زوق مكايل.. سوق قديمة بنبض متجدد

حركة متناغمة في قلب كسروان

TT

في المكان الوعر نشأت زوق مكايل على تلال متقاربة ومتداخلة فجذبت طبيعتها المماليك، حيث تحمي الجبال الكسروانية توترات الشرق ويؤمن البحر الالتفاتة الواسعة إلى الغرب.

ويرى عدد من الباحثين أن موقع زوق مكايل شحن أهاليها بالزخم الثقافي والاجتماعي، فهذه البلدة التي تبعد 14 كلم عن بيروت تميزت بسوقها التي شيدت على مراحل بما يتوافق وحاجات الحركة التجارية فيها ومتطلباتها.

وقد شجعت على بنيانه النهضة العمرانية التي أحدثها الأمير فخر الدين، والتي أدت إلى بناء الجسور وتشييد الخانات والأسواق.

وهذه البلدة التي تميزت بتضاريسها المتنوعة، لا سيما تلالها الصغيرة والمتقاربة الى حد التداخل، اختلف الناس في كتابة اسمها، منهم من كتب الحرف الأول من الكلمة «ز»، ومنهم «ذ». كما يشير الدكتور أنيس فريحة، في كتابه الى أن اسم المنطقة قد يكون تعريف Duk، ومعناها المكان والمحلة أو أنها تعريب Shuqa السوق، كما يرجح أن الاسم تركي الأصل.

ولجعل الزوق مركزا لاستراحة السياح نظرا لموقعها الجغرافي بين نهر الكلب ومغارة جعيتا من جهة، وجبيل من جهة ثانية، كان لا بد من ترميم السوق القديمة، الوجه التاريخي للمكان، فالسائح كما يقول ابن البلدة رئيس البلدية نهاد نوفل، في كتاب «زوق مكايل أزمنة الحضور في تاريخ لبنان»: «لا يزورنا حتى يرى المدينة، بل ليرى كل ما امتاز به أجدادنا من عادات وتقاليد»، وتحاول البلدية عبر مشروع ترميم السوق القديمة «أن تجعل من سوق الزوق عاصمة الحرف اللبنانية».

وسعيا الى حياة ليلية متواصلة تستقطب السائح العربي والأجنبي، انتشرت في السوق القديمة التي افتتحت بعد ترميمها في 11 أغسطس (آب) 1995، المطاعم التي تميزت بهندسة معمارية تراثية مرتكزة على الحجر والحديد الناري والسقوف المعقودة، حيث تمتد في الصيف إلى طريقها الداخلية المرصوفة بالحجر الأسود طبعت عليها النقوش لتصبح ممرا للمشاة، فتتشكل مساحة تتوزع في أنحائها الطاولات والكراسي في ظل نوافير المياه وأحواض الزهور وأشجار «الميسه»، التي ينظر إليها على أنها من الأشجار التراثية، والتي كان يقصدها الزوقيون للسهر ومن بينهم الشاعر الياس أبو شبكة لشرب القهوة والنارجيلة، والاستماع الى قصص الزير وعنترة يقرأها «الحكواتي» بولس السلموني، كما يشارك في السهرة «كراكوز» يقصد الساهرين ومعه «صندوق الفرجي» وعلى المتفرج أن يدفع قرشا أو قرشين. وتجدر الإشارة إلى أنه تم تشييد بوابتين كبيرتين من الحجر على مدخلي الزوق تيمنا بالأسواق الشرقية.

على مدخل السوق القديمة يربض مطعم «أوتار»، الذي يتميز بقناطره وهندسته الفريدة، فقد انفرد في إبراز مجموعة من الأسلحة القديمة ضمن حجرات، ولوحات من الحجر الصخري تجسد اشكالا مختلفة، كما تبرز لوحات مصنوعة من الفسيفساء تجسد العادات اللبنانية: كالنارجيلة والعود.

وقال مدير مطعم «أوتار» فادي محمود: «اطلق عليه المحل اسم مطعم لبناني وغنية، كما أن مقولة من المطار إلى «أوتار» أصبحت شعارا يتداوله العرب، وبالفعل فإن معظم السياح العرب يقصدون هذا المطعم مباشرة بعد وصولهم الى المطار». وأضاف: «ينفرد المطعم ببرنامج شرقي يومي يقدم 7 أيام في الأسبوع، كما يتميز بخدمته السريعة وتقديمه جميع الأطباق اللبنانية».

وليد غانم صاحب مطعم Le cardinal، أجرى دراسة ميدانية للسوق وقرر اعتماد طابع خاص لمطعمه بسبب عدم وجود مطعم مشابه له في السوق، ويقول إنه «اختار هوية» المطبخ الفرنسي بامتياز، فركز على الأطباق الفرنسية نذكر منها: poussin grillé Décassé, cardinal salad، كما خصص يوم الخميس برنامجا فنيا يعتمد الأغاني الفرنسية الهادئة لتتناسب مع الأطباق التي يقدمها.

والجدير ذكره أن هذا المطعم انفرد بالقناديل المنتشرة على أرجاء جدرانه، التي تضفي على حجارته سحر التمايز وتشع في ليل السوق جوا رومانسيا. أما مطعم الرصيف فتميز بأسلوب العمارة الشرقية، وهو عبارة عن عقد مصلب، حجارته نافرة تنتشر في أرجائه التحف الخشبية، وقد خصص هذا المطعم لتقديم مختلف الأطباق اللبنانية والأجنبية.

وفي محاذاته يقع مقهى «خان المير»، الذي تميز بلوحات منحوتة بالحجر لكبار الفنانين والشعراء وضعت على جدرانه الخارجية نذكر منها: لوحة تجسد وجه صباح، وأخرى لوديع الصافي، يقصده وجهاء البلدة للعب الورق وطاولة الزهر ويتردد اليه محبو الكتابة. هذا المقهى اعتمد على البساطة في هندسته، وزينت جدرانه بلوحات تجسد التقاليد اللبنانية والطرابيش الحمراء، كما انتشرت الطاولات الخشبية وكراسي الخيزران في أرجائه فيستمع الزائر إلى العزف على العود، وأغنيات فيروز ووديع الصافي.

وفي الجهة المقابلة من السوق يشرف مطعم «البندر» على خليج جونيه، حيث تحوطه اشجار الصنوبر ونافورة مياه، يقدم هذا المطعم أشهى المأكولات اللبنانية على أنواعها ويستقبل الحفلات والأعراس من خلال الأسعار المعتدلة التي تسمح لمختلف الميزانيات بالاستمتاع بأجمل السهرات، كما تقع في محاذاته حديقة عامة يستطيع السائح أو الزائر الجلوس تحت اشجارها الخلابة للاستراحة والتمتع بمختلف انواع الزهور المنتشرة في ارجائها والاستماع الى تغريد العصافير، وهذه الحديقة يمكن استخدامها في مناسبات الأعراس أو الاحتفالات العائلية. سوق زوق مكايل بحلتها المتجددة لا تزال تستقطب السياح العرب والأجانب الذين يؤمونها للراحة والاسترخاء وتمضية ليالي السهر.