يحرصون على ابتياع الاراضي التي تصلح لبناء قصور فخمة لهم، او يشترون الشقق الجاهزة في الابنية الحديثة. وقد ساعد على اجتذاب المستثمرين، على حدّ قول عبيد، ما حافظت عليه «عاليه» من تراث ميّز بناءها وشوارعها. حيث أبقت على الساحات القديمة باسمائها المعروفة مثل «عين التفاحة» التي تعود الى حوالي 700 عام ، الى جانب اعادة الشكل الطبيعي لعيون ماء جفت على مرّ السنين. ولا يختلف عن ذلك انتشار البيوت التراثية المصممة من الحجر الصخري والقرميد في جيع ارجائها وسط مساحات خضراء واسعة ويضيف: «ما يضيف على عاليه تميزا انها تقع عند تقاطع طرق اساسية، تربط بيروت بسورية عبر خط دولي يفتح طرقاته كذلك بين الجنوب والبقاع اللبناني، وهو ما يجعل منها موقعاً استراتيجياً ومقصداً عاماً». ويتوقع المجلس البلدي موسما صيفيا واعدا لهذا العام، وهو ما تترجمه مؤشرات متعددة ذكر عبيد في مقدمتها الاقبال المضاعف للمستثمرين العرب، الى جانب الميل الى التملك والاستقرار في المدينة، الى معلومات بشأن الحجوزات المكثفة للعام الحالي على جميع الاصعدة.

وفي حين تعج «عاليه» بالمصطافين في هذا الوقت من كل عام، الاّ انه يؤكد على بدء تكريس الـ« Full time» اي الدوام الكامل للمطاعم اعتبارا منتصف شهر يوليو (تموز)، معتبرا ان كل ما يمر قبل هذا الوقت يقع على هامش الموسم. وهو يتابع ان سكان «عاليه» البالغ عددهم 40 الفا يستضيفون خلال فصل الصيف عددا من الزوار قد يصل الى المائة الف خلال اشهر الذروة وفي ايام نهاية الاسبوع. وبينما ترضي «عاليه» جميع الاذواق كل يوم حتى ساعات الفجر الاولى يبقى للاسرة، وفق ما اشار عبيد، اهتمام خاص افردته لها البلدية، مؤمنة وجود وسائل ترفيه للاولاد واحواض سباحة واندية فروسية وملاعب رياضية، الى جانب ما تسعى اليه للعام الحالي من افتتاح حديقة للحيوانات. ويشير الى ان «عاليه» تملك في هذا الصدد مركزاً خاصاً للتعرف على الحياة البرية تتيح امكانياته امام كل راغب بدراسة انواع مختلفة من الحيوانات المتوفرة لديه.

كما يسعى المجلس البلدي الى تعميم الطابع السياحي للمدينة على مدار السنة، من خلال توفير كافة المستلزمات المسهلة لمن يقطن المدينة للتنعم بجمالها خلال فصل الشتاء ايضاً، خصوصاً انها تربط العاصمة بالجبل المثلج في هذا الموسم البارد، الى جانب كونها جامعة لفروع متعددة من المؤسسات الاكاديمية الرسمية والخاصة لمختلف المراحل الدراسية، بشكل يتيح للمالك العربي امكانية الاستقرار، صيفاً وشتاءً، اضافة الى استمرار السوق التجارية في نشاطها خلال جميع الاشهر. وقد رأى عبيد كذلك ان «عاليه» تجمع التراث والاصالة بالحداثة، مع اصرار القيمين عليها على تأمين كل متطلبات العولمة والعصر الراهن.