مواسم الفرح الكويتي تشتعل في بحمدون اللبنانية بالشعر والغناء والمسابقات والنشاطات العائلية

TT

شكلت فعاليات المهرجان الكويتي الثاني فسحة سياحية وثقافية وفنية في بلدة بحمدون ـ المحطة اللبنانية، التي تستقطب نسبة كبيرة من المصطافين الكويتيين كل عام، حتى يطيب للبعض ان يلقبها بالمحافظة «السابعة» ويضيفها الى المحافظات الست لدولة الكويت. لذا بات مألوفاً ان تخلع هذه البلدة الجبلية في قضاء عاليه البعيدة عن بيروت حوالي 20 كلم، والمرتفعة 1100 متر عن سطح البحر، وداعتها وهدوءها مطلع كل صيف، وتعد عدتها لاستقبال «ابنائها» الكويتيين، فتجهز نفسها تلبية لطموحاتهم بقضاء عطلة ناجحة تتجاوز الشهرين على اقل تقدير. كذلك تنظم النشاطات العائلية والمناسبة للاطفال بحيث لا ينقصها اي بند من بنود الترفيه والتسلية. وقد راعت الجهات المختصة والفعاليات الاقتصادية توفير كافة المتطلبات بمستويات تناسب جميع الامكانات.

والامر يستحق الاهتمام، فالحضور الكويتي في هذه البلدة يعود الى اكثر من نصف قرن، وكما كان الكويتيون السباقين الى اختيارها مصيفاً منذ منتصف الاربعينات كانوا ايضاً سباقين للعودة الى ربوعها بعد انقضاء الحرب الاهلية واستعادة لبنان امانه وعافيته السياحية. وبعيداً عن الاصطياف يزداد ارتباط الشعب الكويتي بلبنان من خلال العدد المتزايد للطلاب الكويتيين في الجامعات اللبنانية، ناهيك من التعاون الاقتصادي بين رجال اعمال من البلدين. من هنا لا يقتصر هذا الحضور السياحي على الفنادق والشقق المفروشة وانما يتجاوزه الى المنازل، حيث ان قرابة نصف ملاكي البلدة هم من الكويتيين، وغالبيتهم لديهم قصورهم ودورهم ومنازلهم، التي سارعوا الى ترميمها والرجوع للاقامة فيها عندما سنحت الفرصة.

ولأن لبحمدون حصة الاسد من الوجود الكويتي في لبنان كان طبيعياً ان ينقل الكويتيون عاداتهم ونشاطاتهم اليها، ومنها الديوانيات التي تجمع من تعودوا تفقد مواطنيهم في لقاءات تتناول شؤون وشجون مجتمعهم.

ويشير احدث الاحصاءات الى ان اسواق بحمدون تضم نحو 350 مؤسسة تجارية من مطاعم ومقاه وفنادق وغيرها. كذلك تشير بعض الارقام العقارية الى زيادة استثمارات الكويتيين في منطقة بحمدون، وتتحدث عن مشاريع قيد الانجاز، بينها 53 فيللا، تم تنفيذ عدد منها ومجمع سكني يضم 120 وحدة سكنية بمواصفات متكاملة من حيث الخدمات، ذلك ان نسبة كبيرة من المصطافين فضلت خصوصية المنزل العائلية على الشقق المفروشة والفنادق.

ومن يتجول في ربوع البلدة، لا سيما شارعها الرئيسي الذي يصعب اجتيازه حتى ما بعد منتصف الليل، وطوال ايام الاسبوع، يجد ان الصحف الكويتية تتصدر الاكشاش وواجهات المكتبات، والسيارات الكويتية تحد طرفي الطرقات والعبارات الكويتية تحتل الحوارات المتبادلة بين المارة والمتنزهين والجالسين في مقاهي الارصفة.

وانطلاقاً من هذه الروابط الحميمة بين البلدة وما يقارب 40 الف مصطاف (من اصل 120 الفاً) كان طبيعياً ان تستضيف بحمدون مهرجان الكويت الثاني هذا العام، الذي حرص على تنظيم نشاطات غنية ومتنوعة بابعادها الثقافية والتراثية والفنية والرياضية، واعتبرته سفارة دولة الكويت لدى لبنان، بصفتها الجهة المنظمة، عاملاً يعكس الاخوة الكويتية اللبنانية في ابهى صورها، خصوصاً ان بحمدون بشكل خاص ومنطقة الجبل عامة تعتبران الموقع الاساسي لحضور المصطافين الكويتيين منذ ما يقارب النصف قرن. ولم تؤثر عليه الاحداث الامنية طوال سنوات، فما ان انتهت وبدأت مسيرة السلم الاهلي حتى عاد الكويتيون الى سابق عهدهم، ونقلوا محبتهم لهذا المكان الى الاجيال الجديدة.

ولم يأل السفير الكويتي علي سليمان السعيد جهداً قبل اقامة المهرجان وخلاله لانجاحه، فشكل «خلية طوارئ» من اعضاء الطاقم الدبلوماسي والعاملين في السفارة والمكتب الاعلامي الكويتي لدى لبنان، وجهد الجميع كفريق عمل واحد للوصول بالمهرجان الى غايته.

