كيف يمكن أن تستمتع في مدريد بأقل ثمن ممكن؟

أكل لذيذ.. وسهر حتى بزوغ الفجر

TT

إذا أردت الاستمتاع بأي مدينة اوروبية يجب أن ترصد ميزانية خاصة برحلتك، ولكن وبعد تجربة خاصة ليس من الضروي أن تكون الميزانية عالية بحيث يمكن ان تجد مكانا للمبيت يكون مناسبا جدا ومن الاهم بنظري هو الاستمتاع بمعالم المدينة وبمقاهيها والتعرف على ثقافتها من خلال المشي في شوارعها وتذوق مأكولاتها التي تصب في خانة ثقافة البلاد.

من المستحيل الحصول على تاكسي في شارع مثل كال ماريا دو مولينا بمدينة مدريد عند حلول الساعة الخامسة والنصف مساء. وهذا لا يعود لأن سيارات الأجرة تتوقف عن الخدمة قبل هذا الوقت بل لأن كل شخص آخر في المدينة يبحث عن واحدة تقله. وهذا البحث لا يقتصر على شباب مدريد، وحافلات الساعات الأخيرة من الليل تبقى مملوءة بالباحثين عن سيارات التاكسي المتضورين من البرد وهم ينتمون إلى كل الأعمار.

وثقافة البقاء حتى ساعة متأخرة من الليل هي ميزة مدريد، ففي الوقت الذي يكون سكان الكثير من المدن الأخرى غارقين في نومهم وأطفأوا مصابيح بيوتهم تكون مدريد في غاية نشاطها. إذ يظل التجول فيها ممكنا وقضاء الوقت في ناد للرقص ممكنا حتى بزوغ ضياء النهار.

لذلك فإنني ومع مبلغ 500 دولار ذهبت قبل عدة أسابيع إلى هذه المدينة الساهرة، وغامرت في عدم إجراء حجز غرفة في فندق مسبقا ليوم الجمعة، ظنا مني أنني سأتمكن من ادخار مبلغ قليل عن طريق قضاء الليل في الخارج.

بدأت تلك الليلة أولا عند «تابِرنا الميندرو» Taberna Almendro وهي حانة صغيرة ذات جدران مطلية باللون الأصفر مع براميل ضخمة تستخدم كمقاعد. كانت الغرفة حارة حيث أجساد الحاضرين مضغوطة، وكان أكثر الناس يدخنون (وهي عادة وطنية أسبانية لقضاء الوقت) ويتوجهون بصعوبة صوب الكاونتر حيث يتمكنون من طلب وجبة خفيفة.

كانت التكاليف الأولى مشجعة إذ أنفقت 9.50 يورو وهو ما يعادل تقريبا 11.40 دولار. واشتركنا أنا وزوجي بصحن كبير جدا من «البيستو روتو» المكون من بيض وبطاطس مقلية مع صلصة نباتية لذيذة حولت هذا الفطور إلى وجبة عشاء، وفي «تابِرنا ألمندرو» يكون آخر نداء للطعام هو الساعة 12.45 بعد منتصف الليل ثم خرجنا إلى هواء الليل المثلج.

لحسن الحظ اخترنا منطقة تتطلب مشيا كثيرا، حيث يلتقي شارع «كال ديل ألمندرو» بـ «كال كافا باخا»Calle Cava Baja وهو نقطة تقاطع تحتشد فيه الكثير من مطاعم المزات «تاباز» والحانات والمطاعم العادية، ثم مشينا في الشارع بعد منتصف الليل. كان الناس يتدفقون وسط برد الليل ضاحكين وهم يأكلون التورتيلا الأسبانية الموجودة في كل مكان والمتكونة من أومليت البيض والبطاطس المقلية. أو «باتاتاس برافا» وهي بطاطس مقلية مع صلصة قرنفلية اللون مع توابل حارة. وكانت المنطقة مكتظة بالناس عند الواحدة بحيث كان علينا أن ندفع أنفسنا لأول مشرب. كان الموقع اسمهVaOva وهو ذو ديكور يمزج ما بين النمط الأوروبي للفترة ما بعد الكولونيالية مع النمط المغربي. كان علينا أن نطرق الباب وبعد أن فتح البواب لنا دخلنا إلى مكان شديد الهدوء يتعارض مع صخب الشارع.

