قصر الحمراء.. ليس تاريخيا إنما التاريخ عينه

غرناطة.. سحرها خاص وجمالها في عراقتها

TT

إن أردت أن تستحضر التاريخ وتستقي الوحي الأندلسي الذي حل على عظماء الفكر والفلسفة. إن أردت الوقوف على بهاء الفن الذي أنتجته العمارة الإسلامية وجمال التصميم الذي خلفته إرثا أبديا. إن أردت أن تفهم معنى «البكاء على الأطلال»، وأن تدرك أن الأبداع باق مهما حاولت السنين طمس روعته، وأن رونق المكان لا يمحوه النسيان ولا الإنسان، حتى وإن شاء. فما عليك إلا أن تزور جوهرة الأندلس ولؤلؤة غرناطة شامخة منذ مئات السنين، متفوقة على كل ما أبدعته العمارة الإسلامية من بناء، قصر الحمراء. ولكن حذار يا صديقي عند وصولك، فإن تناهى إلى سمعك خرير المياه أو صهيل الخيل، وإذا أرعبك رنين السيوف أو فاجأتك طقطقة الرماح، وإذا أطربك عزف القيثارة أو غناء الجواري، استسلم ولا تجفل، فأنا كفيل لك بأنك في حلم فريد، حلم اليقظة، حضر دون استئذان، ليحملك على بساط من السحر ويضعك في حالة مخاض روحي. قصر الحمراء ليس تاريخيا، إنه التاريخ عينه.

لم يشهد قصر الحمراء الدولة الإسلامية الأطول عمرا والأبلغ عظمة قرابة الثماني قرون فحسب، بل كان شاهدا أيضا على سقوطها بعد معارك طاحنة دفاعا عن الوجود والكيان ضد جيوش الملكة إيزابيل والملك فرديناندو التي زحفت عبر الجبال والوديان. وسقطت غرناطة، آخر معقل للإسلام في الأندلس، في العام 897 هجري، ووقّع الملك ابو عبد الله، آخر ملوكها، معاهدة التسليم، ووقف باكيا على سفح جبل الريحان متحسّرا على حلمه الضائع، حيث خاطبته أمه عائشة الحرة قائلة «لا تبك كالنساء عرشا لم تصنه كالرجال».

اختلفت الآراء حول مصدر اسمه، فهناك من قال إنه يعود إلى بني أحمر، وهم بنو نصر الذين حكموا غرناطة إلى حين سقوطها، ثم قال آخرون إنه سمي كذلك نسبة إلى مدينة مجاورة عرفت باسم المدينة الحمراء. ولكن الشائع، وربما الأكثر مصداقية، هو القول السائد بأن الاسم يعود إلى اللون الأحمر الذي تتميز به التلال المحيطة وبالأخص تلك التي شيّد عليها القصر. أمر ببنائه يوسف الأول، واكتمل في عهد ابنه محمد الخامس.

يقال إن بناء قصر الحمراء بدأ في القرن السابع الهجري على الرغم من أن بعض أجنحته يعود إلى القرن الثامن الهجري، يتميز بزخرفات بديعة غطت جدرانه الداخلية والخارجية، عمل في تصميمها أكثر الفنانين إبداعا في ذلك الحين، توافدوا من مختلف البقاع الإسلامية آنذاك، ليضيفوا على هندسته رونقة وروعة نادرتين. همهم الوحيد كان تزيين كل شبر منه بالرسوم والزخرفات الفريدة، بهدف جعله تحفة فنية أبدية تثلج الصدور وتفتح العيون وتجعل الإقامة فيه هنيئة وأمينة في آن.

يحمي القصر سور طويل ومزدوج في بعض أجزائه يحيط به من الجهات الأربع، يتخلله 27 برجا تعددت أحجامها وأغراضها، معظمها للحماية والدفاع عن القصر، وبعضها للسكن، وعدد قليل منها بمثابة قصور صغيرة. ويتخلل السور أربعة مداخل هي: باب السلاح وباب العدالة وباب السبع أراض وباب «الأرابال».