وشارك في المهرجان الذي اتخذ شعاراً له الطربوش اللبناني والغترة والعقال الكويتي، اضافة الى الدبلوماسيين وعائلاتهم، حشد من المتطوعين والمتطوعات من ابناء العائلات الكويتية، وشهد الجميع عرساً حقيقياً للفرح، تضمن عرضاً لنماذج من التراثين الكويتي واللبناني، قدمته فرقتا يوسف المعقر والربيع، اللتان جالتا في شوارع بحمدون، وادى افرادها رقصات الدبكة ومشاهد من الفلكلور اللبناني، واحتشد لرؤيتها رعايا كويتيون وعرب، اضافة الى ابناء المنطقة والمناطق المجاورة.

وكان افتتاح المهرجان قد بدأ في 13/8/2004 مع اطلاق دورة رياضية. ومساء الاحد 15 من الشهر الحالي اقيم حفل عشاء خيري تخلله عرض ازياء شعبية كويتية للمصممة ميساء الكندري، تميز بالخطوط المستقيمة والالوان الزاهية التي غلب عليها الزهري والاخضر، فجاءت معبرة عن شخصية المرأة الكويتية ومراعاتها للتقاليد، وتضمنت حوالي اربعين زياً تعكس الانوثة والاناقة.

وفي اطار العشاء اقيمت مسابقة افضل طبق برعاية فندق شيراتون بحمدون، وقد خصص ريع هذا الحفل لصالح بلدية بحمدون ودعم بعض المشاريع التي تعود بالنفع على المنطقة، لا سيما ان رئيس البلدية، اسطه ابو رجيلي، بذل جهوداً ملحوظة للمساهمة في نجاح المهرجان، بشكل خاص، وموسم الاصطياف في البلدة بشكل عام، والسهر على راحة المصطافين.

اما الفسحة الثقافية في المهرجان فكانت مع امسية شعرية مساء الثلاثاء 17 الجاري، احياها عدد من شعراء الكويت، بينهم خالد المريخي واحمد السعيد، اضافة الى الشاعر اللبناني اميل فهد وفرقة النسور الشعرية مع سليم الصايغ ونجيب الغاوي، وشاركت في الامسية فرقة يوسف المعقر للفن الفلكلوري اللبناني.

وتميزت الامسية بتفاعل الجمهور اللبناني مع نماذج الشعر النبطي قدمها المريخي والسعيد، رغم خصوصية القصائد لاعتمادها اللهجة الخليجية المحكية، وزينت السهرة قصيدة مهداة الى بيروت «عروس الشرق الاوسط» كما وصفها حمد السعيد. كذلك لقيت قصائد المريخي استحساناً، لا سيما المغناة منها بصوت عبد المجيد عبد الله. ومسك الختام للمهرجان جاء فنياً مع النجم الكويتي عبد الله الرويشد، اذ استقطبت سهرته التي اقيمت مساء 18 الجاري آلافاً من الكويتيين بحضور وزير الاعلام الكويتي محمد ابو الحسن الذي رعى هذا الحفل الختامي والى جانبه وزير الثقافة اللبناني غازي العريضي والسفير علي السعيد ونقيب الصحافة محمد بعلبكي ووجوه اجتماعية لبنانية وكويتية. وشدد الوزير ابو الحسن الى ان هذا المهرجان يعكس ثلاثة امور هي: «اولاً، ان الكويتي عندما يأتي الى لبنان يكون في بلده الثاني. وثانياً، ان ثمة تمازجاً بين الدبلوماسية الشعبية والاعلام الشعبي، فالسفير والسفارة بالتعاون مع المكتب الاعلامي الكويتي تمكنوا من ابراز هذه التظاهرة الحضارية. اما النقطة الثالثة، فهي تكريس مفهوم التطوع، فالمهرجان الذي استمر ستة ايام لم يقتصر على الشق الرسمي كعصب رئيسي، وانما قام على اكتاف الذين تطوعوا لرفع اسم الكويت».

وقبل الانطلاق الى الغناء وزعت الهدايا التقديرية والميداليات على المشاركين والمتفوقين وقدمت الدروع الى كل من الوزير العريضي والسفير السعيد وعقيلته. كذلك تسلم ابو رجيلي شيكاً من دولة الكويت بقيمة 15 الف دولار، تعهد بتخصيصه للمثابرة على تنظيف المدينة وتهيئتها لاستقبال المصطافين، مشيراً في كلمته الى «ان الدبلوماسية اللبنانية تقوم بواجباتها من الناحية السياسية، الا ان الدبلوماسية الثقافية والسياحية تحتاجان الى جهد آخر». وبعد استعراض موسيقي وعروض لالعاب الليزر، احتل عبد الله الرويشد مساحة الفرح المتبقية من المهرجان وجذب اليه آلاف الجماهير حتى ساعات الفجر الاولى.