قصبة الأوداية حديقة أندلسية تختزل تاريخ المغرب وملتقى للفنانين ومقاه لاحتساء الشاي

TT

أبرز المآثر التاريخية في العاصمة المغربية ثلاثة هي بقايا مدينة شالة الرومانية، وقصبة الأوداية، وصومعة حسان التي يجاورها منذ نصف قرن ضريح محمد الخامس، وهي مواقع تحظى باهتمام الزوار مغاربة وأجانب.

وتحتل قصبة الأوداية مكانة متميزة في عمق مدينة الرباط العتيقة. فمن بين أسوارها الحصينة، تقابل مدينة سلا التاريخية، وتطل على المحيط الأطلسي الهادر. كما يستمتع زوارها بمنظر الغروب الفريد وهم يتأملون الشمس تختفي بين زرقة السماء وزرقة المحيط.

ولعل هذا ما يجعلها مكانا مفضلا لسكن صفوة من الأعيان والفنانين، فهي اليوم تضم مجموعة من المراسيم التشكيلية، من بينها مرسم الفنان محمد بناني، ومرسم النحات رشيد الغنيمي، وسواهما. كما أنها قاعدة المطرب العصري محمود ميكري، الذي ينظم بها المهرجان السنوي «جاز الأوداية».

وتتميز قصبة الأوداية بحديقتها الأندلسية الفيحاء، ومقهاها التقليدية التي تعج يوميا بالمجموعات السياحية المقبلة من مختلف الأصقاع لاحتساء الشاي المغربي على الطريقة التقليدية المعروفة باسم «الزيزوا». كما تتميز بمتحفها المقام في جناح بناه السلطان مولاي اسماعيل في القرن 17، ويختزن مختارات من الازياء المغربية القديمة والمجوهرات التقليدية والآلات الموسيقية والزرابي والخزف.

ويؤكد الباحثون أن قصبة الأوداية، الرابضة على ربوة عند مصب نهر أبي رقراق، تختزل تاريخ المغرب. تتجاور فيها آثار الدول التي حكمت البلاد خلال القرون العشرة الماضية.

أصلها قصبة عتيقة سكنتها قبائل برغواطة الأمازيغية، فهي بذلك أعرق تجمع سكني في الضفة اليسرى لمصب أبي رقراق. ولو أننا لا نعرف على وجه التحديد بقايا العهد الأول غير المؤرخ. ويشار هنا إلى أن أشغال تجهيز مربض للسيارات جوار الباب الكبير أدت قبل عامين إلى اكتشاف جدران مطمورة خارج الأسوار التاريخية لقصبة الأوداية، وهو ما من شأنه أن يلقي بعض الأضواء على تلك الحقبة المغمورة.

أما تاريخها المكتوب، فيبدأ في منتصف القرن الثاني عشر للميلاد، عندما اختارها سلاطين دولة المرابطين اعتبارا لموقعها المتميز في الطريق الرابطة بين مراكش، العاصمة آنذاك، وبين ديار الأندلس التي هبوا لحماها.

وهو نفس التوجه الذي اعتمده سلاطين دولة الموحدين الذين أولوها عناية أكبر، حيث شيد بها السلطان عبد المؤمن الموحدي قصرا خاصا ومسجدا ومبان للجنود. وتلاه يعقوب المنصور الذي وسع اركانها ليجعل منها اقوى حصون المغرب، بل واختار الموقع المجاور لها ليبني عليه رباط الفتح، التي اتخذها عاصمة لملكه. غير أن تنازع أبنائه بعد وفاته أضعف شوكتهم، فهاجمتهم قوات الدولة المرينية الصاعدة، ومحت أثرهم، حتى ظلت رباط الفتح والقصبة المجاورة لها خالية إلا من النوارس. ولما وصل النازحون المطرودون من الفردوس المفقود، في القرن الخامس عشر، وجدوا هذه القصبة بلا سكان فاستوطنوها. وهذا ما يفسر الأسماء الموريسكية التي تحملها أزقة القصبة وسكانها، من قبيل بيرو وبلامينو وتريدانو. وتظهر بصمات الاندلسيين النازحين واضحة في فنون المعمار، وأنواع الزخرفة، وتزيين واجهات المساكن، والاعتناء بأغراس النوافذ.

وحظيت القصبة باهتمام سلاطين الدولة العلوية الحاكمة، خاصة في عهد مولاي عبد الرحمن الذي شيد بابها الكبير، واستقدم جندا من قبائل الأوداية المجاورة لمراكش لحماية مدينة الرباط، وأسكن قائدهم في هذه القصبة التاريخية التي أصبحت تسمى قصبة الأوداية منذئد.

وتعمل مجموعة من الفعاليات الرسمية ونشطاء المجتمع المدني اليوم على إدراجها ضمن قائمة التراث العالمي الذي ترعاه منظمة «يونيسكو»، في مسعى لتوفير الوسائل اللازمة لانقاذها من تداعيات الزمن، ومن ضغوطات الزحف العمراني.