اتخذه الملوك والسلاطين مركزا لإقامتهم، وخصّصوا بعض أجنحته لكبار الموظفين ولعناصر من نخبة جيشهم بالإضافة إلى الخدم. يتألف القصر حاليا من اربعة أجنحة، جناح القصور والجناح العسكري، ثم جناح المدينة وجناح الحدائق والبساتين.

بهو الأسود هو من أجمل أجزاء القصر، تحدّده سلسلة من الأعمدة وتتوسطه نافورة مياه صغيرة يحيط بها اثنا عشر أسدا من الرخام الأبيض، وتُعرف هذه النافورة بـ «ساعة الماء». يقال إنه في الماضي كانت المياه تخرج من أفواه الأسود لتشير إلى الساعة، وزخم المياه كان يشير إلى الدقائق. ولكن، إلى الحين، لا تزال هذه الساعة لغزا عصيا حله. توجد النافورة الأصلية وأسودها الاثنا عشر حاليا قيد الترميم في مكان آخر.

إذا صادفت زيارتك بين شهري نوفمبر (تشرين الثاني) وفبراير (شباط)، فأمامك خياران لزيارة قصر الحمراء، أثناء النهار بين الساعة الثامنة والنصف صباحا والسادسة مساء، حيث بإمكانك الحصول على تذاكر الدخول من الساعة الثامنة صباحا ولغاية الخامسة عصرا. أما إذا أردت التمتع بزيارة ليلية فبإمكانك القيام بها يومي الجمعة والسبت من الساعة الثامنة ولغاية الساعة التاسعة والنصف ليلا، حيث بإمكانك الحصول على التذاكر بين السابعة والنصف والثامنة والنصف ليلا. أما إذا صادفت الزيارة بين شهري مارس (آذار) وأكتوبر (تشرين الأول)، فلديك ساعتان إضافيتان خلال زيارتك النهارية، مع العلم بإمكانية القيام بالزيارة الليلية كل أيام الأسبوع ما عدا يومي الأحد والإثنين من الساعة العاشرة إلى الحادية عشرة والنصف ليلا. ولا تتردد بالبحث عن دليل يتكلم اللغة العربية عند مدخل القصر، فما أكثرهم، إذا اصطحبت أحدهم أثناء الزيارة سيجعل منها تجربة فريدة ويشرح لك كل ما يجب أن تعرفه وأكثر، مما يضيف طابعا ثقافيا بالإضافة إلى الطابع الترفيهي، وذلك مقابل إكرامية يتقبلها شاكرا عند المغادرة.

خصّص لزيارة قصر الحمراء يوما كاملا كي تتمكن من التمتع بجميع أجنحته وحدائقه، واستعلم عن الطقس ودرجة الحرارة. فغرناطة مدينة حارة جدا في فصل الصيف وباردة جدا في فصل الشتاء. القليل من الماء والمأكولات الباردة الخفيفة تساعدك على قضاء يوم ترفيهي، خصوصا إذا جلست في إحدى الحدائق الجميلة الموجودة ضمن القصر، والتي من شأنها أن تخفف وطأة الحر إذا تزامنت زيارتك مع فصل الصيف، وخصوصا في شهري يوليو (تموز) وأغسطس (آب).

وإذا أخذنا بالاعتبار أن عدد السياح الذين يدخلون قصر الحمراء سنويا يقارب المليونين، فلا عجب بأن تنصح الإدارة بشراء التذاكر مسبقا من خلال أي فرع لمصرف BBVA من فروعه الـ 4000 الموجودة في إسبانيا وباريس ولندن ونيويورك وميلان، أو من خلال الاتصال بالرقم التالي 224460 902 إذا كنت موجودا في إسبانيا، أو 78 91 537 91 34 00 إذا كنت موجودا في الخارج، أو عبر شبكة الإنترنت بالدخول إلى الموقع التالي www.alhambratickets.com. ثمن تذكرة الدخول إلى قصر الحمراء 10 يورو، وثمن تذكرة الدخول إلى الحدائق المحيطة به 5 يورو، والدخول مجاني للأولاد ما دون الثامنة من العمر. وإذا طالت إقامتك في المدينة لعدة أيام فما عليك إلا شراء الـ Bono Turistico، وهو عبارة عن بطاقة تسمح لك بزيارة جميع معالم المدينة الأثرية ومتاحفها المهمة ومن ضمنها قصر الحمراء وحدائقه.