كان الحديث يدور هادئا في ذلك البار والموسيقى هادئة أيضا، والأسعار عالية. ثم ذهبنا إلى Corazin Loco» وهو بار يعرض المزات «تاباس» مع جدران مغطاة بالآجر وكان أرخص وأكثر كرما. لكننا لم نصل إلى النافذة الخاصة بالتاباس لأن القاعدة المتبعة في اسبانيا هو أن تقديم الطعام ينتهي عند الساعة الثانية والمطبخ يغلق أبوابه آنذاك. وعند الساعة الثالثة صباحا بدأنا المرحلة الرابعة من جولتنا: الذهاب إلى النادي.

ذهبنا إلى مرقص لا يفرض أجرا على الدخول وهذا هو Dejate Besar وكان هناك طابور من الشباب ينتظرون دورهم وسط البرد لتجاوز بوابته. وحالما أصبحنا في الداخل ذهبنا إلى البار الذي كان مضاء بمصابيح النيون. ورقصنا على موسيقى ممزوجة من فترة الثمانينات والتسعينات حتى الخامسة والنصف صباح.

عند خروجنا في الساعة الخامسة والنصف صدمنا البرد حيث هبطت درجة الحرارة تحت الصفر لكننا كنا محظوظين إذ ظل Dejate Besar« يستقبل زبائن جدد. كنا آنذاك متعبين وجائعين وفي أمس الحاجة لسرير نوم. لذلك فإن فكرة البقاء حتى الظهر مستيقظين من أجل التمكن من حجز غرفة ليوم السبت ليست مريحة تماما.

ذهبنا أخيرا إلى فندق High Tech President Casellana وعلى الرغم من أجر الغرفة كان حسب اللائحة يبلغ 220 يورو لكنني تمكنت من تخفيضها إلى النصف بسبب حجزي المبكر عبر موقع الفندق على الإنترنت.

كنت ما زلت جائعة بعد سهر الليلة السابقة لذلك قررنا الذهاب إلى مطعم إيطالي يقدم الغداء إلى ساعة متأخرة من النهار. واسمه Totie Pepino الواقع عند حافة منطقة شويكا Chueca كان سعر البيتزا والباستا وسلطة ركولا الطازجة 36 يورو لكن الوجبة تستحق هذا الثمن. وخلال الساعة اللاحقة تسوقنا في شويكا حيث تجولنا داخل محلات أحذية وانتيكات غريبة. وعند ابتعادنا عن البوتيكات شاهدنا عرضا مجانيا تكريما لغاليري أوليفا الذي مضى عليه 21 سنة وهناك شاهدنا فنانة الفوتوغراف أوليفا نفسها وتمكنا من التحدث معها. عند عودتنا للفندق اكتشفت أن الوقت المتوفر لي من أجل القيلولة كان قليلا لأن علينا الذهاب بسرعة وإجراء الحجز في المطعم النباتي الواقع فيIsla del Tesoro والقريب من محطة المترو بيلباو. الطعام كان مقبولا فالمقبلات كانت فاصوليا غربانزو مع بصل وثوم وهي ممتازة؛ لكن باستا البايلا لم تكن كذلك. ولم يمض علينا أكثر من ثلاثة أرباع الساعة حتى أخبرنا أن وقت جلوسنا قد انتهى واضطررنا أن نخرج حتى قبل الانتهاء من شربنا. كانت الفاتورة 60 يورو لكلينا. بعد قضاء ليلتين أخريين نعود في كل منها عند الرابعة صباحا كان علينا مغادرة الفندق. وبعد دفع الحساب تركنا الحقائب في غرفة أمينة وذهبنا إلى الراستروEl Rastro وهو أكبر سوق للسلع المستعملة ( سوق البراغيث) يقام كل يوم أحد وهو أشهر سوق في مدريد بالنسبة لسكان المدينة وسياحها. كذلك ذهبنا إلى مطعم متحف الفنون الجميلة حيث دفعت من أجل الدخول إلى متحف Thyssen-Bornemisza الخاص بفن الواقعية المعاصرة.

كانت تكاليف الرحلة 421.63 يورو أو ما يقرب من 500 دولار.