ولكن ربما أفضل وسيلة لزيارة قصر الحمراء هي الاتصال بإحدى وكالات السفر الإسبانية التي تتولى جميع الترتيبات التي تشمل المواصلات إلى غرناطة، ثم الإقامة وزيارة المدينة التي لا بد منها، لأن هناك الكثير من المعالم والأماكن التي يمكن للسائح أن يتمتع بها أثناء تجوله في شوارعها الضيقة والعتيقة. فحيثما كنت، في أي مدينة إسبانية، ما عليك إلا أن تقترب من أي وكالة للسفر، وما أكثرها في إسبانيا، للوقوف على العروض الكثيرة التي تقدمها للسياح وتختار الأنسب. أما إذا كنت خارج إسبانيا، فتريّث إلى حين وصولك إليها، حيث، في أقل من نصف ساعة، تتمكن عبر أي من هذه الوكالات أن تقوم بجميع الترتيبات اللازمة لزيارة القصر والمدينة معا إذا شئت.

أما إذا وصلت إلى غرناطة في سيارة خاصة، فنصيحتي لك أن تتركها في مرآب الفندق أو في وسط المدينة وأن تستقل وسائل النقل العديدة التي تنقلك إلى القصر وإلى جميع أنحاء المدينة بأسعار زهيدة. وإذا كنت من محبي التجول والتعرف عن كثب إلى كل معالم المدينة، فدع السيارة جانبا وأطلق العنان لقدميك، فإن كل ما ستراه سيترك لديك انطباعا جميلا وذكرى جديرة بأن تخبر بها الأصدقاء وتدعوهم لزيارة المكان.

فنادق غرناطة كثيرة ومتعددة وتناسب مختلف الميزانيات. أسعارها معقولة مقارنة بالفنادق الأوروبية، خاصة الفرنسية والإيطالية والبريطانية، وخدماتها ممتازة لكونها مدينة سياحية من الدرجة الأولى، ولتعدد الجنسيات والجاليات التي تقطنها وخاصة المغاربية منها. شعبها مضياف متسامح إعتاد على التعاطي مع الأجانب وبخاصة العرب منهم، ومما لا شك فيه أنه سيحاول أن يجعل من إقامتك في المدينة وزيارتك لمعالمها تجربة لا تنسى.

ربما أجمل وأروع فنادق غرناطة هو فندق El Parador، أسعاره معقولة، خدمته ممتازة، ناهيك عن مطبخه الذي لا يضاهى، حيث بإمكانك أن تتمتع بإقامة مريحة وسكينة هادئة. وهذا الفندق هو واحد من الفنادق التي تشكل سلسلة فنادق Los Paradores، وهي عبارة عن عدد من القصور التاريخية القديمة التي حولتها وزارة السياحة الإسبانية منذ أكثر من ثلاثين سنة إلى فنادق في غاية الروعة تنتشر في جميع أنحاء إسبانيا. بإمكانك الحصول على مزيد من المعلومات في الموقع التالي: www.parador.es .

لا تغادر المدينة قبل التجول في شوارعها الجميلة وبالأخص حي البياثين الذي يعج بالتاريخ وتنبعث منه رائحة الأندلس. ثم عرّج على احد المطاعم المغربية وتذوّق طبقا من الكسكس، أو إلى أحد المقاهي المختصة بتقديم الشاي بجميع أصنافه ونكهاته. بهذه الطريقة تختتم زيارة سياحية ثقافية تركت، أيضا في فمك، طعما لا تنساه يدعوك للعودة إليها مرة أخرى.

بإمكانك الحصول على المزيد من المعلومات عن قصر الحمراء وعن مدينة غرناطة عبر مواقع الإنترنت التالية:

www.alhambradegranada.org www.alhambra.org infowww.alhambra.

www.alhambra-patronato.es